«العمــل الدولية»: الحرية النقابية لموظفي الخدمة المدنية لا تشمل الحق بالإضراب
كتب - محرر الشؤون المحلية: عمدت الجمعيات السياسية، خاصة “الوفاق” واتحاد نقابات عمال البحرين، خلال الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين العام الماضي إلى تجيير كل تغيّب عن العمل إلى “إضراب” لكسب تعاطف المنظمات الدولية الحقوقية، في الوقت الذي يعتبر فيه ذلك التغيب تقاعساً عن العمل، مستغلة جهل المواطنين بالفروقات القانونية بين هذه المصطلحات، إذ إن الإضراب عن العمل لمطالب غير نقابية يعتبر تسييساً ترفضه قوانين العديد من الدول بما فيها منظمة العمل الدولية التي تعتبر أن الحرية النقابية لموظفي الخدمة المدنية العامة لا تشمل الحق في الإضراب، إضافة إلى أن الإضراب يكون لأهداف معيشية وحقوقية مهنية وليس لأهداف سياسية. وتفرض دول العالم قواعد خاصة تقيد حق إضراب الموظفين خصوصاً في الخدمات العامة والأساسية والأمن القومي، وتمنع بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا والدنمرك والنمسا ودول أخرى، موظفي القطاع العام من الحق في الإضراب؛ من أجل ضمان استمرارية الخدمات العامة للمواطنين وللحفاظ على الأمان الوظيفي، وفي ألمانيا تتحمل اتحادات العمال حوالي ثلثي رواتب الموظفين المضربين في حالات يحددها القانون. تعمد خلط المصطلحات كما عمدت “الوفاق” والجمعيات التابعة لها بما فيها اتحاد النقابات إلى ربط التغيب عن العمل بحرية التعبير وإبداء الرأي وأنه ليس من حق الدولة المحاسبة على الخروج لحرية التعبير متخطية لمسؤوليات وواجبات العمل، ومتناسية لحقوق المواطنين بالمؤسسات المتقاعس موظفيها عن العمل لتلقي الخدمات بصورة مستمرة إن كان ذلك بالمؤسسات التعليمية أو الصحية أو غيرها من الوزارات والمؤسسات الخدمية. ومن المعلوم أن كثيراً من الموظفين تغيبوا خلال فترة الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين العام الماضي، في كثير من القطاعات الحكومية، والشركات الخاصة، عن أعمالهم أياماً متواصلة كثير منها دون عذر، مما ألحق ضرراً بالغاً في الاقتصاد بشكل عام، حيث تشير آخر الأرقام الصادرة عن مجلس التنمية الاقتصادية أن النمو انخفض من 5.2 إلى 2.2%، فضلاً عن الخسائر التي لحقت بأصحاب الاستثمارات الخاصة، جراء الأحداث المؤسفة، التي شلت أو احتلت فيها تلك المجموعات مصالح حيوية واقتصادية مثل أكبر الطرق العامة، والمستشفى الرئيس، وتضرر قطاع النفط، واحتلال منطقة المرفأ المالي، وغيرها من المرافق الحيوية. ويبرر الكثيرون الانقطاعات عن العمل بالحق في الإضراب والتظاهر، ويقولون إن الحكومة والقطاع الخاص ملزمان بتحمل تبعات هذا التوقف عن العمل غير المنضبط بقانون، بذريعة مراعاة البحرين التعهدات والمواثيق الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق العمل، كما إن المنظمات الدولية تعتبر من أهم الوسائل التي تستخدمها بعض الجهات العمالية والسياسية المعارضة للضغط على الحكومة، مستغلة الظرف الإقليمي والدولي. وفي بعض الولايات الأمريكية مثل ميتشجن وفلوريدا وأياوا، لا يسمح للمعلمين في المدارس العامة بممارسة الإضراب، وفي تركيا صدر قانون في 2001 يمنع الموظفين الحكوميين من الإضراب، وتعتبر منظمة العمل الدولية أن الحرية النقابية لموظفي الخدمة المدنية العامة لا تشمل الحق في الإضراب. يذكر أن الجمعية البرلمانية التابعة للاتحاد الأوروبي أوصت في تقرير صادر قبل عدة سنوات بضرورة إجراء مزيد من الحوار المجتمعي والبحوث لدراسة أوسع لقواعد تنظيم الإضراب عن العمل، داعية إلى مراعاة حقوق المواطنين العاديين المستفيدين من تلك الخدمات ليعيشوا حياتهم دون عوائق، جنباً إلى جنب مع حقوق العمال الذين يريدون تحسين أوضاعهم في العمل، ونبه التقرير إلى خطورة امتداد الإضرابات في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي إلى قطاعات حساسة مثلما حصل في هولندا في إحدى موجات الإضرابات حيث طالت حتى رجال الإطفاء، وهو ما حذر منه التقرير. الاستعانة بالمنظمات لتجاوز القانون وفي فرنسا بلد الحريات العريقة، حيث يكفل الدستور حق الإضراب، لم تترك القوانين الإضراب دون تنظيم، فهناك قواعد قانونية حاكمة لممارسة الإضرابات، خصوصاً من قبل بعض الفئات الخاصة التي تمس الحياة العامة للمواطنين، وتؤثر على الإنتاج، مثل القانون الذي يلزم العامل بإخطار جهة العمل قبل مدة من الإضراب، ويعرض المخالف لهذا الشرط نفسه لعقوبة قانونية. وفي بولندا صدر قانون في عام 1991 يمنع الإضرابات التي تعتبر ذات ضرر على حياة المواطنين، أو الصحة، أو تهديد أمن الدولة، كما تطبق سلوفاكيا وسلوفينيا والمجر قيوداً مماثلة. وفي المجر، يفرض القانون قيوداً معينة على الإضرابات، إضافة إلى اشتراط قانوني بين الخدمة المدنية والنقابات ووزارة الداخلية للتوصل إلى اتفاق من أجل السماح للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات العامة لعموم المواطنين، ولا سيما لأغراض النقل وإمدادات الكهرباء والغاز والمياه. ورغم أن سويسرا ساوت بين القطاعين العام والخاص في الحق في الإضراب فإنها ووفقاً للمبادئ القانونية المقبولة عالمياً، رفض القانون السويسري منح فئات معينة الحق في الإضراب، أهمها الخدمات العامة الأساسية مثل أمن الدولة، وحماية مصالح السياسة الخارجية، وما يتعلق بتأمين المعروض من السلع والخدمات الحيوية، كما تشمل فئات الإدارة العليا المدنية والعسكرية، وموظفي المحاكم والدبلوماسيين ورجال الجمارك والمراقبين الجويين. حتى في مصر، طبقت الحكومة المصرية إجراءات قانونية ضد غياب الموظفين فترة الأحداث، وكمثال على ذلك ما نشرته صحيفة “اليوم السابع” المصرية العام الماضي من أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة احتسب أيام غياب لموظفي الحكومة أثناء المظاهرات، كما إنها لا تحسب من إجازاتهم أو رصيد هذه الإجازات لأن هذه الأيام لا تدخل في أيام العطلات الرسمية. والثابت أن الغالبية العظمى من الموظفين في مصر لم يكونوا يتغيبون عن أعمالهم طيلة فترة الأحداث، حيث أظهرت التقارير الإعلامية أنهم كانوا أشد حرصاً على حماية الاقتصاد من الانهيار، وعلى مدار عام كامل عملت القوى السياسية بمختلف اتجاهاتها هناك على الحد من الاعتصامات والتظاهرات الفئوية العشوائية المخالفة للقانون، ما يثير تساؤلات حول دوافع من يسوقون كثيراً من المبررات بل ويستعينون بمنظمات دولية سعياً لتجاوز القانون البحريني دون مساءلة. غياب المحاسبة في مملكة البحرين يمنع القانون موظفي الخدمة المدنية من الإضراب عن العمل، لما يعرض ذلك الأمن القومي للخطر. ويشترط قانون النقابات العمالية البحريني عدة ضوابط للإضراب تشمل موافقة ثلاثة أرباع الأعضاء الذين تتألف منهم الجمعية العمومية للنقابة من خلال الاقتراع السري، ومنح صاحب العمل مهلة لا تقل عن أسبوعين قبل الشروع في الإضراب، وإخطار الوزارة بذلك، وأن يكون الهدف من الإضراب تحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية خاصة بالعمال، ويشترط القانون عدم المساس بأموال الدولة وممتلكات الأفراد وأمنهم وسلامتهم. وعدم جواز الإضراب في المرافق الحيوية الهامة وهي الأمن والدفاع المدني والمطارات والموانئ والمستشفيات والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية والكهرباء والماء. إضافة إلى عدم اللجوء للإضراب إلا بعد تعذر الحل الودي بين العمال وصاحب العمل، ويحسم الخلاف بينهما بالتوفيق أو التحكيم بواسطة لجنة للتوفيق والتحكيم. ومن المعلوم أن تلك القوانين لا تراعى عادة من قبل المضربين عن العمل في القطاعين العام والخاص في المملكة، وهو ما أدى إلى اتخاذ إجراءات قانونية تجاه عدد كبير منهم بعد، مما أدى إلى تدخل وزارة العمل، وبالتنسيق مع منظمة العمل العربية، أثمرت عن إعادة جميع المفصولين عن العمل. ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة التزاماً بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، تظل هناك تساؤلات عالقة عن جدوى القوانين في ظل عدم التطبيق، وغياب المحاسبة أمام تخطي مسؤوليات وواجبات العمل، ومدى ضمان عدم تكرار تلك الإضرابات والانقطاعات عن العمل، خصوصاً وأن الكثيرين أصبحوا يحاولون تجيير كل تهمة تقاعس عن العمل إلي الحق في الإضراب وحرية التعبير، دون الالتفات إلى أن العالم بأسره وضع ضوابط تنظم هذه الحقوق.