يوماً بعد يوم تظهر المزيد من المؤشرات الدالة على هشاشة الاقتصاد المصري. وعلى سبيل المثال يلاحظ أن احتياطي العملة الأجنبية لدى البنك المركزي هبط بحوالي 32 مليار دولار منذ أن بدأت الاحتجاجات في يناير 2011. وإذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فإن مصر ستواجه أزمة في ميزان المدفوعات خلال فترة قريبة قادمة. لقد دفعت سنة أو أكثر من الأحداث السياسية والاقتصادية السلطات المصرية إلى زيادة الإنفاق حتى تلبي احتياجات المواطن العادي على شكل أجور ودعم مالي من الدولة. وفي هذه العملية اضطرت الحكومة إلى الاقتراض بمعدلات فائدة مرتفعة جداً حتى تغطي المصروفات المالية. مخاطر عالية إن المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري عالية جداً، فإذا ما وقعت أزمة لميزان المدفوعات فستهز ثقة المستثمرين وتضعف قيمة الجنيه المصري. وإذا أعقبها هروب رؤوس الأموال للخارج فإن مخزون العملات الأجنبية سيتراجع بوتيرة أكبر ومن ثم سيتفاقم الوضع أكثر. وإذا أدت الأوضاع السيئة إلى نشوب أزمة مصرفية فإنها قد تهدد الاستقرار الهش الذي تمر به مصر، والتي لم تتعافى بعد من آثار ثورة العام الماضي. ولكونها تحتضن أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا، فإن المخاطر المتوقعة كبيرة أيضاً. وطبقاً لبيان أصدره البنك المركزي المصري بنهاية يناير الماضي، فإن احتياطي البلاد من العملات الأجنبية هبط إلى 17 مليار دولار، وذلك بعد أن كان 19 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2010 - أي شهر واحد قبل اندلاع الاحتجاجات المعارضة للحكومة. ويشير المراقبون إلى أن وضع احتياطي العملات الأجنبية قد يكون أكثر سوءاً مما تكشف عنه البيانات الرسمية. وعلى سبيل المثال تشير تقديرات صادرة عن “رويال بنك أوف سكوتلاند”، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، إلى أن الرقم كان في مستوى 32 مليار دولار عند بدء الاحتجاجات وأن الباقي من الاحتياطي اليوم يكفي لدفع تكاليف الاستيراد لمدة شهرين ونصف فقط. وتعكس هذه الصورة الوضع الصعب جداً لمصر لأنه من غير الطبيعي أبداً أن تصل البلاد إلى حالة من عدم كفاية الاحتياطي الأجنبي للصرف خلال فترة لا تزيد على 3 أشهر. وإذا ما استمر الاحتياطي في التبخر السريع فستنشب أزمة في ميزان المدفوعات دون شك. ومن جانبها، سعت الحكومة المصرية إلى إيقاف نزيف احتياطي العملات الأجنبية. وفي هذا السبيل أعلنت مؤخراً عن نظامين يهدفان إلى زيادة احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي. فقد عرضت الحكومة ما يصل إلى 800 لف قطعة أرض مهيأة لمشروعات التطوير السكني، تقع على ضواحي القاهرة والجيزة. وتتراوح قيمة كل قطعة ما بين 200 إلى 650 دولار ولا تباع إلا على المصريين المقيمين في الخارج و القادرين على الدفع بالدولار. وتبنت الحكومة كذلك سياسة بيع سندات بالدولار لمدد تتراوح بين 3 إلى 5 أعوام وبمعدل فائدة يتراوح بين 3.5% إلى 4%. وهذا النظام أيضاً يستهدف المصريين المقيمين في الخارج. ولكن في حين يحتمل أن تساهم هذه الخطط في إبطاء عملية استنزاف احتياطي العملات الأجنبية، فمن المستبعد أن تغير مسار المنحى الهابط للاحتياطي. يضاف إلى ما سبق حقيقة أن الوضع المالي العام لمصر معرض لخطر شديد. إذ إن الإيفاء بتعهدات الحكومة بالاستمرار في تقديم الإعانات ودعم الأجور، علاوة على خدمة العجز الهائل والذي يزداد تفاقماً، تتسبب في زيادة تكاليف الديون. ولكل تلك العوامل فمن المتوقع أن تعاني مصر من عجز في الحساب الجاري يصل إلى 4.1 مليار دولار العام 2012 وحده. وقال المحلل الاقتصادي بمؤسسة “إي آر جي هرمس” بالقاهرة، محمد أبوباشا: “تقوم الحكومة بتمويل العجز بالاقتراض من مصادر محلية وبتكاليف عالية جداً.. علاوة على التكاليف فإنها تضع ضغوطات قوية على السيولة المحلية. إذ إن التسعيرة تصل إلى 15% لسندات الخزانة التي لا تزيد مدتها على سنة واحدة، وهذه كلفة مرتفعة جدا على الحكومة في الوقت الحاضر”. من جانب آخر، من المتوقع أن تستمر تسعيرة الديون في الارتفاع نتيجة لتخفيض التصنيف الائتماني للدولة، ففي فبراير قامت وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية “ستاندرد اند بورز” بمراجعة تصنيفها لمصر على الأمد البعيد إلى الدرجة “ب”، ومعها نظرة مستقبلية سلبية. وفي بيان أصدرته الوكالة مؤخراً قالت: “نعتقد أن التراجع الحاد في احتياطي مصر من العملات الأجنبية، وبالتزامن مع حالة عدم الاستقرار السياسي المستمرة، يتسبب في إضعاف مستوى مرونة السياسة المالية”. تدني الثقة تكتسب الثقة أهمية بالغة اليوم أكثر من أي يوم مضى في وقت يخشى البنك المركزي من التراجع السريع لقيمة الجنيه المصري. وإذا حصل هذا فإنه سيتسبب في هروب رؤوس الأموال بكميات هائلة ومن ثم وقوع أزمة مصرفية في البلاد. إن مصر بحاجة إلى تدخل قوي جداً حتى تتمكن من إبعاد اقتصادها عن حافة الهاوية. وقد تقدمت القاهرة بطلب تمويل قدره 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وطلب آخر يبلغ مليار دولار من البنك الدولي. إضافة إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اقترح حزمة مساعدات قدرها 1.3 مليار دولار لمصر في فبراير الماضي.