كتب - حسين التتان وطارق المصباح: يعتقد النائب خميس الرميحي أن اختلاف وجهة نظر الصيادين حول طبيعة المشكلة التي يعاني منها الصياد البحريني، هو ما أخر مشروع (صندوق الصيادين). لكن الرميحي اتفق معنا عندما أبدينا أمامه أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، إلا أننا خلال تجوالنا بين الصيادين وبين جمعيتهم وباطلاعنا على جميع الآراء المتباينة، اكتشفنا حقيقة ما ذهب إليه الرميحي فلا وجود لنظرة توافقية، تحدد مسار انطلاقة إصلاح قطاع الصيد في البحرين، لكن هذا لا يعني أننا لا يمكننا أن نبدأ بوضع الحلول. هذه الزحامات من الاختلافات والنقاشات والهواجس عطلت البحر، وأصبح البحريني لا يستطيع شراء السمك لثمنه الباهظ، وإذا توفرت السيولة، فالسمك غير متوفر في الأسواق. البحرين اليوم من دون أسماك وفيرة، ومن يأكل السمك في هذه الأيام فإنه محظوظ، لكن ماذا عن المصدر؟ ماذا عن البحر وعن الصيد والصيادين؟ ما مستقبل البحر ومستقبل مهنة الصيد في جزيرة تحيطها مياه البحر منذ القدم؟ وما مصير مهنة الأجداد والآباء والأبناء أيضا؟.. ثم ما قصة قانون( صندوق الصيادين)؟ وإلى أين وصل الصندوق في أروقة المجلس النيابي؟ هل هو الحل؟ أم أنه جزء من الحل؟... بل أين هو الحل الجذري للمشكلة؟ سنناقش في هذا الجزء، وهو الأخير، من موضوعنا هواجس البحارة والصيادين البحرينيين بجميع تفاصيلها، واضعين بين يدي القارئ الصورة كلها ليكون شاهداً وحكماً على بحر من دون سمك، وعلى صياد يعيش من دون دَخْل. رؤى مختلفة لأن المشكلة متداخلة ومعقدة وقديمة، فمن الصعب الإمساك بها، أو معرفة بدايتها أو كيفية الدخول إليها، لكننا حاولنا اللجوء إلى النائب خميس الرميحي، ربما يدلنا على بعض خيوطها، لأنه ينوب عن أهالي دائرة جلّ أهلها من الصيادين المحترفين. أخبرنا الرميحي أن مشكلة الصيادين تتلخص بعدم توافقهم على رؤى واحدة ومحددة، فيما يعانونه من مشكلات متداخلة، تخص الصيد ولهذا يطالبهم بالاتفاق وتوحيد معالم المشكلة من أجل السير في خطى واضحة المعالم عندما يرغب الجميع، وبالتحديد مجلس النواب والحكومة في رسم حل لأزمتهم، ويقول: إن مشكلة الصيادين تؤرقنا وتؤرقهم، وهي حقيقة موجودة لا يمكن تجاهلها أو تهميشها. كان هناك مقترح قدمه بعض الأخوة النواب في الفصل التشريعي الثاني لإنشاء صندوق للصيادين، وهو حالياً موجود لدى لجنة المرافق العامة والبيئة في المجلس، وبهذا الخصوص هناك بعض المرئيات لدى الجهات المختصة لتعديل بعض بنود المرسوم، وكان مقترح إنشاء صندوق للصيادين يهدف إلى ضمان حياة مادية ثابتة للصيادين المحترفين. ويرى أن المشكلة التي ربما تعطل عجلة الحل هي إشكالية عدم التوافق على رؤى موحدة بين جميع الأطراف، فهناك جمعية للصيادين وهناك صيادين، وهذا التعدد من شأنه تعطيل المقترح وتأجيله. ويقول الرميحي: أذكر عندما كنت في لجنة المرافق العامة والبيئة اجتمعنا بالصيادين لمعرفة نظرتهم حول المقترح (الصندوق)، وخلال الاجتماع اكتشفنا أن هناك اختلافات متباينة جداً حول تحديد المشكلة، ولو كانت المقترحات والرؤى واحدة، لكانت المسألة أسهل وأفضل حين يراد لها أن تنفذ، وهذا من شأنها (لو حدثت رؤية موحدة) أن تتقبل الحكومة عملية التطوير والتغيير في القوانين والتشريعات، وأيضا تنفيذ التوصيات التي قدمها أعضاء المجلس كذلك. وفي نهاية حديثنا معه أخبرنا الرميحي أن ملف الصيادين حالياً لدى لجنة المرافق العامة والبيئة، وبالتحديد عند النائب حسن الدوسري. فكرة الصندوق توجهنا مباشرة للحديث مع الدوسري، لمعرفة أين وصل ملف الصيادين في المجلس النيابي، فأخبرنا أن الموضوع كان من المفروض طرحه في المجلس قبل نهاية الدور الحالي، وقال: نحن في لجنة المرافق العامة والبيئة توقعنا أن تتم مناقشة (صندوق الصيادين) قبل نهاية انعقاد الدور الحالي، لرفعه إلى مكتب المجلس لمناقشته. واستدرك: لابد أن أذكر أن هذا الصندوق تمت مناقشته سابقاً ولكن هنالك بعض الملاحظات تسببت بإعادته إلى اللجنة ثانية لوضع مرئياتها النهائية في القانون. أما ما ذهب إليه النائب خميس الرميحي من اختلاف رؤى الصيادين وجمعيتهم، فيقول الدوسري: نحن في المجلس غير معنيين بتوحّد الرؤى وتحديد معالم المشكلة، سواء كان ذلك من وجهة نظر الصيادين أم جمعيتهم أم أي طرف آخر، بل ما يهمنا نحن في المجلس كسلطة تشريعية ضمان حياة معيشية مستقرة لجميع الصيادين المحترفين، أولئك الذين يمتهنون الصيد كمصدر رزق وحيد لهم. ويضيف: إن صندوق الصيادين يضمن دخلاً ثابتاً للمشمولين به، والمقترح أن يكون الدخل 200 دينار شهرياً. أما صيادو الربيان ففي حال توقفوا عن الصيد في فترة عدم السماح بذلك، فالمقترح وضع دخل ثابت لهم بمقدار 300 دينار. أما في حال عجز الصياد المحترف عن الصيد لأي سبب يمنعه عن ذلك، أو كانت هناك معوقات للصيد كالكوارث الطبيعية وسواها فيأتي هنا دور (صندوق الصيادين) ليتكفل وبصفة شهرية بمنح مبلغ ثابت لكل صياد محترف ليضمن له مرتباً شهرياً في حال أصابه أي معوق. ويضيف: إن الجميع يعرف اليوم أن هذه الفئة وهذا القطاع تحديداً، لا يملك أصحابه دخلاً شهرياً ثابتاً كما هم الموظفون والعاملون في القطاعين، وإنما دخلهم كله يعتمد على مستوى الصيد وظروف البحر، وبذلك فهم لا يحصلون على علاوات أو تأمين أو تقاعد، ومن هنا جاءت فكرة صندوق الصيادين، لضمان حقوق هذا القطاع، من خلال توفير حياة كريمة ودخل ثابت لهم، على الرغم من جميع المتغيرات التي تحصل لهم في أثناء مزاولتهم المهنة. لا يصلح البحر إلا قرار سياسي أمين سر جمعية الصيادين عبدالأمير المغني، يلخص مشكلة قطاع الصيد بأمرين فقط لا غير، وأن كل ما يطرحه بعض الصيادين اليوم، لا علاقة له بالمشكلة الرئيسة، وهو يقول أن المصيبة كلها تتمثل بأمرين، وهما: الدفان غير القانوني للبحر، وكثرة رخص الصيد، وما الباقي إلا مشكلات تبعية، أي أنها متفرعة من هذين الأمرين. ما حقيقة المشكلة؟ ومن أين بدأت وكيف ستنتهي؟ هذه هي الأسئلة المشروعة التي نتوجه بها إلى المغني للإجابة عنها، وهو أجابنا عن هذه الأسئلة بالقول: إن المتتبع لعمل جمعية الصيادين، في الأقل منذ 2009 وتحديداً شهر فبراير، حين وقفت الجمعية وقفة صارمة مع الصيادين لإيجاد حل لأزمتهم، ووقفنا جميعاً لمدة 9 أيام مطالبين القيادة بوضع حل لأزمة البحارة. ويقول المغني كذلك : هناك أسباب عدة أدت إلى تدهور الثروة السمكية في البحرين، الرئيسي هو عامل الدَّفان غير القانوني (دفن البحر)، لأنه قضى على السواحل وموائل الأسماك، والجزر المدفونة، مدمراً 80% من المصائد. أما السبب الآخر فهو أعداد رخص الصيد الكثيرة، فإذا جئنا إلى عدد (البوانيش) هناك اليوم 115 رخصة. أما رخص الصيد للقوارب الصغيرة (الطراريد) فهناك اليوم 1079 رخصة. بالنسبة لرخص صيد الربيان المخصصة للبوانيش فهي 244 رخصة، وأما رخص صيد الربيان المخصص (للطراريد) فهي 108 رخصة، فيصبح المجموع 1546 رخصة، ووصلنا اليوم إلى نتيجة مفادها أن أعداد رخص الصيد تفوق طاقة البحر وطبيعة الصيد في البحرين، فهل يوجد عند ذلك فرق بين وجود عمالة أجنبية أو حتى بحرينية؟ المغني يرى أن المشكلة ليست في العمالة الأجنبية، ولكن في الرخص وأعدادها، فهناك تقرير يشير إلى أنه يجب أن يخرج من الرخص الحالية ما مجموعه 846 رخصة صيد، لتبقى 700 رخصة فقط، حسب تقرير الثروة السمكية. ويقول المغني عن مصائد الربيان وبالأرقام: أثبت المسح الميداني لمصائد الربيان للعام 1980 أن بحرنا لا يستوعب أكثر من 80 سفينة صيد، لكننا نجد اليوم أن لدينا من الرخص الخاصة بالربيان والتي تتمثل بين (طراد) و(بانوش) هي 352 رخصة، بينما المسح الميداني كما ذكرنا لا يستوعب أكثر من 80 سفينة، والسؤال المطروح اليوم هو: من الذي أعطى هذه التراخيص كلها منذ العام 1980 إلى يومنا هذا؟ ويرى المغني أن هناك من يمنهج القضاء على الثروة السمكية في البحرين، وأن هناك تراخيص تعطى من تحت الطاولة، ويقول: نحن لا نتَّهم إدارة الثروة السمكية، بصفة مباشرة، لأن هناك أيدٍ خفية تعبث بالقوانين، وهذا العبث عادة ما يتحمل تبعاته الصيادون والمواطنون، أولئك الذين يتحملون غلاء الأسماك وعدم قدرتهم الحصول عليها. وسألناه عما تخطط له الجمعية لحلحلة مشكلات الصيادين، فأجاب: نحن في جمعية الصيادين وضعنا للجهات المسؤولة مرئيات واضحة المعالم لإصلاح قطاع الصيد، لكننا في الواقع لم نجد أي نوع من أنواع الإصلاح في هذا القطاع، بل هناك تضييق واضح، يمارس ضد الصيادين المحترفين، خصوصاً للمناطق المدفونة، فالدفان غير القانوني هو أساس جميع المشكلات. ويعود المغني إلى وراء ليسرد ما يذمر به الجهات المسؤولة عن الصيد، ويقول : عندما وقفنا في العام 2009 وقفة ضد الصيد الجائر والدفان غير القانوني، التقينا حينها صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان، فأكد لنا حقيقة ما ندعيه، واطلع على الأمر حتى تيقن سموه إننا بالفعل أصبحنا متضررين، وحينها أصدر توجيهاته بتعديل أوضاع الصيادين والعمل لتنفيذها فوراً، لكن لحد الآن لم تطبق تلك التوجيهات، التي كانت تعني بتطوير قطاع الصيد، ولو نفذت لكنا اليوم بألف خير. ويضيف المغني: إن الأمر الأكثر أهمية، هو تخفيض أعداد الرخص، وهذا أهم ما في أجندة جمعية الصيادين وهي تطالب بها مدة من الزمن، فنحن طالبنا الحكومة عبر إدارة الثروة السمكية، لكن ليس هناك من مستجيب لدعواتنا، ولهذا استمرت الجهات المختصة بإعطاء الرخص، وهذا ما جعلها تصل إلى ما يفوق المتوقع، وأدى ذلك إلى استنزاف المحصول البحري. أما النسبة إلى طرق الصيد وأدوات الصيد الجائرة، فيقول المغني: نحن نقر أن هناك أنواعاً كثيرة من أنواع الصيد الجائر، ونحن لا نختلف على ذلك، لكن المشكلة الكبيرة ليست في هذه المسألة، بل أريد أن أقول لكم أمراً صريحاً، وهو لو كانت أعداد الرخص قليلة وعلى وفق الحاجة، هل سيضطر الصياد إلى استخدام الصيد الجائر؟ هل لو كانت هناك تنظيمات واقعية تنظم الصيد، هل سيلجأ الصياد إلى استخدام طرق وأدوات غير مشروعة للصيد؟... لا أعتقد ذلك، لأن ما دفع الصيادين إلى الصيد الجائر، هو شح السمك بسبب العامِلَيْن المذكورين، وهما الدفان غير القانوني، وازدياد أعداد رخص الصيد، والصيادون يريدون تأمين قوتهم وقوت عيالهم، ولهذا لا نستبعد بعد ذلك أن يستخدم الصياد البحريني وغير البحريني، أدوات غير مشروعة في الصيد. ويختتم أمين سر جمعية الصيادين عبدالأمير المغني حديثه قائلاً : نحن مع إصلاح قطاع الصيد، فإذا لم يتم إصلاح البحر وقطاعه، فان شعب البحرين كله سيتضرر، ولن يقتصر الضرر على طبقة معينة، فإذا كان بعض الناس يعتقد أن الفقير هو الوحيد الذي سيتضرر فهو واهِم، بل سيتضرر حتى الغني، لأنه إذا أراد أن يأكل أي نوع من أنواع الأسماك، سيُصدم بأن ليس هنالك في البحر من سمك، فهل هناك مصيبة أكبر من هذه المصيبة التي كنا نحذر منها كل مرة ؟. اليوم ليست هناك فائدة من حديثنا هذا ولن تنفع القرارات الترقيعية الباردة، فالفأس وقع في الرأس، والإصلاح الحقيقي للبحر، هو إصدار قرار سياسي ينظم عملية قطاع البحر بأكمله، هذا هو الحل ولا سواه من حل. هذه مشكلة الصيادين البحرينيين فصّلناها وتعمقنا بها ونضعها الآن أمام المسؤولين وأمام الناس وسننتظر ما تفعله الجهات المسؤولة لحل هذه المشكلة والحفاظ على الثروة السمكية للبحرين.