لا أعتقد أن أحداً من جيلي تخيل أنه سيسمع يوماً ما مواطن من دولة خليجية يرفض الاتحاد أو يعترض عليه أو يتحفظ عليه، ممكن أن يناقش الآلية، وقد يطمئن إلى قوة ومتانة الخطوات. إنما من باب توثيق مزيد من الأواصر ومن ضمانات الاستمرارية، إنما أن يرفض المبدأ من أساسه فتلك مسألة لم نتخيلها أبداً، ليس لأننا جيل العروبة والوحدة؛ بل لأننا شعب خليجي واحد بالفعل.. بالأصل.. بالدم بالتاريخ بالعروق، نحن إخوة بالفعل وأبناء عمومة. لكن بلينا -مع الأسف- بجيل تربى على الخنوع للحلم الإيراني التوسعي، جيل منزوع العروبة وجذوره مقتلعة من تربتها، جيل مسخ الهوية والأصل في فئة محدودة من الطائفة الشيعية الكريمة تربيته إيرانية قحة. فماذا فعلت بنا الدعوة لاتحاد خليجي؛ لقد كشفت الغطاء وأسقطت الأقنعة عن هذه الفئة، لقد أجبرت “الوفاق” على إعلان توافقها التام مع الطرح الإيراني، وهي التي جاهدت لنفيه وإبعاد إيران عن صورتها، لكن رغبة الشعوب الخليجية في الاتحاد وحماسهم المنقطع له أربك هذا الحزب الذي يرى نفسه بعيداً عن أي وحدة مع أبناء عمومته. لقد تقطع عليه حلم اليقظة الفارسية، وخلط أوراقه، فاضطر إلى كشف هذا الاتفاق المبرم وهذا التوافق التام في الطرح قبل أوانه. ماذا فعلت أيها الاتحاد؟ لقد أفسدت مشروعاً عملوا عليه لعقود وسنوات.. ماذا فعلت أيها الاتحاد؟ لقد كانت النية معقودة لتأسيس دولة البحرين الشيعية الكبرى الممتدة من البصرة إلى هنا، و جئت أنت لتجبرهم على الإعلان عن مشروعهم قبل أوان اكتماله وجاهزيته، لقد أجبرتهم على البوح بما في النفوس. ماذا فعلت أيها الاتحاد؟ لقد أطلقت لسانهم، وأجبرتهم على التصريح العلني بها، وأسقطت قصة الديمقراطية والإصلاح والمطالب الحقوقية، وأخرجت ما كان في الأضابير والسراديب معدٌّ، لقد نغصت عليهم حياتهم. لقد أجبرت الجماعة على توحيد الخطاب الإعلامي لمنتسبي حزب الدعوة وحزب الله والشيرازيين مع أسيادهم أعضاء مجلس الشورى الإيراني بشكل لا يمكن الفصل بينهما، فلا تعرف وأنت تقرأ الخطاب أو البيان هل هو صادر من الجماعة أم من إيران؟ هناك انسجام حتى في المصطلحات بين الاثنين، فهل تستطيع أن تفرق بين ما جاء في بيان محمد السند القابع في النجف الصادر يوم الأحد، والذي قال فيه “إن ما يعده الأمريكان من الاتحاد هو خطوة لتقسيم الجزيرة العربية وتشكيل البحرين الكبرى في شريط الخليج، وستتحد المعارضة الشعبية في البحرين والمنطقة الشرقية وسترتفع المطالبة إلى تشكيل البحرين التاريخية التليدة في شريط الخليج ونبذ العوائل البدوية عن السيطرة على ثروات المنطقة الشرقية”. أو ما قاله مكي الوداعي في إحدى تغريداته “ليخشى المطبلون للاتحاد تضييقاً على ثوار البحرين وهجر أن تطرح المطالبة بدولة البحرين التاريخية والممتدة إلى البصرة في أغنى منطقة في العالم”. وبين ما قاله أسيادهم الإيرانيون في مجلس الشورى؟! فقد تماثل معهم لفظاً ومضموناً؛ فقد قال الإيرانيون “لتعلم السعودية وحكام البحرين، أن هذه الخطوة اللامنطقية، لاشك ستؤدي إلى تعزيز الانسجام والاتحاد بين الشعب البحريني في مواجهة المحتلين، وستنقل الأزمة البحرينية إلى السعودية، وستدفع المنطقة إلى فوضى أكبر، وستفاقم المشكلات الموجودة”.. قل لي عزيزي القارئ؛ هل تستطيع أن تفرق بين الخطابين؟ هل يمكن أن تعرف أيهما إيراني وأيهما غير إيراني؟ حتى المصطلحات واحدة. كما نرى أن الاثنين يتحدثان الآن بلا مواربة عن البحرين الكبرى الممتدة من البصرة إلى البحرين، وهي كما نعرف تلميحاً إلى دولة شيعية منفصلة ومنعزلة عن العروبة.. ولمن تدين؟ تدين لمن قالوا بلسانهم إنهم خدم لهم. والله لو رفض الاتحاد أي شيخ دين سني أو من أي طائفة كانت لما سكتنا عنه، ولن نسمح له بأن يتحدث باسمنا أو يمثلنا. أما سيد مجيد المشعل أمين عام المجلس العلمائي فمسكين لشدة ارتباكه واضطرابه من خبر الاتحاد وقع بسقطة لسان ستكلفه غالياً، إذ أورد في حسابه الخاص على التويتر سبباً غريباً لرفضه فكرة الاتحاد، سبباً قد يفسد على جماعته كل مطالبهم بالديمقراطية والإصلاح، فقال في إحدى تغريداته التالي “مثل هذا الاتحاد لا قيمة له عند شعب البحرين، فالبحرين دولة مستقلة ذات سيادة ذات هوية إسلامية عربية ذات نظام ديمقراطي يمثل إرادة الشعب”!! كتبت هذه التغريدة في 14 مايو 2011 الساعة 7 و35 دقيقة مساءً. فإذا كانت البحرين دولة ذات نظام ديمقراطي مثلما تقول؛ فلم إذاً أفسدتم في الأرض وقطعتم الطرق وحرقتم ودمرتم وطالبتم بالتدخل الدولي وانتهكتم سيادة البحرين؟!! وأمَّا ما قاله خادم آيات الله علي سلمان فتلك قصة أخرى سنتناولها غداً..