^ من الواضح أن كل شيء أصبح يؤخذ حسب التفسيرات التي يريدها كل فريق بما يخدم توجهاته وأهدافه، وعلى نفس السياق أخذت كلمة جلالة الملك حين وصف المخربين وأصحاب النوايا الهدامة بأنهم “شرذمة”، الملك لم يقل إن طائفة معينة هم شرذمة، ولم يقل من له مطالب سياسية دون التطاول والتخريب والتسقيط هم شرذمة، فكل المكونات في البحرين اليوم لها مطالب إصلاحية وجلالة الملك أول الداعمين لها ضمن قنواتها القانونية، وكان واضحاً للغاية من هي الفئة التي وصفها جلالته بـ “الشرذمة”؛ إنهم المخربون، وهو وصف أحسبني أوقن أن الملك الذي نعرف توجهه الدائم للم الشمل والصفح والأخذ باللين قدر المستطاع؛ كان يقصد أنه لا يجب التعميم أن الكل مفسد ومخرب، وهو ما يصب في جهة ردع الفجوة التي أصبحت كبيرة بين مكون من الشعب، وكان من المفترض أن يسعى هذا الفريق للتجاوب مع هذا التوجيه وتأكيده بدلاً من السعي فقط للتنادي بالكثرة والتعصب الأعمى. في اللغة تعني الشرذمة (القليل من الناس)، وفي كتاب الله العزيز ورد بهذا المعنى قوله تعالى (إن هؤلاء لشرذمة قليلون)، فمن الواضح أن إشارة جلالة الملك تعني أن المخربين هم شرذمة (قلة)، وليس كما يحاول البعض الترويج بنفس طائفي أن القصد هو أن الشيعة قلة، فهذا كلام ومعنى لا يخرج من حمد بن عيسى الذي ينظر للمواطنين جميعاً نظرة الأب والراعي بعيداً عن طائفة أو فئة، رغم ذلك تم التنادي بالجمع لإثبات الكثرة، إن لم يكن ذلك هدف مسيرة 9 مارس الوحيد فهو أحد أهم أهدافها، فجاءت فتوى من الشيخ عيسى قاسم وتم التحشيد بكل الوسائل الممكنة، وكان ذلك مشابهاً لخروج آلاف النساء في مسيرة ضد قانون الأحوال الشخصية، حينما خرجن ليقفن ضد حقوقهن لأنهن أمرن بذلك، دون أن يشرح لهن أحد ما هو القانون وما الذي سيعود عليهن من نفع، والواضح أنهن لم يسألن أساساً!! كما إنه من الواضح أن الذين خرجوا ليثبتوا أنهم كثرة لم يطلبوا من أحد أن يفسر لهم القصد من حديث جلالة الملك. بعيداً عن ذلك لابد أن نقف عند عدد من الاستنتاجات مما حدث الجمعة الماضية: أولاً: إذا كان قاسم قادر على إخراج كل هذا الجمع؛ فالأولى به أن يوقف المخربين الذين يعمقون الأزمة كل يوم، ولا يخلفون سوى انتشار العداوة والبغضاء بين الناس، ويقفون كأهم أسباب رفض شريحة واسعة للحوار الذي يروج لقربه، حيث يرون أنه لا يمكن بدء أي حوار قبل استتباب الأمن، وهو موقف من الصعب تجاوزه رغم قناعتنا أنه لا سبيل للخروج من الأزمة إلا بالحوار. ثانياً: كيف يمكن أن نفهم مطالب الدولة المدنية التي تتحدث عنها المعارضة إذا كان تحريك الشارع يتم عن طريق فتوى دينية، فهل يتسق ذلك مع مسلمات الدولة المدنية القائمة على التعاطي السياسي من خلال أحزاب وبرامج سياسية وتحالفات ومصالح ومراوغات وغيرها مما يعرفه العمل السياسي ضمن الدولة المدنية، حتى وإن كان فيها أحزاب ذات صبغة دينية لكنها لا يجب أن تعتمد الفتاوى للتعاطي مع الشأن السياسي كواجب ديني!! ثالثاً: كان واضحاً أيضاً أن هذه المسيرة جاءت رداً على تجمع ذكرى الفاتح في 21 فبراير الماضي، وهذا تأكيد أن المعارضة الآن بدأت تلجأ لردات الفعل لإثبات وجودها حتى ولو من خلال الفتوى الدينية، لذلك فإننا أمام واقع قائم أن هناك مكونان رئيسيان في الوطن لا يمكن لأي فريق منهما إلغاء الآخر، وما عاد أبداً من حق المعارضة القول إن الشعب يريد، فقط تستطيع القول إن أتباعها يريدون، وهذا صحيح، وبالتالي فعليهم أن يكيفوا ما يريدون مع ما تريد باقي مكونات الوطن الأخرى، ولا يحق لهم أن يستفردوا بالوطن دون التوافق مع المكونات الأخرى في إطار الثوابت والمصالح الوطنية. رابعاً: على الجميع إظهار حسن النوايا إن أردنا العمل على تهيئة ليس أجواء بل متطلبات أي حوار قادم، وعلى رأسها استتباب الأمن ووقف كل عمليات التخريب، ويجب تقنين الخطاب الديني والسياسي التحريضي، كذلك الخطاب المجتمعي المنفلت، وهذه النقطة تحديداً يجب أن يبادر لها الجميع. بعد كل ذلك يبدو أن الوقت الآن لم يعد قابلاً لمواصلة العمل عن طريق الشارع، المعارضة جربت ذلك لأكثر من عام، وهي تعلم أن هذا الطريق لن يوصل لأي وجهة، قد تستفيد منه لمزيد من الضغط لكنه لن يحقق هدفاً بحد ذاته، كما إن الشارع لم يعد بيد المعارضة، كل مكونات المجتمع الأخرى تملك ثقلاً كبيراً في الشارع وقادرة على تحريكه، لذلك لابد من التوجه للعمل السياسي من خلال رؤية واقعية تجمع مختلف الأطراف في إطار من التوافق الوطني بعيداً عن مصالح طائفية أو فئوية محدودة.