أكد عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية رئيس قسم القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة البحرين د. محمد وليد المصري أن نشر ثقافة حقوق الإنسان في أي مجتمع يتطلب شراكة فعلية بين الدولة ومؤسسات المجتمع عن طريق إقامة تواصل بين النخبة المعنية بحقوق الإنسان وعموم الشعب. جاء ذلك في ورشة عمل نظمها معهد البحرين للتنمية السياسية مؤخراً في مقر المعهد تحت عنوان «ثقافة حقوق الإنسان» ضمن البرنامج المتكامل لتعزيز ثقافة الديمقراطية الذي أعلن المعهد عنه سابقاً. حقوق الإنسان وقال د. المصري: «يمكن تعريف ثقافة حقوق الإنسان على أنها مجموعة من القيم والأفكار والسلوكيات والأعراف والتقاليد والمعتقدات المتوافقة مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية التي تقوم على مفهوم التعددية والتنوع والاختلاف، وهي ثقافة تبنى وتنتقل بمختلف وسائل التربية». موضحاً أن أهداف نشرها تتمثل في ترسيخ وتعليم الحوار، ونشر قيم التسامح والتعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وتحرير الفرد وتشجيعه على المشاركة في الحياة العامة بتدريبه وتطوير مهاراته وقدراته في مختلف مواقعه في المجتمع، فضلاً عن تعليم ونشر مفهوم وثقافة الحق في الاختلاف. وأضاف قائلاً: «لقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن التعليم يهدف إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان والسلم وغيرها من المبادئ. وتكرر هذا الهدف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وفي اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها مما يعرف بالمنظومة الدولية لشرعية حقوق الإنسان». مشيراً إلى أن مفهوم ثقافة حقوق الإنسان أوسع وأشمل من نصوص الاتفاقيات والقوانين، الأمر الذي لا يعني مجرد الإلمام والمعرفة بها، وإنما ممارستها فعلياً بسلوكيات تنسجم معها على أرض الواقع. أهمية نشر حقوق الإنسان وقال د. المصري: «تكمن أهمية التربية على حقوق الإنسان في أنها تحدث تغييراً جذرياً في النظرة التقليدية لعملية التربية والتعليم، لتتحول إلى عملية خلاقة يقتضيها التطور الحاصل في مختلف مجالات الحياة». مؤكداً أن الطريقة التقليدية في التربية كانت تقوم على مبدأ التلقين، إذ يكون للمتدرب دور سلبي، في حين يعتمد مفهوم نشر ثقافة حقوق الإنسان أو التربية على حقوق الإنسان وفقاً للطريقة الحديثة على أسلوب التركيز على شخصية الإنسان، واكتشاف قدراتها ومهاراتها، وتسخيرها في خلق وتعزيز فكرة الحوار لديها، وزرع مفاهيم التسامح وقبول الأخر في سلوكها. المعوقات وعلى صعيد متصل، أكد د. المصري أن ثقافة حقوق الإنسان تتعرض لمعوقات تحد من انتشارها كتلك التي لها علاقة بالموروث الثقافي والمتمثلة في الهوة بين فكر حقوق الإنسان والواقع المعاش، والفجوة القائمة بين مختلف الثقافات وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن المجتمعات العربية تجد نفسها في مواجهة إشكالية الموروث الثقافي الذي لا يتوافق دائماً مع حقوق الإنسان، نتيجة لعاداتها وتقاليدها وفكرها ومعتقداتها. وقال: «كما تتعرض هذه الثقافة إلى معوقات ذات علاقة بأولويات النخبة ورجال السياسة، على اعتبار أن للنخبة دوراً حاسماً في المساهمة في بناء ثقافة حقوق الإنسان، لذا فإن من أهم الصعوبات التي تعترض نشر ثقافة حقوق الإنسان في مجتمعاتنا تعود إلى طبيعة اهتمامات النخبة العربية ذاتها». مسؤولية النشر إلا أن المصري لم يحمِّل جهة بعينها مسؤولية نشر ثقافة حقوق الإنسان، وقال: «لا تقع على المراكز والمؤسسات المتخصصة بحقوق الإنسان أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات والجهات الرسمية فحسب، كونها أمراً متشعباً ويحتاج إلى حشد جهود كافة القطاعات دون استثناء، مع التركيز على دور الأسرة والمدرسة، لأن نشر ثقافة حقوق الإنسان لا تبنى على مجرد أفكار أو مواقف مسبقة من أية جهة أو طرف، بل يجب على كل الأطراف أن تحمل حقيقة فكر حقوق الإنسان نهجاً وعملاً وسلوكاً وإيماناً راسخاً بها». موصياً بأن تتحمل كل جهة مسؤوليتها نحو نشر هذه الثقافة عن طريق تأسيس شراكة بين الدولة ومؤسسات المجتمع بمختلف أنواعها، بما فيها إقامة تواصل بين النخبة المعنية بحقوق الإنسان وبين عموم الشعب، إضافةً لمعرفة ثقافة الواجبات، وتأهيل كوادر وموارد بشرية ومادية بهدف نشر الوعي بحقوق الإنسان، وفصل حقوق الإنسان عن السياسة. داعياً في الوقت ذاته إلى التعريف بكيفية تعامل المجتمع والمشرعين مع المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومراجعة الذات والتخلص من الرواسب والعادات المتعارضة مع حقوق الإنسان.