^ بعد موجة الثورات والانقلابات العسكرية في عدد من الدول العربية في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم؛ والتي كانت فيها مفردة الثورة وتوابعها من مفردات سياسية قد أحاطتها هالات من التمجيد وربما القدسية، وقد امتلأت بها خطابات ومقالات وإذاعات وصحف وحتى حيطان الثوريين في تلك الحقبة؛ حتى ملها الناس وسئموها بعد أن أصبحت مفردات مستهلكة لا تعني إلا الطاعة العمياء للقادة الثوار ومجالس ثوراتهم، التي كانت تدعي لنفسها التقدمية وتصف غيرها بالرجعية أو تدعي لنفسها الصواب ولغيرها السفه، تطل علينا في عدد من دولنا العربية من جديد هذه المفردات وبذات الصياغات يتغنى بها -كما الأمس وإن كان بشكل مختلف- ويروج لها سياسيون وكتاب وإعلاميون ورجال دين ومعممون؛ منهم من كان محسوباً على ثورات الأمس وقياداتها فعلاً أو موالاة وتعاوناً ومنهم من كان يوصف بالرجعية ومعاداة الثورة لكنه اليوم تقدمي يتشدق بذات المفردات ولكن تحت مظلات لحركات سياسية مختلفة.. لربما كذا هي الدنيا تدور وتتكرر فيها الأحداث والشعارات والخطابات لكن بألوان وصيغ أخرى سرعان ما يملها الناس وينسونها لتعود من جديد!!.. ومفردة الثورة التي يسعى البعض إلى جعلها مفردة جميلة رغم ما يرتبط بها من هيجان وانفعال وعنف ودم ينزفه جرحى هذه الثورة من فريقيها الثائر والمثور ضده أو عليه ومن قتلى يمنحون ببساطة ويسر ألقاب الشهداء أياً كان الثوريون إسلاميون، ليبراليون، يساريون أم يمينيون!!..بل صارت مفردة الثورة مرتبطة بمفردة الربيع بغض النظر عن زمانها شتاء أو صيفاً أم خريفاً وذلك لما تبعثه كلمة الربيع في نفس المتلقي من جمال وسكينة وجو لطيف وألوان زاهية من الخضرة والزهر!! على عكس كلمة الثورة التي ترتبط بالثوران والهيجان والعنف والدم والضحايا..ليس هذا فحسب بل هو صناعة عربية خالصة وإن جاء بدفع ودعم وربما مساندة وفعل أجنبي فهو ربيع عربي!! ازدحم بريدي بالكثير من المقالات والتحليلات الثورية المليئة بالتمجيد والتعظيم والتفاؤل بهذه الثورات، يرسلها لي كتابها أو قراؤها من أصدقاء وزملاء، حتى أنني كنت أجد صعوبة بالغة في قراءتها جميعها، رغم حرصي على ذلك، وأنا أتتبع كيف ستسير الأمور بعد ذلك وما الذي سيكتبه هؤلاء الكتاب بعد حين من زمن البهجة والتمجيد. بعضهم ممن كنت أقرأ له كتابات وتحليلات لطيفة؛ فجأة شعرت أنه في خضم حماس الثوار والثورة قد فقد القدرة على التحسس والإبصار؛ فصار يهتف لكل فوضى(!) على أنغام هتافات ثورات الربيع العربي وينتصر لكل الشباب الشجعان(!) الذي ثاروا فصبوا الزيت على أنفسهم أو بلدانهم وأضرموا فيها النار!!.. وينتظر الناس الربيع المزعوم الذي يمضي الوقت ولا يظهر له لون أو رائحة فتأتي المرحلة الثانية من إعلام الثورة تعلن أن الثورة قد سرقت أو أجهضت وكل يدعي أنه أبوها حتى أولئك الذين كانوا في العسل ولم تحرقهم أو تمسهم نار الثورة قبل الثورة أوخلالها أوبعدها!! ربما بعض أؤلئك الذين أضرموا النار في أنفسهم واستعجلوا دخولها قد ندموا على فعلهم ولكن بعضاً من الذين مجدوا فعلهم وتغنوا به لم يروموا من ذلك إلا نفع أنفسهم. أختم بآخر ما وصلني من كاتب اكتسب ثوريته مع المد الثوري الجديد تغنى بالثورة وبالذي أضرم النار في نفسه يتساءل في عنوان مقاله -والربيع قد تأخر-إن كان مواطنوه بحاجة إلى ثورة ثانية؟! ويخلص إلى الحاجة الى ثورة ثانية ميدانية تشل حركة الأعداء وتنفذ الحلول الصحيحة!! أقول : أطفئوا النيران.. لم يكن الحريق يوماً حلاً ولا حياة بل انتحاراً ونهاية..واتقوا الله في أنفسكم وأهليكم وأوطانكم.