^ إثر اختتام اجتماع المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون دورته الاعتيادية في 14 مايو الجاري، أدلى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ببيان صحافي أكد فيه “ترحيب ومباركة قادة دول المجلس الاقتراح المقدم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى، بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وإيمانهم بأهمية هذا المقترح وأثره الإيجابي على شعوب المنطقة. وبناء على قرار المجلس بتشكيل هيئة متخصصة يوكل إليها دراسة المقترحات المعنية بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وأن يقوم المجلس الوزاري باستكمال دراسة ما ورد في تقرير الهيئة المتخصصة وفقاً لذلك وبمشاركة معالي رئيس الهيئة”، مؤكداً نية القادة الخلييجيين في عقد قمة استثنائية تخصص لمناقشة هذه القضية نظراً لأهميتها. يمكن قراءة ما جاء في البيان الختامي الصادر عن تلك القمة الخليجية من زاويتين مختلفتين؛ الأولى تشاؤمية ربما تصحبها لدى البعض مسحة من الشماتة، تعتبر ما تمخضت عنه القمة دليلاً على “فشل القادة الخليجين” في التوصل إلى مشروع اتحادي اندماجي متكامل، ولا تتورع عن تضخيم بعض الخلافات الداخلية القائمة بين بعض دوله كي تنتهي في نهاية المطاف إلى ما مفاده استحالة تحقيق ذلك. بوسع هذه القراءة أن تستعين بالكثير من المحاولات التوحيدية الخليجية السابقة، ولن تتردد في تعزيزها بمشروعات وحدوية عربية مشابهة سعت لها تجمعات إقليمية عربية أخرى آلت جميعها إلى الفشل الذريع، كي تنتهي -هذه النظرة- بنشر موجة إحباطية تصل إلى درجة التشكيك في إمكانية تحقق هذا الحلم الذي يزيد عمر بذرته على الربع قرن. أما القراءة الثانية، والتي سنتوقف عندها بشيء من التفصيل، فهي تلك الموضوعية التي ترى في ذلك القرار شيئاً من التأجيل، الذي لن، ومن الخطأ الجسيم أن يعني توقف العمل من أجل الوصول إلى تحقيق مثل هذا المشروع الحضاري الإستراتيجي. ومن هنا تركز هذه القراءة على تفاعل العوامل الذاتية والموضوعية التي قادت إلى هذا القرار، المؤجل (بفتح الجيم)، وليس الرافض للمشروع، والتي يمكن تلخيصها أهمها في النقاط التالية: على الصعيد الموضوعي، ربما وجد القادة، أن الظروف الموضوعية الخارجية، بما فيها انقسام المحافل العالمية الحالي في مواقفها من أي مشروع استراتيجي عربي، يجعلها غير مهيأة لاتخاذ موقف إيجابي صريح ومطلق من مشروع بحجم “الاتحاد الخليجي”. فالتحالفات الإقليمية ذات الأبعاد الدولية ستمنع البعض من تلك الدول من اتخاذ الموقف المؤيد العلني الصريح من الاتحاد في حال قيامه. الأمر ذاته سينطبق على القوى الإقليمية سواء تلك العرببة المتأثرة بشكل مباشر بتداعيات “الربيع العربي” من أمثال مصر وتونس وليبيا، دون استثناء سوريا بطبيعة الحال، أو بشكل غير مباشر من الدول الشرق أوسطية مثل إيران وتركيا دون إسقاط العدو الصهيوني من تلك الحسابات. محصلة كل ذلك هي أن الظروف التي تمر بها المنطقة في هذه المرحلة ليست الأكثر ملاءمة من الناحية الزمنية لإطلاق مشروع وحدوي بهذا الحجم الاقتصادي وهذه الأهمية الاستراتيجية وبمثل هذا الحضور السياسي. المقصود هنا أن الزخم الإيجابي الموضوعي الذي تحتاجه انطلاقة مشروع الاتحاد الخليجي غير متوفر، وما يزال بحاجة إلى خطة أكثر وضوحاً بوسعها أن تخلق الظروف التي يحتاجها مثل هذا التأييد، وهو مطلب يصعب على الاتحاد المزمع تأسيسه تحقيقه في هذه المرحلة بالذات نظراً للأوضاع غير المستقرة التي تمر بها المنطقة العربية إجمالاً، والخليجية بما فيها أوضاع العراق على وجه الخصوص. أما على الصعيد الذاتي، وهو الأكثر تأثيراً ومن ثم أهمية، فربما اكتشف القادة الخليجيون، وليس في وقت متأخر، كما يحلو للنظرة المتشائمة أن تجد أن ظروف دول الاتحاد الذاتية لم تصل بعد إلى درجة النضج على المستويين؛ الوعي والحاجة، التي تبيح لهم الإقدام على هذه الخطوة، التي لو تمت في عجالة ستكون عواقبها وخيمة، وربما تولد ردود فعل معاكسة تهدد الكيان الاتحادي التعاوني القائم بدلاً من تطويره إلى الحالة الاتحادية. إذ لا يزال هناك بعض التفاوتات السياسية والاجتماعية، بل وحتى الاقتصادية بين دول مجلس التعاون، التي بحاجة إلى معالجة عميقة قادرة على الحد من تفاقم تلك التفاوتات وتقليص الفجوات القائمة بينها في المرحلة الأولى، ثم زرع عناصر التوحيد في المرحلة اللاحقة. هذا يضع على الهيئة التي أوكل لها وضع الدراسة التقويمية التي سيتم على ضوئها اتخاذ قرار الانتقال من مرحلة التعاون إلى حالة التوحد مهمة معقدة، وذات أبعاد متشعبة تبدأ بالتشخيص الاقتصادي وتعرج على فهم الواقع السياسي، وتتنهي بقراءة معمقة للأوضاع الاجتماعية بتشظياتها الطائفية والمناطقية وحتى القبلية. الإشارة إلى مثل هذه العقبات ينبغي أن لا يخفي عن أبصارنا العديد من العوامل الأخرى الإيجابية النابعة من الخلفية الحضارية لشعوب هذه المنطقة، المنبثقة من جذور إسلامية متعايشة مع الأديان السماوية الأخرى من يهودية ومسيحية، ولا يسقط من حساباتنا الروابط القبلية في بعدها الإيجابي، التي ما تزال قادرة على ممارسة دور فعال فيما لو أحسن توظيفها، ودون أن يفوتنا أيضاً الجانب الاقتصادي المعتمد على النفط بوصف كون عائداته وأمواله الفائضة البند الأساس في موازنات الدول الخليجية دون أي استثناء، وبالتالي يمكن أن يشكل عاملاً مهماً من عوامل التوحيد بدلاً من التقسيم كما نشاهد بين الحين والآخر. كل تلك العوامل الإيجابية وأخرى غيرها، يمكن أن تكون الخميرة الأساسية للدراسة التي تقوم الهيئة بإعدادها، والتي نأمل أن تكرس جهودها كي ترسم أكثر من سيناريو وبديل تصب جميعها في التوجه نحو الوصول إلى شكل من أشكال العمل الوحدوي القابل للاستمرار أولاً، والتطور الإيجابي ونحو الأمام ثانياً، دون أن يتم ذلك على حساب التريث في وضع صمامات الأمان الضرورية القادرة على معالجة المشكلات والتصدي للأخطار التي تمس ذلك الكيان الوحدوي عند تأسيسه، داخلية كانت تلك التهديدات أم خارجية. ربما أجلت القمة الخليجية الأخيرة حلم المواطن الخليجي المتعطش إلى رؤية بلدان المجلس أو بعضها تنتقل إلى الحالة الوحدوية التي نطمح جميعاً إلى تحقيقها، لكن ذلك لا يعني مطلقاً دفن المشروع أو تخزينه في أدراج الغرف المظلمة، فمآل الظروف الموضوعية أن تتغير وفي اتجاه يشجع على الخطوات التوحيدية، ومن واجب القادة أن يعملوا من أجل إزالة العقبات الذاتية وإحلال العوامل التوحيدية مكانها. وإلى أن يتم ذلك، يقبل المواطن الخليجي بتأجيل حلمه، لكنه لا يقبل المساومة على وأد مشروعه.