أحمــــــــــــــد جاســـــــــــــــم [email protected]
من كتبي الأثيرة على نفسي كتاب صغير قيم للإمام الغزالي عنوانه(أيها الولد)، وعجبي من هذا الكتاب لا ينقطع، إذ إنه تحفة من الدرر المنثورة نسجها الغزالي (رحمة الله عليه) في بضع كلمات بليغة مختزلة المعنى مختصرة اللفظ، فأحياناً تقرأ في بعض كتب التربية العربية (الممطوطة)، فتشعر بالغثيان والتكرار والتفاصيل السفسطائية المعقدة، وكأن التربية عبارة عن ماكينة سيارة يختلط فيها البرغي بالزيت وكراسي الماكينة وموصلات الكهرباء. لكن هذا الكتاب فيه سلاسة وبساطة وعفوية وعمق، كتبه فيلسوف بحر سبر أغوار العلم والمعرفة والفلسفة، ولكنه لم يصب كل تلك التعقيدات في هذا الكتيب، لأنه رجل يعرف قدر المقام وقيمة الكلمة، ولذا دعوني أترككم مع بضع من كلماته الجميلة وبانتقاء من أكثر من زاوية من الكتاب لتعيشوها مباشرة. يقول الغزالي : كم من ليلة أحييتَها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرَّمَت على نفسك النوم، لا أعلم ما كان الباعث فيه؟ إن كانت نيتُك نيلَ عرض الدنيا، وجذبَ حطامها، وتحصيل مناصبها، والمباهاةَ على الأقرانِ والأمثالِ - فويلٌ لك ثم ويل لك . عش ما شئت؛ فإنك ميت، وأحبب من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك مجزي به، أيها الولد، العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون. إني رأيت كل واحد معتمداً على شيء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت في قوله -تعالى- : [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] الطلاق: 3 فتوكلت على الله - تعالى - فهو حسبي ونعم الوكيل.واعلم أن اللسان المطلق، والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة - علامة الشقاوة، وسألتني عن الإخلاص: وهو أن تكون أعمالك كلها لله - تعالى - ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس، ولا تبالي بمذمتهم. واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق.وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة، وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة؛ لتخلص من مرئياتهم.ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء. انتهى كلامه رحمه الله .