^   مشروع الاتحاد الخليجي بدأ مطلع الثمانينات عندما تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورغم الدوافع الدفاعية والأمنية التي تزامنت آنذاك مع تأسيس المنظومة الخليجية بسبب الظروف الإقليمية والدولية، إلا أن الطموح الشعبي آنذاك كان يتجه نحو مزيد من التكامل الخليجي بحيث تكون منظومة اتحادية أكثر طموحاً لتحقيق التطلعات في مختلف المجالات. استمر هذا الوضع لمدة ثلاثة عقود، واستطاعت دول مجلس التعاون تحقيق إنجازات عديدة على مختلف المستويات رغم اختلاف الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، ومع ذلك ظل الطموح الشعبي أكبر من ذلك بكثير. ودائماً ما كانت هذه الطموحات الشعبية تعاني من تباين مع الطموحات النخبوية التي تمثلها تطلعات القادة الخليجيين لسبب بسيط وهو غياب الآليات التي تضمن تكامل فكرة السيادة السياسية التي تقوم عليها مختلف بلدان العالم من منظور فكرة الدولة القومية. ولكن الفترة الممتدة من 2001 وحتى الآن طرأت فيها متغيرات جديدة وتحولات مختلفة تمثلت في إدخال آليات متفاوتة للشراكة في مفهوم السيادة السياسية بين النخب الحاكمة والقواعد الشعبية من خلال الإصلاحات السياسية التي أدخلت في معظم بلدان مجلس التعاون بشكل أو بآخر، ومن أمثلتها المشروع الإصلاحي في البحرين، والانتخابات الجزئية للمجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية.. إلخ. مثل هذه التحولات خلقت أجواءً مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في العقود الماضية بالنسبة لمنظومة مجلس التعاون. وأدت التحديات التي واجهتها منطقة الشرق الأوسط منذ ديسمبر 2010 وحتى الآن إلى تكوين واقع سياسي جديد واضح الأبعاد والاتجاهات المستقبلية، وهو ما يحتم على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي النظر لمثل هذه التحديات بشكل مختلف كلياً عن التعامل مع المعطيات السابقة، فضلاً عن طريقة التعامل معها. ومن هذا السياق برزت دعوة خادم الحرمين الشريفين لتطوير منظومة مجلس التعاون وإيجاد صيغة اتحادية أكثر تطوراً بين هذه الدول لتحظى بردود أفعال إيجابية جداً على المستوى الشعبي مقابل ردود أفعال مشجعة على مستوى الحكومات والنخب الحاكمة في دول الخليج. في ظل الخطوات الجديدة الجارية لتشكيل أولى الصيغ الاتحادية بين دول المجلس تثار مسألة السيادة السياسية والتحديات التي يمكن أن تواجهها. وتحديداً من قبل بعض المناهضين للاتحاد الخليجي، وهي مسألة بحاجة لتوضيح، فاتحاد دولتين أو أكثر لا تعني نهائياً انتهاء سيادة الدولة بمفهومها القُطري، بل أي عملية اتحادية بين أكثر من كيان سياسي تتطلب التكامل في السيادة السياسية لصالح الكيان الجديد على عدة مراحل وفي مجالات معينة طبقاً لما يتم الاتفاق عليه. ومن نماذج هذه الفكرة الاتحاد الأوروبي الذي لم يظهر بشكل ينهي سيادة كل دولة أوروبية انضمت لهذا الاتحاد النموذج على مستوى العالم، بل تطلبت العملية مراحل وسنوات عدة لإحداث حالة التكامل في السيادة السياسية بما يرافقها من اتفاق أو اختلاف. أيضاً هناك نموذج عربي وخليجي مازالت تجربته مهمة لتأسيس كيان اتحادي وهو دولة الإمارات العربية المتحدة عندما بدأت مشروعها الاتحادي في العام 1971 بين مجموعة من الإمارات لم تنتهِ مسألة السيادة السياسية لهذه الكيانات حتى الآن بل تم تنظيم هذه السيادة عبر عدة مراحل وبشكل قانوني من خلال تحديد صلاحيات واختصاصات الكيانات الأصغر (الإمارات) والكيان الأكبر (الدولة الاتحادية). بالتالي من الصعوبة بمكان التشكيك في مفهوم السيادة السياسية عندما يتم الحديث عن المشروع الاتحادي الخليجي.