^   من بين المشاهدات الاقتصادية والمالية التي أفرزتها العولمة هي ظاهرة الاندماج بين الشركات والاستحواذ عليها. وهناك فروقات نوعية وقانونية بين هذين النشاطين، فبينما يقود، كما يشدد الكثير من الاستشاريين القانونيين، الاندماج إلى “التحام شركتين أو أكثر وزوالهما، وقيام شركة جديدة تنتقل إليها ذمم الشركات الزائلة”، فغالباً ما يؤدي الاستحواذ، ومن منطلقات قانونية أيضاً، إلى “ شراء شركة لأصول وموجودات شركة أخرى وانتقال ملكيتها إلى الشركة المستحوذة”. ويرى بعض المتخصصين أن الفرق الرئيسي بين الاندماج والاستحواذ، يكمن في “وضعية المساهمين في الحالتين، وغالباً ما تبقى الشركة المستحوذ عليها موجودة وتقوم بعملياتها بالشكل المعتاد، إلا أن ملكية أسهمها تنتقل إلى مساهمي الشركة المستحوذة أما عن طريق الدفع النقدي أو عن طريق سندات دين، وتتمكن في هذه الحالة الشركة المستحوذة من السيطرة على الأصول الثابتة للشركة المستحوذ عليها وموجوداتها ومطلوباتها على أن يكون الاستحواذ إما كلياً بشراء كافة أصول الشركة المستحوذ عليها أو جزئياً بامتلاك جزء من أسهم تلك الشركة”. وتتراوح هوية الطرف المستحوذ، بين الشركة المفردة، وأبرز مثال لها الاستحواذات التي قامت بها شركات مثل مايكروسوفت، وغوغل، في العام 2009، وأيضاً تلك التي قامت بها شركة فيسبوك في العام 2010، ووصلت أرقام صفقاتها مجتمعة إلى مئات المليارات من الدولارات، أو تلك التي تتفق عليها من الشركات المتحالفة مجموعة من الشركات المتحالفة المستحوذة، وأفضل نموذج له “صندوق الاستحواذ الإسلامي”، الذي تأسس بموجب شراكة متفق عليها طوعاً بين “بيت الاستثمار العالمي” “غلوبال” و«ملينيوم كابيتال” و«بنك دبي الإسلامي” وبرأسمال يبلغ 500 مليون دولار، وهناك أيضاً حالة الاستحواذ التي تمارسها شركات خاصة لكن بتشجيع مبرمج من الدولة ذاتها، كما هو الحال بالنسبة لما قامت به كوريا الجنوبية في العام 2010 ، عندما أقدمت الشركات الكورية الجنوبية، وفقاً لتقرير منفصل صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، “بإنفاق صافي 9.9 بليون دولار في عمليات الاستحواذ والاندماج عبر الحدود في عام 2010، بزيادة 51 ضعفاً مقارنة بصافي 190 مليون دولار قبل 5 سنوات”. وتنتعش عمليات الاستحواذ، وخاصة لدى الأطراف الأجنبية، عندما تعاني سوق معينة من أزمات اقتصادية، تتدنى عندها أسعار الشركات العاملة فيها، جراء تعثر عملياتها، فتغتنم هذه الفرصة، إما شركات محلية لم تطلها تلك الأزمة، أو أخرى خارجية تشهد نمواً متزايداً يدفعها للبحث عن استثمارات مجزية في أسواق خارجية. لمسنا ذلك في استحواذ الشركة السعودية للصناعات الغذائية (صافولا) “على 78% من أسهم شركة الملكة وشركة الفراشة للصناعات الغذائية بجمهورية مصر العربية”. واعتبرت تلك الصفقة “ثانى أكبر عملية استحواذ بعد الأحداث المصرية، حيث فاق إجمالي قيمته 1.1 مليار جنيه مصري”. وهنا، وفي نطاق الاستحواذ الخارجي، وجدنا كوريا الجنوبية تمثل نموذجاً حياً لهذه الحالة، ففي العام 2010، وعندما كان أداء الاقتصاد الكوري الجنوبي، وفقاً لتقارير دولية “جيداً نسبياً مقارنة بالاقتصاديات الرئيسية مثل الولايات المتحدة وأوربا، بسبب استمرار الاضطراب في الإقليم الأوربي، تم عرض الشركات الأمريكية والأوربية الرئيسية للبيع، مما يدفع الشركات من كوريا الجنوبية والاقتصاديات الناشئة الأخرى إلى الاستحواذ عليها”. وفي بعض الحالات يمارس تأرجح أسعار عملة معينة، أو تدني أسعارها مقارنة بعملات أخرى، دوره في تشجيع عمليات الاستحواذ، إذ يكاد أن يكون ضعف الإسترليني أمام الدولار الأمريكي السبب الأساسي في تشجيع استحواذ “عملاقة المواد الغذائية الأمريكية (كرافت) على (كادبوري) البريطانية وشراء شركة خاصة أمركية لمطار غاتويك البريطاني”. حينها توقع محللون في “ستاندرد أند بورز”، أن “تسقط شركات بريطانية كبرى بين أيدي الأمريكيين”. وفي أحيان كثيرة تستتبع عمليات الاستحواذ، وخاصة تلك التي تنفذها جهات أجنبية، انعكاسات سياسية تشكل أخطاراً تهدد أمن البلد الذي تم الاستحواذ على شركاته. هذا ما حذر منه محللون اقتصاديون مصريون في العام 2009، “في عمليات الاستحواذ والاندماج بين الشركات المصرية وشركات أو مستثمرين أجانب، بشكل يسمح باحتكار قطاعات مهمة كاملة، مثل ما حدث في قطاع الأسمنت الذي أصبح مملوكاً بالكامل لشركات أجنبية، وكذلك قطاع الاتصالات الذي استحوذت عليه شركات أجنبية”، وهو أمر اعتبره أولئك المحللون “خطورة على الاقتصاد والأمن القومي”، على حد سواء. وبخلاف ما يتوقع البعض منا، فليست عمليات الاستحواذ مجرد إجراءات بسيطة، تنحصر في نقل الملكية، بشكل ميكانيكي إداري، من جهة إلى أخرى، فهي عملية معقدة، تترافق معها متطلبات قانونية وتشريعية تضطر الدولة المعنية إلى استحداثها، كي تتم تلك العمليات، دون إرباك للسوق التي تجري فيها، أو إثارة إرباك للاقتصاد الوطني الذي يسير تلك السوق. ولعل هذه السبب هو الذي دفع الحكومة الإيطالية في مطلع هذا العام إلى إقرار قانون جديد “يهدف إلى الحد من قدرة الأجانب على الاستحواذ على الشركات الإيطالية وخاصة في قطاعات الغذاء والطاقة والدفاع والاتصالات، ينبغي على الأجانب، بموجبه، طلب موافقة الحكومة قبل ستين يوماً من التقدم بعرض لشراء شركة إيطالية”. ومن المتوقع أن تنعش الانعكاسات الاقتصادية التي ولدتها الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة العربية اتجاهات الاندماج، وأكثر منها عمليات الاستحواذ، الأمر الذي يستدعي توخي الحذر من تحولها إلى ظاهرة عامة تسود السلوك الاقتصادي للشركات العربية، وخاصة المتعثرة منها، لما لها من مخاطر سياسية وأمنية، دون أن يعني ذلك إقفال الباب أمام تلك العمليات الناجحة، والمحصورة نواياها في الجوانب المالية والتجارية.