^ في جولة سريعة لقلب العاصمة المنامة (منطقتي الحورة والقضيبية تحديدا) تبين حجم الكارثة التي تتعرض لها الدائرة الأولى بمحافظة العاصمة، وذلك عبر تغير لهويتها العربية، إضافة للإهمال الكبير الذي تتعرض له العاصمة المنامة في صورتها العامة. ربما بين فترة وفترة يأخذني الحنين إلى المنامة باعتبارها مسقط رأسي، فأقوم بجولة سريعة فيها استذكارا للطفولة الجميلة وتنشيطا للذاكرة الجمعية التي اتلفتها السياسة، لكن جولتي لهذه المرَّة لم تكن مصادفة مُرَّة، كما لم تكن زيارة للذاكرة، بل جاءت مهنية بحتة عبر مهمة خالصة بتكليف من السلطة الرابعة. قبل أن التقي بعضو المجلس البلدي الأخ غازي الدوسري من أجل تغطية صحافية فيما يخص شؤون الدائرة الأولى، ضربتُ مع نفسي موعدا فيها، كي أستطيع وقبل كل شيء يمكن أن يكون أو يجري مع العضو البلدي أن أرسم في ذهني صورة قبلية للمكان وللشخوص، وبالفعل استطعت أن أرسم صورة لم تكن في الحسبان، إنها أسوأ صورة لما آلت إليه هوية البحرين. إنني تحديدا وفي الحقيقة لست ضد التعايش مع كل الجنسيات والأجناس البشرية الكريمة، سواء في البحرين أو غيرها، بل إنني من أشد المعارضين لكل حركة من شأنها استضعاف أو استحقار الأجناس التي تختلف معها في الهوية أو حتى العقيدة، لأننا في النهاية نُظراء في الخلق. هذا كله لن ينفي الاعتبار الحقيقي للهوية التاريخية للأوطان والإنسان، فكل مجتمع من مجتمعاتنا البشرية يتمسك بخيوط أصوله ونسبته القديمة، وهذه حالة إنسانية متجذرة في كل ثقافات المجتمعات البشرية قاطبة. بما أن البحرين دولة عربية، يكون من المهم جدا لكي تحافظ على نسق هويتها الأصيلة، في أن تظل تتحدث العربية كلغة وممارسة وسلوك، وكعادات وتقاليد وثقافة، ولعل من أهم البقاع التي يجب أن تتمسك بها البحرين لإثبات هويتها العربية، هي العاصمة. وأنا أتغلغل في أعماق الدائرة الأولى بالعاصمة المنامة ملتفا بين حيطانها وأزقتها العتيقة، أكاد أجزم بأنني لم أشاهد بحرينيا واحدا فيها، ولا حتى القليل من إخوتنا وأحبتنا العرب، وهذا مؤشر خطير على أن العاصمة تتعرض لمسخ شرس لهويتها العربية، بغض النظر على حرصنا الشديد بوجوب احترام الآخرين من المقيمين من غير البحرينين وحتى العرب. نحن هنا في معرض دق ناقوس الخطر وتنبيه الجهات المسؤولة بأهمية أن تظل العاصمة المنامة بوصلة لهوية هذه الجزيرة العربية، لا أن تتحول إلى كانتونات آسيوية صارخة. إنها مسؤولية تاريخية نرسلها كرسالة مهمة نضعها بين أيدي المسؤولين ومنظمات المجتمع المدني العربي في البحرين، وهي رسالة واضحة لانقاذ عروبة العاصمة حتى نستطيع بعد ذلك الحديث أو الدفاع عن عروبة البحرين في شكلها العام. ليست الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن تبعات تغريب العاصمة وتشتيت عروبتها، بل نحن نحمِّل أيضا أهل المنامة القدماء جزءاً كبيراً من ضياع الهوية واللغة والتراث العربي للعاصمة، لأنهم ومن أجل حفنة من الدنانير تخلوا عن منازلهم التي خرَّجت منارات لكبار الشخصيات البحرينية المعروفة ليسلموها للأجانب عبر تأجيرها أو تحويلها لمساكن للعزاب الأسيويين، ومن ثم يأتي هؤلاء يبكون على لبن سكبوه مع سبق الإصرار والترصد، حتى ضاعت العاصمة مرتين؛ مرة بسبب فقدان عروبتها ومرة بسبب الإهمال. .. وللحديث بقية