^ لا يجوز لأحد أن يقر العنف سواء من نظم حكم أو جماعات معارضة، ليس من حق أي نظام في العالم أن “يمد يده” ويجرب قوته مع شعبه، بلدنا ديمقراطي وهكذا ارتضيناه وهذه أهم أسس الديمقراطية؛ إن من حقنا أن نتكلم دون أن نتعرض لاضطهاد من أي نوع، لكن أيضاً ليس من حق المعارضة أن تعبر عن نفسها أو تنفذ أجنداتها بالقوة والعنف. هذا هو السجال الدائر بعد فبراير 2011، هل استخدم العنف ضد متظاهرين عزل أو استخدم دون داع، وقامت الدنيا ومفوضية حقوق الإنسان وشكلت لجنة التقصي وجاء بسيوني ليقول هل استخدمت الدولة ما هو حق لها أم تجاوزت، وبقي أن نعرف هل الفعل كان حقاً طبيعياً ومقبولاً؟ بمعنى هل من حق المعارضة استخدام العنف؟ هل اختارت الطريق الصحيح؟ أن تستمر في العنف وتعتبره حقاً وشرفاً بل واجباً مقدساً أيضاً. لأننا نريد أن يأخذ كل ذي حق حقه يجب أن نتعامل مع الضحية بطريقة تختلف عن المجرم، والذي يحرق رجال الشرطة ليس هو نفسه من يتظاهر بالسلمية، نملك شجاعة الإقرار أن من واجب الحكومة محاسبة أي من أفراد الأمن ثبت تجاوزه والحرص على عدم تكرار التجاوز ضد أي مواطن، وهذا لا يمنع من طرح أسئلة مثل من بدأ العنف قبل أعوام ومن انتهج تأجيج الشارع والتلويح بالعنف لتحقيق منافع سياسية ومن أعطى لنفسه الحق المطلق فيه سواء بتسميته حرية تعبير أو بتبريره بعنف السلطة أو بإطلاقه بالفتاوى؟ في إحدى القنوات المصرية يقول ضيف البرنامج المتحمس جداً للديمقراطية إن من حق الناس أن يفعلوا أي شيء يرونه مناسباً للتعبير حتى لو كان مهاجمة السفارات، وتحاول المذيعة أن تثنيه عن رأيه وتفهمه أن هذا يتنافى مع القانون والأعراف الدبلوماسية ويسيء للعلاقات مع الدول فيكابر الأخ للنهاية، ثم تسأله المذيعة إذا كان من الديمقراطية اختطاف متظاهرين لضابط بالجيش واحتجازه، كما حدث في إحدى أحياء القاهرة، فيتأتئ قليلاً بكلمات خافتة بأنه يرفض للعنف ثم يعود بقوة لأسطوانة الناس من حقهم أن يفعلوا ما يشاؤون، وأن هذه هي الديمقراطية، وأننا إما أن نأخذ الديمقراطية كلها أو نتركها كلها. كثير ممن يدعون كونهم مثقفين وحقوقيين وفاهمين يشجعون تصرفات غوغائية ولا يدينون جرائم واضحة صارخة بحجة أن هذا جزء من حرية التعبير، بل يقدرونها ويكرمون مرتكبيها كما فعل علي سلمان أمين عام الوفاق حين استشهد مراراً بكل تفاصيل التسعينيات، واعتز بكل الجرائم التي حدثت آنذاك، علماً بأن أرواحاً بريئة أزهقت دون ذنب وممتلكات عامة وخاصة دمرت. تشجيع وتحريض الناس على الخروج على القانون يجعل البلد يصل لحالة انعدام توازن، يصبح بلا قانون أو أمن وحتى المواطن يفقد ثقته بالمنظومة التي تحميه وتحفظ حقوقه وهذا خطير جداً، ولا مستفيد في هذه الحالة فالكل خاسر، حتى التعامل الأمني لا يمكن السيطرة على مخرجاته وسط الفوضى، عندما تعم الفوضى قد تحدث اعتقالات أو إيذاءات من أي نوع للاشتباه، ليس أننا نقر ذلك لكنه يحدث عندما يخرج الشارع عن السيطرة ويسود منطق الاستفزاز وتجربة طول النفس من الطرفين. هل هناك فكرة لدى المحرضين في هذا الوطن عن مدى المعاناة التي تترتب على تشجيعهم للعنف؟ وكم الخسائر التي تنال من الأسر التي يتورط أبناؤها في ممارسات مخالفة للقانون فيروحون ضحية لعنفهم ذاته كما حدث مع الشاب الذي احترق بنيران الإطارات أثناء إشعالها أو العنف المقابل أثناء تعامل الأمن مع وضع كهذا، ومن جهة أخرى خسائر الأرواح والإصابات في صفوف رجال الأمن ومن جهة ثالثة المدنيون، وعندما يوجه العنف ضد المدنيين مباشرة أو حتى في طريق يرتادونه أو ضد ممتلكاتهم فقد تجاوزنا فتوى سحق رجال الأمن وربما تكون هناك فتاوى هنا وهناك تبيح حرق البيوت والعربات واستهداف المدنيين برشق المولوتوف عشوائياً وحرق الإطارات في عمق المدن وأهم الشوارع وأكثرها ازدحاماً. يحق لنا جميعاً أن نتمسك بما هو حق، لكن كلمة “من حقي” كبيرة وواسعة جداً، ليس من حقنا أن نقتل، والمولوتوف والكمائن وزرع المتفجرات يقتل، هذه اسمها ساحة حرب ولا ينطبق عليها ما ينطبق على الحراك السلمي الذي تتحدث عنه المنابر العاجية، لا حل سياسي في هذا البلد قبل أن تتكون لدى الجميع قناعة بأن روح المتظاهر والناشط والحقوقي لا تزيد أهمية عن رجل الشرطة وأي مواطن ومقيم، وأن العنف والتخريب والقتل ليس حقاً لأحد، ليس من حقك أن تقتل كما إنه ليس من حقك أن تصف الدمار والقتل بالتظاهر السلمي، ليس من حقنا أن نتلاعب بأرواح الناس ونعرضهم للخطر، ثقافة الحقوق في وطننا تحتاج إلى تصحيح وكلمة حق نفسها تحتاج لإعادة تعريف.