^   ذكرنا في عمود الأمس أن الأشخاص اللجوجين الراغبين في التواصل مع الآخرين على مدار الساعة يقدمون على هذا التصرّف بسبب عجزهم عن تحقيق ذواتهم وأهدافهم في الحياة الواقعية، لذا يلجؤون إلى الحياة الافتراضية بديلاً عنها. ويرى ريتش جورجي، الأمريكي المختص في شؤون الإنترنت، أن هذا المرض المقيت يرتبط بالمشكلات النفسية المتأصلة لدى هؤلاء الأشخاص، حيث إن شبكات التواصل الاجتماعي تصبح في هذه الحالة بالنسبة للفرد بمثابة الوسيلة التي يمكنه من خلالها تحقيق هذا الحلم، وذلك عن طريق إيجاد توأمهِ (شبيههِ) الذي يمتلك جميع صفاته الشخصية أو مزاياه المرغوبة. إن هؤلاء الأفراد، في معظم الأحوال، منغلقون على الذات، ويتصوّرون أن مصيرهم الوحدة والاغتراب بسبب عقدة النقص الهائلة التي ضربت في أعماقهم، ولذلك فإن الصداقة التي ينسجونها على الإنترنت بمحض الصدفة أو الحظ تفتح لهم إمكانية تحقيق الذات، فتراهم يمطرون محدثِّيهم على الشبكة الافتراضية بالأخبار والرسائل، لكن هذا الصنف من البشر ينكشف حالما يُطلب منه الظهور في دردشةٍ خاصةٍ إذ يختفي فوراً. إن أخطر الكذابين على شبكة الإنترنت هم الأشخاص المصابون بالكذب المرضي (الادعائي)، ويُقصد بذلك إدعاء الشخص بأنه مضطهد أو محروم أو يعاني من المرض بهدف الحصول على الرعاية والاهتمام والعطف، وهو ما يجعله كذاباً بالفطرة، أي بمناسبةٍ أو غير مناسبة، وهؤلاء يمكن كشفهم بعدة وسائل، ومنها مثلاً كشف التناقض في المعلومات التي يدلون بها، حيث يُحتمل أن تتضارب الأقوال اللاحقة مع السابقة، باعتبار أنه يصعب على المرء التفكير في مجمل التفاصيل الدقيقة للكذب، ناهيك أن كل كذبة تولِّد الأخرى؛ كما إن الشواهد التي يوردها الشخص للتدليل على صحة كلامه غامضة، ولا تدعمها مشاعر حقيقية ملموسة. أضف إلى ذلك أن الشخص الذي اعتاد الكذب المرضي يبادر فجأةً، دون مقدمات أو سابق إنذار، إلى تغيير أسلوبه في المحادثة والتواصل مع الآخرين، ويستخدم مصطلحات غير مألوفة، وينزع إلى الخوض في التفاصيل التافهة أو التدقيق في الكلمات التي يتفوّه بها، وهو ما يعني أن بعض العبارات معدّة سلفاً ومحفوظة غيباً؛ كما إن الكذاب بالسليقة يكرِّر القصص والأحداث ذاتها، ويقدم تفسيرات مختلفة لها دون أن يعي ذلك، ناسياً أن حبل الكذب يظل قصيراً!