^   قد تكون البحرين الدولة الوحيدة في العالم التي تتجه لتعويض أفراد استهتروا بواجباتهم الوطنية تجاه وطنهم ووصلوا لمرحلة خيانته والعمل على قلب نظامه، من منطلق أنهم كانوا ضحايا عملية تغرير وخداع قامت بها قوى انقلابية تعمل وفق أجندات خارجية أو ضحايا لممارسات فردية خاطئة لا تتفق مع القانون. هذه الخطوة التي أقدمت عليها البحرين لم تكن مجبرة عليها في وقت كان فيه من حقها تطبيق القانون على من تجاوزه وقام بأفعال تدخل في إطار الإخلال بالأمن القومي والتحريض على كراهية النظام وانتهاج أسلوب الممارسة العنيف تجاه مكونات عديدة في المجتمع إضافة إلى احتلال مواقع رسمية أسفرت عن تعطيل سير الحياة الطبيعية. لكننا لم نستغرب الخطوة كونها صادرة من جلالة الملك حفظه الله الذي عودنا دائماً على احتضان جميع المواطنين باعتبارهم أبنائه، مانحاً من أخطأ الفرصة تلو الأخرى عل ذلك يحوله من معول هدم إلى أداة بناء. الحديث عن صندوق التعويضات يستوجب وضع عديد من النقاط على الحروف، إذ الظن السائد حالياً يتمحور حول تعويض من تضرروا جراء المصادمات مع أجهزة الأمن وهي مصادمات في حقيقتها مفتعلة كانت تبحث عن الدم والجثث، وهي في الأساس ردات فعل للفعل الذي كلنا نعرف ماهيته عبر ممارسات انقلابية واضحة. التعويض أيضاً يتحدث عمن تضرروا جراء ممارسات فردية مرفوضة تمت في بعض حالات التوقيف، وهو ما نراه أسلوب معالجة خاطئ، إذ المتجاوز للقانون يكفيه الامتثال للقانون والحكم عليه بموجبه بمعزل عن أية أمور أخرى. لكن السؤال الهام الذي يطرح نفسه هنا بشأن صندوق التعويضات يتعلق بالفئات الأخرى التي تضررت جراء المحاولة الانقلابية، سواء من تضرر جسدياً ومادياً ومن قتل ومن تضرر نفسياً، والنقطة الأخيرة فيها تفصيل نابع من اهتمام دولي لا يمكن نكرانه. في عديد من الاجتماعات المعنية بحقوق الإنسان في جنيف تم التطرق لمفهوم “الضرر النفسي” وكيف أنه يعتبر من أخطر أنواع الضرر الذي يفوق حتى الإصابات الجسدية باعتبار الأخيرة تزول زمنياً، في حين أن الضرر النفسي من شأنه أن يقود لتداعيات مؤسفة مع التقادم الزمني. لو أردنا أن نحصي المتضررين نفسياً جراء الأزمة التي شهدتها البلاد لوجدنا أن هذا الضرر شمل غالبية مكونات المجتمع التي تم تهديدها في مصيرها، تم اللعب في أمنها، وتمت إعاشتها في أجواء خوف وقلق. أكبر الأضرار النفسية ستجدونها في الأجيال القادمة، في فئات الأطفال والمراهقين الذين وجدوا أنفسهم أمام حالة مجتمعية غريبة، أمام وضع ضاع فيه الاستقرار وغاب فيه الأمان، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى الخوف والقلق. هؤلاء من سيعوضهم عن هذه المعاناة؟! يعرف تماماً اتحاد العمال الذي شارك في التحريض على الدولة ماذا نقول بالضبط؛ إذ هو شارك في عديد من الاجتماعات الدولية التي تحدثت عن الأضرار النفسية، واستمع بنفسه إلى مداولات بشأن القانون الدولي وكيف يجرم إيقاع الضرر النفسي ويحمل مرتكبيه مسؤولية جسيمة. اليوم حينما نتحدث عن التعويضات نسأل عن الأطراف المتضررة من جراء المحاولة الانقلابية، إذ من سيعوضها شعور الخوف والقلق والرعب في بلدها؟! من سيعوضها المعاناة اليومية التي عاشوها؟! وهل سيتم التعامل معهم بنفس كف المساواة مع من كان ضحية أفعاله في محاربة الدولة والسعي لتغيير نظامها؟! التعويض إن كنا نراه خطوة إيجابية فإنه من المجحف بالتالي أن يوجه لفئة دون أخرى، وما نخشاه أن يقتصر على فئة هي أصلاً مساءلة بحكم القانون جراء ما قامت به من أفعال تجاه وطنها. نحتاج لإيضاح أكثر إزاء طريقة التعامل التي سيتم بها العمل عبر هذا الصندوق، هل هو لجبر الخواطر، أم لتحقيق العدالة والإنصاف؟! علماً بأن المخلصين من شعب البحرين هم أكثر المتضررين نفسياً، فما تعرضوا له أكبر وأخطر مما تعرض له من خرج بكل وسيلة ليحارب بلده ويقتل رجال أمنها وكان هدفه مسخ هويتها وتسليمها هدية للأجنبي الطامع بنا ^ اتجاه معاكس.. حينما ينتقد مكتب شؤون الجمعيات السياسية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ما وصفه بـ«الخطاب التحريضي الذي تنتهجه الوفاق وأمينها العام علي سلمان وإصرارها على تضليل الرأي العام وفرز المجتمع طائفياً”، فإن ذلك يقودنا للحديث عن الإجراءات. لا يعقل في دولة يفترض بها تطبيق القانون، أن يكون التطبيق فقط “لفظياً” أو عبر بيانات إخبارية متواصلة. لديكم القانون فلماذا لا تطبقونه؟! في أي دولة أخرى لو ثبت أن حزباً أو جمعية تمارس دوراً تحريضياً طائفياً يهدف لتقسيم المجتمع، وأنها في نفس الوقت تمارس سياسة عدائية للدولة عبر تشويه صورتها في الخارج، ماذا تتوقعون أن يحصل؟! هل سيتم السكوت عنها؟! هل سيتم الاكتفاء بإنذارها مرات ومرات وتذكيرها بالقانون؟! أم سيكون مصيرها في النهاية بسبب تكرار المخالفات هو الحل والمساءلة القانونية؟! بيان الجهة المعنية يذكرنا ببيانات الجهة المعنية في شأن التجمعات سواء المرخصة أو غيرها التي تتكرر فيها التجاوزات وتتضمن تحريضاً على الدولة، إذ في شأن المعرفة بذلك فإن كل الشعب البحريني بات يعرف ذلك وحفظه عن ظهر قلب، لكن يبقى السؤال الذي لا إجابة له حتى الآن معنياً بالإجراءات، إذ ماذا بعد تكرار المخالفات، وما هي الإجراءات المفترض تطبيقها بالضبط؟!