^ تحدثتُ في مقالي السابق عن خطورة تجاهل العرب (شعوباً وحكومات) للقضية الفلسطينية، وذلك في ظل انشغالهم بربيعهم العربي. ليس وحدهم العرب المسؤولون عن ضياع القضية، بل هناك من القوى الكبرى من يتحمل كل المسؤولية عن ضياع فلسطين، وهناك عدة جهات مسؤولة عن كل الآلام التي تتحملها كل يوم، تلك الدولة العربية الشامخة، وشعبها المحاصر والمهجَّر، وعلى رأس تلك الجهات، الأمم المتحدة. ما نستخلصه من هذا الأمر أن كل العالم يتحمل جزءاً كبيراًً من الأمانة والمسؤولية تجاه فلسطين. ربما لأن العرب والمسلمين أولى من البعيد والغريب بالنسبة إلى تبني ملف القضية الفلسطينية، لأن القدس رمز من أهم الرموز الدينية والتاريخية بالنسبة لنا. وتربطنا بالشعب الفلسطيني أيضاً لغة القرآن المشتركة. كما تربطنا ذات العقيدة وذات الذاكرة ونفس التاريخ، لكن هنالك في المقابل من يتوجب عليه أن يدافع عن القدس والشعب الفلسطيني من منطلق الإنسانية، ويكفي بها ركيزة للوقوف مع فلسطين في كل نكباتها ومحنها وويلاتها. لو رجعنا قليلاً إلى التاريخ لألقينا كل اللائمة على بريطانيا العظمى، تلك الدولة التي أسست للظلم والجور ضد الفلسطينيين، وشرعنة الاغتصاب الدولي ضد الشعوب والدول العاجزة عن حماية نفسها عبر وعود كاذبة، وهذا في الأساس ما أدى إلى ضياع فلسطين وهجرة الملايين من شعبها. أرسل وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. إن المسألة لم تقف عند هذا الأمر فقط، بل أكد في وعده المشؤوم أن الحكومة اليهودية ستُعطى الأرض والحقوق، وستعطى الطوائف غير اليهودية كامل حقوقها السياسية، وفي النهاية لم تعطهم من الوعود سوى العذابات والتشريد والقتل واحتلال فلسطين!!. نحاول هنا أن ننشط الذاكرة البريطانية والعربية والعالمية، فننقل نص وعد بلفور للذكرى، لعل الذكرى تنفع المؤمنين فقط أو لمن نسي أوتناسى. إن بريطانيا هي من جاءت باليهود إلى فلسطين عبر اللاشرعية الدولية، وأنها بعد كل الأهوال العظيمة التي جرت نعتبرها غير مبرأة من كافة الجرائم التي ارتكبت في حق فلسطين وشعبها. جاء في نص وعد بلفور (إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهَم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق و الوضع السياسي التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر)!!. يا بلفور؛ لم تنتقص الحقوق المدنية ولم تضيع الحقوق السياسية لخمسة ملايين فلسطيني عربي يعيشون تحت ظلال الحِراب الصهيونية في فلسطين فحسب، بل هناك أكثر من خمسة ملايين يعيشون في الشَّتات. كما حصلت آلاف المجازر الدموية بعد وعدك الغادر. كلها حدث تحت مرأى ومسمع الدنيا، وبهذا فبريطانيا لم تضيَّع الحقوق فقط بل ضيعت شعباً بأكمله!. إن مناسبة هذا الحديث اليوم هو في اشتغال الآلة العسكرية الصهيونية القاسية مجدداً وبكل وحشية ضد أحبائنا في فلسطين، فرغم صمت الأنظمة العربية وشعوبها، ورغم تجاهل القوى الكبرى لما يحدث في القطاع، ورغم ازدواجية المعايير لكافة المنظمات العالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فإن فلسطين شاغلة الدنيا ستظل حاضرة في عميق القلب إلى أن يفنى الوجود، وهذا عهدنا لك يا حبيبة السماء.