^   أحسب أن عدداً من القرّاء الأعِّزاء الذين أقدِّر لهم تواصلهم الدائم مع مقالاتي الداعية إلى تمتين حبال المودّة والتسامح بين أبناء الطائفتيّن الكريمتين لا يزالوا يحملون في نفوسهم عتاباً مُبطّناً لإخوانهم وشركائهم في الوطن من أبناء المذهب الجعفري. ومع أن هذه الملامة قد تتخذ صيغة التعنيف في بعض الأحيان، وتتخلّلها نفحات من التشكيك الدائم في نوايا الآخر في أحيانٍ أخرى، إلا أنني أجد نفسي متفائلاً باستمرار، كما هو حال الكثيرين من عقلاء الطائفة الشيعية وحكمائها، بأن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين ليست سوى ردود أفعال على أحداثٍ قاسيةٍ، وأيامٍ عصيبة عاشتها البلاد، فلم يعد المرء يميِّز جيِّداً بين طبيعة الحدث ذاته وبين مترتِّباته الوخيمة. ويزداد تفاؤلي في المستقبل المشرق لوطني حينما أعرِّج على أصدقائي من أبناء الطائفة السنيّة في مجالسهم العامرة بالناس الطيبين لأجد بينهم أبناء الطائفة الجعفرية، وهم يشاركونهم جلساتهم، وينسجون معهم أعذب وأرّق الأحاديث المفعمة بالحّب والمودة، فتلبس البحرين في تلك اللحظات الحميمية البعيدة عن التصنّع أزهى حللها، وتأخذك ضحكات القوم وقهقهاتهم وتندّرهم على الأوضاع والأوجاع إلى سالف الأيام، حينما كان ابن البلد لا يعرف ما إذا كان شيعياً أم سنياً، بل يعرف فقط أنه مواطن بحريني وُلد على هذه الأرض الطيبة، وتشرّب تقاليد أهلها، وتربّى على الطيبة والتسامح والكرم، وأن نزع هذه الصفات عنه هدف مغرض عصيّ المنال! نعم، كلنا عشنا أياماً صعبةً وأليمةً في فبراير من العام المنصرم، حيث كانت النفوس متأججة بنيران الغضب المشتعلة بداخلها؛ نعم كنا جميعاً نغضب حينما كان ينتابنا الشعور بأن ثمة أناس بيننا صاروا يتعاملون مع الآخر بمنطق النصر والهزيمة، وأخذتهم فورة الحدث الجلل، فاعتقدوا واهمين أن الوقت حان لتصفية الحساب مع المخالفين في الرأي، ووصموهم بأبشع النعوت التي يتعفّف اللسان عن ذكرها، كل هذا قد حصل فعلاً، وإنكاره لن يجدي نفعاً؛ لكن الخلاف هنا لا يمِّس الحدث ذاته، بل تقييم الحدث، أي كيف يُفترض أن ننظر في عمق الحدث بعد عامٍ ونيف من المعاناة الجماعية المشتركة. أكاد أجزم أن كل واحد منا قد عانى الأمريّن في تلك الفترة الأليمة، لكن قدرنا أن نحيا متحابين في ربوع الوطن، قدرنا أن نتحمّل زلاّت بعضنا البعض، ويغفر كل مِّنا خطايا الآخر وإلا فإن حياتنا على أرض دلمون ستصبح أثراً بعد عيّن!