أكدت دراسة اقتصادية تحليلية حديثة أن دول مجلس التعاون الخليجي مؤهلة بدرجة كبيرة لتحقيق تكامل اقتصادي أكثر شمولية في ظل الاتحاد الفيدرالي الخليجي، مما يجعلها تملك قوة سياسية لها ثقل عالمي لا يستهان به ضمن ركب الدول العظمى. وأفادت الدراسة، التي حصلت وكالة أنباء البحرين “بنا” على نسخة منها، أن للاتحاد الخليجي مكاسب سياسية جمة أبرزها الوصول إلى مرحلة الأهلية في المطالبة بأن يكون من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبالتالي الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن يمثل فيه الدول الخليجية. وعرفت الدراسة التي أعدها الخبير الاقتصادي أستاذ مخاطر الدولة المساعد بالجامعة الخليجية د.محمد خيري الشيخ التكامل الاقتصادي بأنه “قيام مجموعة من الدول المتقاربة جغرافيا في العادة بزيادة ارتباطها اقتصادياً وذلك بفتح أسواقها أمام بعضها البعض وزيادة التعاون فيما بينهم، حيث يزيد من سعة السوق أمام المنتجين والتجار في الدول المتكاملة مع بعضها وبدلا من أن يكون سوق المنشأة محدوداً بحدود الدولة الذي هو موطنها الأصلي، تجد المنشأة أن أسواقاً جديدة فتحت أمامها بعد أن كانت في السابق مغلقة أمامها أو على الأقل لم تكن تستطيع دخولها بدون تخطي حواجز جمركية وغير جمركية”. ويرى الشيخ في دراسته أن للتكامل الاقتصادي الخليجي فوائد عديدة، حيث يخلق فرصاً تجارية جديدة مع توسع الدول المشتركة بالتكامل الاقتصادي وتزيد التجارة فيما بينها بعد إزالة الحواجز الجمركية فيما بين تلك الدول، وتجد كل شركة أو منشأة خليجية قادرة بعد التكامل على بيع سلعها في أسواق الدول الأخرى الأعضاء بسهولة أكثر مقارنة بالوضع قبل التكامل، والفائدة الأخرى تكمن في زيادة الكفاءة الإنتاجية فهو يمنح كل شركة فرصة للاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير لأنها تستطيع أن تنتج كميات أكبر من نفس السلعة التي كانت تنتجها مسبقاً، وبذلك ينخفض متوسط التكلفة الثابتة للوحدة لأن التكاليف الثابتة الكلية ستتوزع على عدد أكبر من الوحدات المنتجة، كذلك تزيد الكفاءة الإنتاجية لأن الشركات تتعرض للمنافسة مع شركات من البلدان الأخرى المشتركة. وبينت الدراسة أن ازدياد المنافسة يقود طبيعياً إلى أن تسعى كل شركة لتخفيض تكاليفها وتحسين مستوى جودة منتجاتها وخدماتها، وبذلك يستفيد المستهلك وتتحسن إدارة كل منشأة. فرص عمل جديدة كما عرفت الدراسة الاستثمار الأجنبي المباشر على أنه “استثمار طويل الأجل يترتب عليه مصلحة دائمة ومسيطرة من كيان مقيم في اقتصاد ما (ممثلاً بالشركة المقر) على مشروع مقام في اقتصاد آخر(عبدالغفار، 2002)، وهو يعتبر من أكثر أنواع الاستثمار الأجنبي في البلدان المتلقية له، حيث يأخذ شكل إنشاء مؤسسة من قبل المستثمر الأجنبي وحده أو بالمشاركة المتساوية أو غير المتساوية مع رأس المال الوطني، كما إنه قد يأخذ شكل الشراء الكلي أو الجزئي لمشروع قائم (جيل برتان 1981، عوض 2006)”. كما يعرف الاستثمار المباشر على أنه “أي تدفق في الإقراض أو زيادة في نسبة التملك لأي شركة أو فرع في دولة أجنبية”، ففي عام 2001 كانت تدفقات رأس المال الأجنبي تمثل حوالي 8% من إجمالي التكوين الرأسمالي في البحرين وحوالي 2% في عمان و 7% في قطر و 1,5% في السعودية و7% في الإمارات وهي نسب متواضعة نوعاً ما، أما في عام 2008 فقد قفزت هذه النسب لتصل إلى 36% في البحرين و46% في السعودية و25% في قطر و24% في الإمارات و18% في عمان، وقد جاءت السعودية علي رأس قائمة الدول المضيفة للاستثمارات العربية البينية للعام 2009، حيث بلغت قيمتها 11,6 مليار دولار وبحصة 60،4% من إجمالي الاستثمارات العربية، تليها الإمارات بحوالي 3،7% بليون دولار . ( UN,2010) وذكرت الدراسة أن عملية الاستثمار الأجنبي تعتبر دالة في ثلاثة متغيرات معقدة ومتشابكة هي: أولاً: الخصائص المميزة للدولة المضيفة وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشجعة للاستثمار الأجنبي. ثانياً: الخصائص والمزايا الاحتكارية للشركات العابرة للقوميات وأهدافها ومقدرتها على استغلال هذه المزايا. ثالثاً: سياسات وقوانين الدولة الأم ورغبتها وأهدافها في عملية تصدير رؤوس الأموال. ويتسم الاستثمار الأجنبي المباشر، وفقا للدراسة، بمزايا عديدة أهمها: المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية التي تسهم في انتقال المعرفة والتكنولوجيا. زيادة قدرة الدول المضيفة لرؤوس الأموال الأجنبية على الإنتاج من خلال توفر الأموال لإقامة المشاريع وعمل التوسعات الضرورية، كذلك خلق فرص جديدة للعمل وتخفيض نسبة البطالة. تأثر ميزان المدفوعات للدول المضيفة بالاستثمارات الأجنبية، واستقطاب العملة الصعبة إليها، وذلك من خلال لجوء الشركات لبيع العملة الصعبة لديها لتسديد التزاماتها المحلية، وزيادة فرص التصدير والحد من الاستيراد. كما يؤدي الاستثمار الأجنبي المشترك (Joint Venture) إلى تنمية القدرات الفنية وزيادة خبرة المدراء والفنيين المحليين. وحددت الدراسة أهم عيوب هذا النوع من الاستثمار والمتمثلة بـ: الخوف من احتكار المستثمر الأجنبي لسوق الدولة المضيفة وخاصة في الاستثمار الأجنبي المملوك كاملاً وإضعاف قدرة المستثمر المحلي.التخوف من التبعية الاقتصادية للمستثمر الأجنبي، وما يترتب على هذه التبعية من آثار سياسية، حيث يمكن أن تؤثر على القرارات الداخلية والخارجية للدولة المضيفة (botric,skuflic,2006). ولفتت الدراسة إلى أن الشركات الأجنبية أكثر كفاءة من الشركات المحلية وهي تستطيع أن تجذب العمال والتمويل أكثر من الشركات المحلية، لذلك فإن الصناعة المحلية تكون قلقة من أن الدول الأجنبية ستحظى بسيطرة احتكارية على الموارد المحلية، لكن هذه الشركات الأجنبية يمكن أن تواجه مخاطر خاصة بها عندما تستثمر في بلد معين مقارنة بالفرص الاستثمارية البديلة المتاحة في دول أخرى. اقتصاد أكثر انفتاحاً وبيّنت الدراسة أن الاستثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي تتوزع في مشاريع البنية التحتية ومشاريع توليد الطاقة والمياه والصرف الصحي، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في المدن الصناعية، إضافة إلى الاستثمار في قطاعي الاتصالات والمواصلات، علاوة على نمو الاستثمار في القطاع الصناعي مثل صناعات الحديد والصلب وصناعات الألمنيوم، والاستثمارات في قطاع العقار والإسكان والصناعات الغذائية والصناعات الزراعية الهادفة إلى توفير السلع الغذائية من مصادرها الخارجية. وأكدت الدراسة أن مساهمة القطاع الخاص الخليجي تصل إلى ما نسبته 70% من إجمالي عدد المشاريع الخليجية، وبالتالي فهو يمثل ركيزة أساسية من ركائز الاستثمار، إذ يسهم بدور كبير في مختلف المجالات وذلك من خلال عمليات إنشاء المشروعات التنموية المختلفة وتمويلها وملكيتها وتشغيلها وإدارتها وإنتاجها من خلال مبادرات الشراكة بين القطاع العام والخاص، والاتجاه نحو خصخصة العديد من المشروعات الحكومية، مع اتباع سياسات اقتصادية أكثر انفتاحاً على العالم وذلك بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وإنشاء مراكز مالية بهدف جذب المؤسسات المالية الدولية والشركات المتعددة الجنسيات لإقامة مشروعات استثمارية بالمنطقة. كما إن القطاع المالي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي مستمر في تحقيق نمو على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى ارتفاع في عدد المؤسسات المالية الخاضعة للنظم في كافة المراكز المالية الرئيسة بالمنطقة (المركز المالي بالبحرين وقطر ومركز دبي المالي العالمي)، خلال العام الفائت 2011، ويقود المركز المالي في قطر النمو هناك، بينما يستمر مركز دبي المالي العالمي في تقديم أداء قوي من حيث النمو. وتتميز دبي كذلك، بحسب الدراسة، بقوتها من ناحية خدمات الدعم ومنافذ البيع وذلك في المركز المالي للمدينة، ومن ناحية الأصول، تحتل الإمارات العربية المتحدة مركز الريادة – وعلى الرغم من ذلك فإن الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي بالبحرين تصل إلى أكثر من ضعف مثيلتها في الإمارات العربية المتحدة وأكثر من 5 أضعاف مثيلتها في قطر، الأمر الذي يؤكد على مكانتها كمركز بالغ الأهمية بالمنطقة. وفي تحليلها لأبرز مؤشرات البحرين الاقتصادية، قالت الدراسة: “رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، والأحداث المؤسفة التي مرت بها مملكة البحرين العام الماضي، واصلت البحرين تصدرها لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال الحرية الاقتصادية وفقاً للمؤشر السنوي للحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة “هيريتاج فاونديشين” وصحيفة “وول ستريت جورنال”، إذ إن المملكة هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي احتلت موقعاً ضمن الدول العشرين الأكثر حرية اقتصادية على هذا المؤشر، حيث احتلت البحرين المرتبة الثانية عشرة من أصل 184 دولة في جميع أنحاء العالم، واجتازت البحرين المتوسط العالمي بإحرازها 75.2 نقطة وهو ما يؤكد تميزها بالبيئة الرقابية التي تسودها التنافسية والكفاءة، والتي ضمنت أن تحافظ البحرين على مكانتها كمركز مالي في المنطقة، حيث استقطبت مملكة البحرين استثمارات أجنبية كبيرة في عام 2011 قدرت بحوالي 300 مليون دولار شملت عبر اجتذاب ما يقارب العشرين من كبريات الشركات الدولية إلى المملكة في مجالات الخدمات القانونية الشاملة والنفط والغاز وإنتاج أفلام البوليستر ومكافحة الحرائق والحلول الأمنية والتكنولوجيا، حيث قامت الشركات بإقامة عدد من المقرات لها بهدف مزاولة أعمالها في المملكة، كما إن البحرين ما تزال في المقدمة من حيث عدد المؤسسات المالية الذي بلغ 412 مؤسسة مالية بنهاية عام 2011 (وارتفع العدد إلى 415 بنهاية فبراير 2012)، إضافة إلى أن البحرين توظف كذلك أكبر عدد من الأفراد في قطاع الخدمات المالية وتحقيق اقتصاد المملكة نمواً بمعدل يصل إلى 2% في العام الماضي، بالرغم من التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، وتمثلت العوامل الرئيسة التي شجعت الشركات الدولية على افتتاح مقراتها ومزاولة أعمالها بحسب الشركات في العروض الفريدة والجذابة التي تقدمها مملكة البحرين للمستثمرين الدوليين الساعين لإنشاء مقر في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي للتصدير الدولي، وما تحصل عليه الشركات من قيمة مضافة نتيجة لافتتاح عملياتها في المملكة، بما في ذلك اتفاقيات التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب القوى العاملة عالية المهارة، والقاعدة المنخفضة التكلفة وما تلقاه الشركات من دعم النشط المقدم من قبل مجلس التنمية الاقتصادية في جميع مراحل الانتقال . بيئة اقتصادية جذابة وفي استعراضها لأبرز منجزات دول مجلس التعاون الخليجي الاقتصادية، ذكرت الدراسة أن دول مجلس التعاون الخليجي قامت بإصلاحات اقتصادية كبيرة وبتحسين مناخ الاستثمار، مما جعلها تتسم بمناخات استثمارية متميزة وبيئة اقتصادية جذابة، شجعت وحفزت الاستثمارات ورؤوس الأموال الوطنية علي البقاء والاستمرار. وتظهر الإحصائيات المختلفة أن الشركات المتداولة أوفر حصة في مجال الاستثمارات الخليجية، تتبعها الشركات العائلية، وتليها الشركات المملوكة من قبل حكومات الدول، وأشادت الدراسة بالشراكات القائمة ما بين الشركات الوطنية الخليجية والأجنبية في قطاعات رائدة مثل اتفاق شركة أرامكو السعودية مع شركة Daw chemical بإنشاء أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم بقيمة تتراوح ما بين (18-20 بليون دولار)، بالإضافة إلى اتفاقات الشراكة فيما بين شركة الكويت للبتروكيماويات ونظيرتها بالصين. معايير التقارب النقدي وفيما يتعلق بالاتحاد النقدي والعملة الموحدة، ذكرت الدراسة أن الفكرة بدأت تتبلور داخل مجلس التعاون في نهاية عقد التسعينات المنصرم، ونظراً لتحقيق تقدم فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون ولنجاح الاتحاد الأوروبي في إطلاق اليورو وانطلاقاً من توجه دول المجلس لتعزيز العمل الاقتصادي المشترك وتبني آليات وبرامج زمنية لتحقيقه، قرّر المجلس الأعلى في دورته الحادية والعشرين (المنامة، ديسمبر 2000) تبني الدولار الأمريكي مثبتاً مشتركاً لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية، ووجه وزراء المالية محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية الوطنية بإعداد برنامج زمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة، حيث قامت اللجان المعنية في مجلس التعاون على تنفيذ هذه الفقرة، واستكملت بحث معايير التقارب الاقتصادي وتحديد مكوناتها وطريقة حسابها والنسب والحدود المقبولة للتقارب الاقتصادي وذلك من خلال الدراسات المقدمة من الدول الأعضاء والأمانة العامة، مع الاستفادة من الدراسات التي أعدها البنك المركـزي الأوربي وصندوق النقد الدولي لهذا الغرض، وأنشئت بالأمانة العامة وحدة متخصصة لدراسات الاتحاد النقدي للمساعدة فيما يتطلبه إقامته وإصدار العملة الخليجية الموحدة من دراسات وأبحاث وعمل مستمر لتأمين فرص نجاحه .