^   أعلنت جماعة إسلامية تطلق على نفسها اسم “جبهة النصرة”، يعتقد أنها إحدى التنظيمات الإسلامية مسؤوليتها عن مجموعة من التفجيرات التي هزت عدداً من المدن السورية، كان آخرها قبل يومين حيث ذهب ضحيتها 55 مواطناً. في اليوم ذاته “أفادت أنباء أن تبادلاً لإطلاق النار وقع بين عناصر من الجيش اللبناني وشبان إسلاميين كانوا يتظاهرون في طرابلس في شمال لبنان”. على نحو مواز تناقلت وكالات الأنباء خبر “الهزيمة الكبيرة” التي مني بها تحالف الأحزاب الإسلامية في الانتخابات النيابية في الجزائر، الذي يضم الإخوان المسلمين حيث لم يحصل على أكثر من 48 مقعداً فقط من أصل ما يزيد على 450 مقعداً. في الوقت ذاته، يستمر ماراثون انتخابات الرئاسة المصرية وسط صراعات حادة بين مختلف المترشحين، من بينهم العديد من ممثلي التيارات الإسلامية المختلفة من “إخوان مسلمين” و«سلفيين” وسط اتهامات متبادلة تجاوزت حدود دائرة اللياقة السياسية المتعارف عليها في المجتمعات المدنية المعاصرة. يتكرر الحضور السياسي الإسلامي أيضاً في مشهد الأوضاع اليمنية، الذي تتجاذب أحداثه الصدامات بين السلطة والفئات الإسلامية من حوثيين وسواهم ممزوجة أيضاً بالصراعات بين الفصائل الإسلامية المختلفة النشطة في اليمن، والتي تجاوزت هي الأخرى أطر الحوارات السياسية كي تصل إلى الصدامات العسكرية. بشكل إجمالي تسجل هذه الموجة الإسلامية السياسية بمختلف تلاوينها الفكرية والعقائدية حضورها على امتداد ما يزيد من ربع قرن في الساحة العربية، المترامية الأطراف من المغرب غرباً حتى اليمن جنوباً ، بل وتمس بشكل عميق دول إسلامية آسيوية أخرى مثل باكستان وأفغانستان، وتعكس في حقيقتها نسبة عالية من الخلفية السياسية التي باتت تشكل علامة فارقة في معترك العمل السياسي العربي، التي لم يعد في الوسع، بل من الخطأ الفادح، تجاهلها أو محاولة القفز فوقها. وتؤكد بالقدر ذاته أهمية هذه المساحة الفسيحة التي بات يحتلها الفكر الديني والإسلامي منه على وجه الخصوص في نسيج العمل السياسي العربي. الأمر المحزن والمؤسف في آن انتقال الحوار المطلوب إنضاجه بين الطرفين الإسلامي والمدني من حالة التنافس الإيجابي المطلوب قيامه فوق أرضية طيبة إلى حالة التشكيك السلبي المنتعش في بيئة قاحلة. فخطاب القوى المدنية يرتكز على التحذير بل والتخويف من مغبة استلام قوى الإسلام السياسي مقاليد الأمور، كي يتحولوا حينها كما يروج المدنيون إلى قوى “ظلامية متخلفة، ستعيد المجتمع سنوات إلى الخلف، وستحطم دعائم الاقتصاد، وستصادر، تحت مبررات دينية الحقوق المدنية للمواطنين”. في المقابل لا تكف بعض قوى الإسلام السياسي عن “تكفير” القوى السياسية المدنية واتهامها بخروجها “على قيم الدين الإسلامي الحنيف” إلى درجة تصل إلى “ الفجور”. تستعين مثل هذه القوى بمقاطع مبتورة تقتطعها من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، كي تعطي لنفسها الحق في إقامة الحد على من يخالفونها الرأي سعياً وراء تقليص نفوذ منافسيها من جهة، وتعزيز مواقع أقدامها من جهة ثانية في سياق صراعها السياسي مع القوى السياسية المدنية. حالة العداء المستحكمة في العلاقات القائمة سياسياً بين من هم إسلاميين وأولئك المدنيين، شطرت المجتمعات العربية كل على حدة إلى أجزاء، ليست متباعدة فحسب إنما متناثرة ومتناحرة أيضاً. ودقت بشكل عميق أسفين صراعات تحولت من الملاسنات اللفظية، التي يفترض أن تكون مرفوضة بمقاييس العمل السياسي الحضاري المعاصر، إلى الصدامات العسكرية المباشرة، وفي أحيان كثيرة غير المباشرة إلى درجة لم يعد في الإمكان السكوت عنها أو الوقوف دون مبالاة إزائها لأنها تأخذ بيد العمل السياسي العربي إلى نهايات طريق مسدودة. تأسيساً على ذلك، ومن أجل الخروج من عنق الزجاجة هذا، وانطلاقاً من قناعتنا بأنه من حق قوى الإسلام السياسي على القوى السياسية العربية الأخرى أن تعترف بها، وتدخل في منافسة متكافئة معه، بدلاً من شن حرب عليه، نجد، في المقابل، أنه من واجب القوى الإسلامية أيضاً أن تقبل بقوانين اللعبة السياسية وفق المعايير المعاصرة المتعارف عليها دولياً، كي يتحقق الاعتراف المتبادل بين الطرفين. وللوصول إلى صيغة المعادلة الصحية السليمة المنطلقة من تلك المعايير السياسية المعاصرة، التي نتحدث عنها، ينبغي أن تراعي جميع الأطراف الضالعة في العملية السياسية العربية، بما فيها مؤسسات الإسلام السياسي، قضية أساسية مركزية هي القبول المتبادل بالآخر، والتعايش السلمي معه، وتمسك الجميع بحق الكل، وعلى قدم المساواة، في التمتع بما تبيحه لهم الأنظمة والقوانين في الدولة المعنية. وإذا ما بدأنا بالاستراتيجية التي ينبغي أن ترسم برامج قوى الإسلام السياسي العربية، فمن الطبيعي أن نطمح في أن تكون متفاعلة، ومن ثم متناغمة بوعي تام وقرار إرادي لمتطلبات القرن الواحد والعشرين الميلادي، وليست مرغمة على الخضوع لما كان يسود في القرن الأول الهجري. هذا التحول النوعي والطوعي في آن هو وحده القادر على دفع التهم الموجهة لقوى الإسلام السياسي والتي تحاول حصرها في خانات “التخلف” وعدم القدرة على “مواكبة التحولات التي شهدتها المجتمعات على امتداد القرون الخمسة عشر الماضية التي تلت الدعوة، وفي مراحل لاحقة تأسيس الخلافة الإسلامية”. وكي تكتمل الصورة، وتأخذ أبعادها الحقيقية، لا بد للقوى السياسية المدنية التي تعمل خارج إطار فكر الإسلام السياسي، بمختلف تلاوينها وأطيافها، أن تؤمن، هي الأخرى بحق هذه القوى الإسلامية في العمل السياسي، بما في ذلك حقها في الوصول إلى السلطة، عبر الطرق السلمية والشرعية، وممارستها لها في ذلك النطاق، مع حقها في الاجتهاد، طالما تقيدت بتلك القوانين المعاصرة. يحكم الجميع في هذا الاتجاه ونحو هذا الموقف تمتع قوى سياسية غير إسلامية بمثل هذا الحق، وتواليها على السلطة في دول عربية كثيرة خلال الخمسة العقود المنصرمة. فقد عرفت المنطقة العربية ببلدانها المختلفة أنظمة سياسية من مختلف المشارب بعضها انتمى للمدرسة القومية كما كان عليه الحال في سوريا العراق، وقسم آخر منها حاول المزج بين الفكر الاشتراكي والقومي، كما عرفته مصر في نهاية الستينيات، ومطلع السبعينيات خلال حكم عبدالناصر إلى جانب بعض الحالات الهجينة بين الوطني الممزوج بمسحة أوروبية، كما كانت عليه تونس بورقيبة. بالقدر ذاته، لا بد لقوى الإسلام السياسي، أن تدرك أن نجاحها في الوصول إلى السلطة مسألة، لكن قدرتها على الاستمرار في السلطة، ونيل رضا مختلف فئات الشعب الذي تحكمه مسألة أخرى. ففي حال فشلها في الوصول إلى الخلطة الصحيحة بين ما هو عقيدي وما هو معاصر، ستجد نفسها في المكان الذي آلت إليه القوى التي سبقتها، المنتمية للأفكار الأممية والانتماءات القومية. هذه الكيمياء السياسية الفكرية الإيجابية القائمة على التعايش الأيدلوجي المشترك بين ما هو إسلامي وغير إسلامي وحدها القادرة على نقل المجتمعات العربية من حالة الصدامات الداخلية المفتتة إلى مستوى المجتمعات المدنية المتكاملة