^ اتحاد أقطار مجلس التعاون ليس وليد اليوم ولا الساعة، فقبلاً كانت هذه الأقطار داراً واحدة تسمى الجزيرة العربية، يسيرون جميعاً على رمالها بدون حواجز، وبعد ذلك تحولت إلى دويلات، ثم اجتمعت هذه الدويلات في إطار واحد وهو (مجلس التعاون) في 25 مايو عام 1981م، وقد نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي لهذا المجلس على “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات بينها”، وما صدر من قرارات وتوصيات خلال مسيرة هذا المجلس منذُ إنشائه حتى يومنا هذا يرمي إلى تحقيق هدف واحد يسعى إليه المجلس وهو “الاتحاد”، وقد جسد هذا المفهوم خادم الحرمين الشريفين في الاجتماع الأخير لقادة أقطار المجلس في ديسمبر 2011م لتحقيق الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهي بداية حقيقية لتدشين مرحلة تاريخية مهمة في مسيرة العمل الخليجي والعربي المشترك. إن الاتحاد الذي تسعى إليه أقطار مجلس التعاون وفي هذا الوقت بالذات يأتي لتجنب تحديات داخلية وعربية وإقليمية ودولية، تحديات نواجهها خليجياً مما يتطلب من هذه الأقطار وقادتها اتخاذ القرارات المناسبة لتحويل هذه الأقطار الستة إلى دولة اتحادية واحدة لتقف لاحقاً بقوة أمام تلك التحديات، ولتكون عنواناً جديداً أمام تلك المتغيرات السياسية والاقتصادية التي أشعلها الربيع العربي الساخن. إن واحد وثلاثين عاماً من عُمر مجلس التعاون تعتبر فترة شبابية في عُمر الزمن ولم تصل إلى مستوى رضا وتطلع أبناء أقطار مجلس التعاون، وما حصل من عثرات وثغرات كانت ملازمة لها ولأي تجربة تعاونية أخرى، والانتقال إلى مرحلة جديدة مهم جداً لتخطي الكثير من هذه الثغرات ولتجنب تلك العثرات، وأن فترة الانتقال هذه (الاتحاد) ستكون ملائمة جداً للتكوينات السياسية والمتغيرات الجديدة في المنطقة، لكون الاتحاد أكثر مساحة وما يصدر عنه سيكون أكثر التزاماً من صيغة التعاون، وهذا ما سيجعل من أقطار المجلس أكثر قوة ووزناً وتأثيراً اقتصادياً وسياسياً عربياً وإقليمياً وعالمياً. فالأمر لا يتعلق فقط بتغيير مُسمى التعاون إلى الاتحاد، بل يتطلب أشياء أخرى ملازمة لها وينسجم مع تحقيق أهداف هذا الاتحاد وتطلعات شعبه الخليجي، على سبيل المثال لا الحصر، الاسم الجديد يحتاج إلى تحديث هيكله العملي وإلى الكثير من المرونة بين أعضائه، وإن كانت هناك تنازلات من أي دولة فسيكون لصالح هذا الاتحاد ولن يكون نقصاً فيها، وهذا الأمر يتوافق مع هذا التوجه الجديد، سواء كان اتحاداً فيدرالياً أو كونفدرالياً. إن الاتحاد ليس فقط تجمع بل أيضاً هو قوة، وهناك الكثير من التجارب الدولية لاقت نجاحاً كتجربة الولايات الهندية والأمريكية الفيدرالية، والتجربة الأوروبية الاتحادية الكونفودرالية، فهذه البلدان أرادت أن تتوحد من أجل تحصين أوطانها وتأمين استقرار شعوبها وتحسين نوعية حياتها، فلماذا لا تسعى أقطار مجلس التعاون لهذه الخطوة بعد أن بقت ثلاثين سنة وسنة في إطار التعاون؟ فجميع معطيات الاتحاد متوافرة بل أكثر من الدول تلك التي سبقتها بعشرات وعشرات السنين، فاللغة والدين يجمعهم، والمصير المشترك والتراب الجغرافي يُقربهم، والتاريخ والقربى والنسب يؤمهم، والثروة والمال تملأ أرضهم، فما الذي إذن ينقصهم؟ بل إن جميع هذه المعطيات وغيرها تعمل على الإسراع بخطوات أسرع نحو تحقيق الاتحاد الخليجي العربي. فهذا الاتحاد أولاً سيكون قادراً على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها أقطار مجلس التعاون اليوم وخاصة تلك المتعلقة بهويتها العربية وبسيادتها على أراضيها. وثانياً يُمثل الاتحاد الخليجي العربي تطلعاً مشروعاً لأبناء هذه الأقطار مجتمعة. وثالثاً فإنه سينعم على منطقتنا الخليجية المزيد من الأمن والاستقرار والرفاهية والحياة الكريمة لشعب المنطقة. ورابعاً سيكون بمقدور هذه الأقطار المتحدة الإسهام بدور كبير جداً في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وفي النهضة العلمية للإنسانية. وخامساً سيكون الاتحاد قوة لنا في صون ثرواتنا النفطية المستهدفة من قبل الطامعين، وتأميناً لأمننا المستهدف من أعدائنا. أليست هذه العوامل وغيرها تعتبر حوافز حقيقية لقيام هذا الاتحاد ؟ فلن يصون ثرواتنا ويحمي أرضنا ولن يسود أمننا ويتحقق استقرارنا إلا باتحادنا العربي الخليجي. فلقد حققنا الكثير من المكاسب والإنجازات بتعاوننا وسينتظرنا الكثير منها باتحادنا، فاتحادنا هو قوتنا وتشتتنا وتفردنا ضعفٌ لنا ويعوق تحقيق أهدافنا الاتحادية. فنعم لدولة الاتحاد العربي الخليجي