كتب ـ محرر الشؤون المحلية: تشكل العلاقات الثنائية والروابط المشتركة بين الدول الخليجية، واحدة من أقوى الروابط الجامعة بين منظومة واحدة، نظراً للدرجة العالية من التناغم والتنسيق المشترك في مختلف المواقف، خاصة في مجالات تشكل البنية الأساسية للوحدة المنشودة والمصير المشترك. وتعتبر العلاقات الدبلوماسية المتينة أحد أبرز أوجه تلك العلاقة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ووصلت إلى وحدة القرار إلى حد بعيد في ما يخص السياسات الخارجية والعلاقات الدولية والمواقف تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية. وتحرص القيادات الخليجية على استمرار اللقاءات الدبلوماسية والأخوية، من أجل تحقيق أكبر قدر من التفاهم والتنسيق المشترك تجاه كل ما يخدم مصالح بلدانهم ومصيرهما المشترك. وتوطدت العلاقات الرسمية بين السعودية والبحرين منذ فترة طويلة، حيث زار الأمير سعود بن فيصل بن تركي البحرين عام 1870، وزار الأمير عبدالله بن فيصل البحرين يوم 26 أغسطس 1887، تلاها عدد آخر من الزيارات منها أول زيارة للملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود للبحرين عام 1891 عندما كان في العاشرة من عمره مع والده الإمام عبدالرحمن، وفي 1937 وصل حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى الظهران في مركب لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود. وكانت آخرها الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى البحرين يوم 18 أبريل 2010، واعتبرت تتويجاً للتلاحم والترابط بين المملكتين قيادة وشعباً، وبرهن خادم الحرمين الشريفين خلال الزيارة على صدق تلك العلاقة بقوله إن مشاعر البحرين تجاه السعودية “لها مكانها الرحب في نفوسنا وتصونها روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك بين بلدينا وشعبينا، واليوم أيها الأخ الكريم تأتي زيارتنا هذه لا لتضيف جديداً بل لتقول للآخر إننا وطن وشعب واحد في السراء والضراء”، رداً على تأكيد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على “الأخوة الحقيقية والتاريخية بيننا والتكاتف والتلاحم بين الشعبين السعودي والبحريني”. ولعل من أكثر المواقف تعبيراً عن خصوصية العلاقة بين البحرين والسعودية، حين انطلقت فعاليات النسخة الـ26 للمهرجان الوطني السعودي “الجنادرية” بسلامين ملكيين بدلاً من سلام واحد، حيث عزف السلام الملكي السعودي وتلاه البحريني، في لفتة اختصرت عمق العلاقة الوثيقة التي تربط الرياض بالمنامة، وبحضور جلالة الملك المفدى، مؤكداً جلالته أن السعودية تعتبر عمقاً استراتيجياً للبحرين والمنطقة الخليجية والأمة العربية. وأثمرت الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات بإنجاز واحد من أكبر المشروعات التي كان لها ولايزال عظيم الأثر في التقارب السعودي البحريني، وهو إنشاء جسر الملك فهد الذي عزز من التواصل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي حيث سهل عملية التبادل التجاري وحركة رؤوس الأموال بين البلدين. ويملك البلدان الرؤية نفسها للتعاطي مع التحديات التي تتعرض لها دول الخليج العربية، وتستهدف النيل من استقرارها والسيطرة على ثرواتها، وكانتا من أولى دول الخليج المؤيدة لدعم وتطوير منظومة عمل مجلس التعاون الخليجي، حيث دعا خادم الحرمين الشريفين إلى الارتقاء بمستوى التعاون إلى الاتحاد كضرورة مرحلية باتت ملحة للحفاظ على كيان دول الخليج وحمايته من التهديدات الخارجية، وهي دعوة لقيت دعماً مطلقاً وترحيباً واسعاً رسمياً وشعبياً في البحرين. وفي ما يتعلق بالعلاقات مع الدول المجاورة في المنطقة، تتسم الدبلوماسية السعودية البحرينية في هذا الشأن بالتشابه الكبير، حيث يرفض البلدان أية تدخلات في الشؤون الداخلية لتلك الدول بدءاً من العراق وانتهاءً بإيران، وتتميز هذه السياسة بالحفاظ على قدرٍ عالٍ من الحياد واحترام سيادة الدول، وتطبيق مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ودعم القضايا العربية والإسلامية، وتطوير علاقات التعاون مع الدول والمجموعات الدولية. وسعى كلا البلدين إلى انتهاج سياسة حسن النوايا بالمبادرة بكل السبل لمد يد الحوار والتفاهم مع كافة الدول، حتى الدول التي تشهد علاقاتها بها توتراً مثل الحالة الإيرانية، وتكاد تتطابق تصريحات المسؤولين في البحرين والسعودية حول معارضة أي هجوم غربي أو إسرائيلي على طهران، وأبدت تأكيدات قاطعة على موقفها المبدئي بتجنب أية مشاركة في مثل تلك الهجمات، إلا أنهما في الوقت نفسه أرسلتا رسائل واضحة أن أمن واستقرار دول الخليج العربية لاسيما البحرين خط أحمر، ولن تقف شقيقتها السعودية موقف المتفرج تجاه أي تهديد يطال المنامة. وبرهنت المملكة السعودية على ذلك الموقف المشرف خلال الأزمة التي شهدتها البحرين العام الماضي، حين كانت السعودية في مقدمة دول الخليج التي استجابت لطلب البحرين بالاستعانة بقوات درع الجزيرة التابع لدول مجلس التعاون، لحفظ المنشآت الحيوية وحماية المملكة من التهديدات الخارجية، واعتبر ذلك الموقف دليلاً جديداً على الوحدة المتحققة على أرض الواقع المبنية على أسس الأخوة ووحدة الهدف والمصير. ويمتلك البلدان الرؤية نفسها في ما يخص الشأن السوري، حيث أدانتا سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من المدنيين، وأكدتا حرصهما على أمن واستقرار ووحدة سوريا، وكان واضحاً توافق موقفهما بالمطالبة بالوقف الفوري لآلة القتل وإزالة المظاهر المسلحة، ووضع حد لإراقة الدماء، واللجوء إلى الحكمة، والعمل على تفعيل إصلاحات جادة وفورية، تلبي تطلعات الشـعب السوري الشقيق، والعمل على تطبيق كافة القرارات العربية والدولية بهذا الخصوص. وتتمسك قيادتا البلدين بمواقف ثابتة ومتوافقة ومعلنة بشأن القضايا الرئيسة المهمة كقضية الجزر الإماراتية، ودعم حق السيادة لدولة الإمارات العربية المتحدة عليها، وتأكيد نبذ الإرهاب بكافة أشكاله، كما تتبنى الدبلوماسية البحرينية والسعودية المواقف نفسها تجاه الصراع العربي الصهيوني، مع تأكيد الموقف الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتقديم الدعم الإنساني والسياسي والوقوف إلى جانب الفلسطينيين ومساندتهم في المحافل الدولية. وأكدت كلا الدولتين رغبتهما وسعيهما إلى تكامل الجهود في مختلف المجالات الحيوية من خلال مجلس التعاون للوصول إلى تحقيق الوحدة بين جميع دول المجلس، وتمشياً مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى وخدمة القضايا العربية والإسلامية، بعد عقود من التعاون والتنسيق عبر منظومة مجلس التعاون الخليجي الذي تعالت أصوات شعوبه كافة بوجوب الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، خاصة في ظل كل تلك المقومات والروابط الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والوحدة الجغرافية، باعتبارها عوامل يندر أن تتحقق في أي مكان بالعالم الذي أصبح لا يعترف بالكيانات الصغيرة أو الضعيفة. وبرهنت قيادتا كل من السعودية والبحرين من خلال تطابق الرؤية السياسية والتنسيق الدبلوماسي المستمر وعالي المستوى طوال الوقت، أن التقارب بين القيادتين والشعبين الشقيقين يؤهلهما للوصول إلى أفضل درجات التلاحم والاتحاد، في ظل وحدة الهدف والمصير، والتحديات الآنية والمستقبلية التي تواجه البلدين.