^ ما يحدث في البحرين اليوم أشبه بقصة طالوت وجنوده وإن اختلفت الظروف، لأن وجه الشبه باقٍ، وذلك حين يكون للدولة رجال يعتمد عليهم في الشدائد. وقد رأينا حين اختبر طالوت جنوده وأمرهم بعدم شرب الماء بالنهر إلا قليلاً، ليختبر طاعتهم ومدى تحملهم، ما إذ كان الماء سيضعف همة القتال حين ينشغلون بجمال النهر وعذوبة مائه، وما يؤدي شربه من تكاسل ورغبة في الراحة. ويستطيع فصل أولئك الذين يسبب وجودهم قصور همة قتال العدو، كما إن قلة عدد الجنود الصادقين أفضل من كثرتهم وعدم ثباتهم، وهو ضرب للأمثال أن القوة في المعدن لا في الكثرة. ما أكثر المتخاذلين بيننا اليوم ومثلهم كمثل الذين قالوا (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده)، أولئك الذين جعلوا المتع الدنيوية مقدمة على مصلحة البلاد، وقد وسوس لهم الشيطان أن ليس بمقدورهم غلبة الشر لكثرة عدده ومسانديه، وهو ما ينم عن ضعف الإيمان أو ربما عدمه بأن النصر والتمكين من الله، وها هم جنود طالوت يثقون بنصر الله وأسباب النصر وأولها طلب العون من الله (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا) وقد استجاب الله دعاء جنود طالوت حين التقى الجمعان وبرز إليهم جالوت يدعو للمبارزة، فوقف قوم طالوت أمامه على قلة عددهم، وكان بينهم داود صغير السن ضعيف البنية فرأى رجلاً عملاقاً، فسأل طالوت وقال: من هذا الذي يقف أمامكم متحدياً متغطرساً والشجعان تخشاه، فقال: هذا جالوت الطاغية فكيف لا ننكص ونتراجع منه، ولأن القائد هو من يحفز أتباعه، وقد وعد طالوت أن من يقتل جالوت يزوجه إحدى بناته ويوليه الملك من بعده. فتقدم داوود وطلب من طالوت أن يأذن له في مقاتلة جالوت، فاستصغر طالوت طلبه لحداثة سنة وضعف بدنه، فقال داوود: يا طالوت لا يخدعك أمرك، ما تراه في صغر سني وقماءة بدني، فعزت عليّ نفسي إلا أن أبارز عدو الله. فلما رأى طالوت الصدق في لهجته والأمانة والعزم في نيته قدم طالوت لداوود ثياب الحرب والسيف والدرع، فأبى داوود وحمل بيده عصاه وأصطحب حجارة ملساء أخذها من الأرض، جعلها الله حجارة من سجيل، وخرج داوود من قومه متوجهاً في عزم وإيمان والعيون إليه تنظر فصاح أي منكم جالوت، فرأى جالوت خصمه المكافئ في الشجاعة غلاماً غير يافع، لا يحمل سيفاً ولا يتنكب قوساً فهزأ منه واحتقر شأنه، وقال: هل كرهت يا غلام حياتك لأجعلنك اليوم لحما طرياً، فرد داوود: لك درعك وسيفك، أما أنا فإني أتيتك بسم الله العزيز الذي لا يغلب، فبرز إليه جالوت غاضباً، وإذا بداوود يخرج حجارته الملساء ويضعها في المقلاع، وهي نبلة يستعملها لصيد الطيور، فسددها نحو جالوت فإذا هو مشقوق الرأس يخر صريعاً ميتاً، فارتفعت راية النصر وانكسرت شوكة العدو فنزل قول الله تعالى (فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء). لقد تخلص طالوت من المتخاذلين والمنافقين، وهذا أول طرق الإصلاح، ثم سار الجيش بصدق وإيمان محتسباً ثواب الله في دفع الأعداء، وسلك سبل النصر ألا وهو “الدعاء”، ثم تقدم داوود بثقة المؤمن، وقد تردد طالوت في البداية، وذلك حين كان الحكم الأول بالمظهر، إلا أن ثقته بأن الحماس والإصرار والعزيمة هي صفة الأبطال التي قد لا تتوفر في الهياكل العظيمة ومظاهر القوة الخادعة أو الأفكار والمشورات المبنية على أوهام ووعود وآمال ومحاولات ليس لها سند في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا تاريخ الصالحين إنما أساسها فكر خبيث. وها نحن نرى جالوت يسقط ويصرع بشج في رأسه من مقلاع صيد الطيور، لأن المشورة والرأي السديد قد يأتي من أشخاص قد نزدري مظهرهم، أو نستخف بثقافتهم أو مستواهم الاجتماعي أو العلمي، لكنهم في الحقيقة يملكون البصيرة التي يهبها الله لمن يشاء من عباده، البصيرة التي لا يمكن أن يخلقها علم ولا مال ولا منصب ولا مظهر أو مكانة اجتماعية، إنها العبرة بأن يعرفها أصحاب الشأن وأن يستمعوا إلى الناصحين الذين ليس لهم مأرب ألا أن تكون البحرين خليفية التراب والماء والهواء يرفرف في فضائها راية العز ويصدح فيها صوت المآذن فيخزي الله أعداءها، عندما يكون الإيمان أن النصر والتمكين من الله وليس من أفكار وأوهام قد تؤدي إلى سردايب ليس لها مخارج
970x90
{{ article.article_title }}
970x90