^   الجميع يعرف أن الزواج مؤسسة اجتماعية، بوجوده كنواة يتكون المجتمع، وخلال تشكل هذه المؤسسة تتكون الحضارات وتتطور. لكن لكونها مؤسسة اجتماعية تمتزج بالمؤسسات الاقتصادية والثقافية والنفسية والروحية. هنا لن أتكلم عن الطلاق الذي يحدث بين اثنين، الزوج والزوجة، وبالتالي يتبهدل الأولاد ويضيعون بين حماقة الأم أو حماقة الأب. سوف أتكلم عن المؤسسة الأكبر؛ أعني العلاقات بين الإخوة والأخوات، بين الأبناء والإباء، بين البنات والأمهات، بين أبناء العم والخال والأنساب. شاهدت بعيني، وغيري شاهد أيضاً، العديد من الحالات التي تحدث بين الآباء والأبناء، فهذا الوالد عارض زواج ابنه من فتاة معينة، فما كان من الابن إلاَّ الخروج من البيت والزواج رغم أنف الوالد، وعاش وأنجب أولاداً لم يعرفوا جدهم وجدتهم، لأن الابن عاش غاضباً من والده وحتى بعد أن مات الوالد لم يذهب لمواساة أمه. حالة أخرى، اختلف فيها الأهل على الإرث، فقد عرفوا إن أخاهم الأكبر قد استولى على حصة الأسد، لأنه كان الأقرب منهم معرفة بفواتير والده وما يملك من عقار. الحالة الثالثة حالة أخوات اختلفن في وجهة نظر حول طريقة تربية الأبناء، فما كان من الواحدة إلا أن أشاحت بوجهها عن أختها، وحلفت ألا تدخل بيتها، لا في السراء و لا في الضراء وقد تم هذا بالفعل. شخصياً أدعو هذه العلاقات بالطلاق العائلي؛ حيث يظلون جميعاً كارهين لأن يتواجدوا في مكان واحد، وإن صادف أن كان أحدهم التقى بأخيه فإنه لا يسلم عليه. الجميع، كما أرى، يعيشون في ماضٍ لا وجود له. في زمن انتهى، لكنه ظل يعيش في لحظتهم الراهنة ويتناسل في حياة أبنائهم. مثل هؤلاء قد يعرفون معنى القطعية الاجتماعية نظرياً، لكنهم لا يعرفون أن الحياة قصيرة، وأقصر مما يتصورون، لا يعرفون أن المال الذي أخذه الأكبر من إخوانه الأصغر قد انتهى، بل ابتلى به وتحول إلى بقعة دم ينزف منها أكثر منهم، لكن الإخوان يرفضون مسامحته على أمر مضى عليه أكثر من خمسين سنة. الابن الذي حرم أولاده وبناته من المرور على جدهم، ها هو قد تحول إلى جد، ألا يشعر بعد مرور السنين أنه في حاجة ليعرفهم على أبيه. وضرورة أن يمر لرؤية أمه التي تحتضر في المستشفى وتحلم أن تلتقي بأحفادها قبل مغادرة هذا العالم. والأخوات اللاتي اختلفن في وجهة النظر؛ أليس من حق أبنائهن التعرف على عائلتهم التي كانت كبيرة فانقسمت بسبب العداء بين الأخوات. فصارت العائلة أصغر، لا أحد يشعر بوجودها في هذه البقعة الصغيرة من الأرض. إن الحياة أقصر من أن نقضيها في هذا الطلاق العائلي.. أقصر من أن نبتعد عن روح التسامح فيها، وأجمل ما يمكن أن يكون في حالة الطلاق العائلي أن يتنازل أحد الطرفين للطرف الآخر، حتى لو كان الطرف الآخر هو الذي أساء للطرف الذي يرغب في المسامحة. أتساءل بعض الأحيان؛ هل ما يحدث من طلاق عائلي يؤدي إلى طلاق اجتماعي، هل هو نموذج مصغر للطلاق الاجتماعي؛ بحيث كل واحد من الذين كانوا أصدقاء وصديقات لمدد طويلة يأكلون من نفس الصحن ويقتسمون الأفراح والأتراح، كيف لهم أن يبتعدوا؟ وأي معنى لحياتهم دون وجود من كانوا يعطون لحياتهم معنى. إن كان الله سبحانه وتعالى يغفر للمذنب ولو كان في آخر لحظة من لحظات حياته، فلماذا لا نغفر؟ ولماذا لا نسامح؟ ولماذا لا نعفو؟