كتبت – إيمان الخاجة: اعتادت العوائل على الالتقاء والتجمع أسبوعياً في «البيت العود» وهو بيت الجد والجدة أو البيت الكبير للأب والأم، يلتقي أفراد العائلة مع بعضهم البعض، يتبادلون أطراف الحديث، يعرفون أخبار الآخر، ويشكل هذا اللقاء نوعاً من الترابط الاجتماعي الذي يوطد العلاقات بين أبناء العم والخال ويعرف كلنا الثاني.. ولكن مع كثرة مشاغل الحياة وتوزع الأسر، هل مازالت «لمة البيت العود» موجودة؟ وماذا تعني لهم؟ تقول الشابة هدية بوضاحي: نجتمع أسبوعياً في بيت جدي من الصباح حتى المساء، ونجتمع مع أخوالي وخالاتي وأبنائهن حيث نحرص على لقاء يوم الجمعة لزيارة جدي حفظه الله والالتقاء مع الأهل، نتبادل الأحاديث ونسأل عن بعضنا البعض ونعرف جديد الشخص الآخر وحال الدنيا معه، وهذا التواصل واللقاء يعني لي الكثير حيث يقرب العلاقات بيننا وبين بعضنا البعض ويشعرنا بأهمية الأسرة وأننا يد واحدة ويقوي من ترابطنا الأسري. وتضيف قائلة: أحياناً أكون مقصرة ولا أحضر التجمع العائلي الأسبوعي بسبب ظروف الامتحانات والدراسة، وأجد أن مشاغل الحياة لعبت دوراً كبيراً في إبعاد الناس عن مثل هذه اللقاءات العائلية، وتلعب أجهزة البلاك بيري دوراً كبيراً في هذا الموضوع، فأضحى في الوقت الحالي تواصل الأسر والعوائل عبر مجموعات خاصة بهم على أجهزة البلاك بيري وتغنيهم عن التجمعات الدورية في البيت العود. التفرغ التام ليوم الجمعة وبالمثل مازالت جنان الناجم تحافظ على لقائها الأسبوعي مع العائلة بل يجب على الكل قدر المستطاع التفرغ التام والتواجد في يوم لقاء العائلة، حيث تلتقي مع الأعمام والأخوال والإخوان والأقارب. تقول: هذا التجمع يوم لا يمكن التفريط فيه، أسعى لتفريغ نفسي من جميع الأشغال والقيود فهذا يوم خاص بالأهل فقط، وهذا اللقاء الأسبوعي يقوي العلاقات مع الأهل وصلة الأرحام واجبة علينا، كما إنه يعمل على لم شمل العائلة كلها وزيادة التقارب بيننا، كما تزداد المحبة والمودة بين الأقارب بسبب التقائنا أسبوعياً وتواصلنا مع بعض بشكل دائم، حيث أثر الأمر على علاقتنا ببعضنا البعض، فتربطني علاقة قوية مع الجميع وهذه العلاقة تقربني أكثر لهم. وتجد جنان أن لقاء العوائل في يوم محدد لهم أسبوعياً أمر أساسي في حياة الإنسان، إذ يجدد صلته بأهله وأقاربه مهما كانت الظروف، فل، حدد الفرد ساعات معينة أو خصص يوم معين يلتقي فيه العائلة سيتمكن من التفرغ للقائهم، ولله الحمد مازالت مجتمعاتنا البحرينية محافظة على تجمع البيت العود لما له من دور وأهمية في التواصل مع الأهل وتقوية العلاقات وتقريبهم من بعضهم البعض. تجمع الأخوة والأخوات وعلى العكس افتقدت شيخة العامر تجمع العائلة الكبيرة في بيت الجدة منذ حوالي 8 سنوات، أي بعد وفاة جدتها رحمها الله، وأصبح تواصلها مع باقي أفراد عائلتها عبر جهاز البلاك بيري الذي لا يشعرها بحلاوة ولذة التلاقي، خصوصاً أن تجمعهم السابق كان بشكل أسبوعي، واقتصر اللقاء الكبير للعائلة في المناسبات والأعياد أي من وقت لآخر، لكن مازالت محتفظة بلقائها مع أسرتها الصغيرة بتجمع إخوتها وأبنائهم، وترى أن انشغالات الناس بالحياة والعمل والدراسة لها تأثير كبير على التقليل من هذه اللقاءات العائلية الأسبوعية، حيث أصبحت الأسر الصغيرة لها اهتماماتها الخاصة وارتباطاتها وانعزالها بأشغالها الخاصة الأمر الذي قلل من اهتمامها بالالتقاء مع العائلة الكبيرة. اللقاء الأسبوعي في حين يلتقي الشاب صالح يوسف صالح مع أفراد أسرته المكونة من والده ووالدته وإخوانه وأخواته وأبنائهم كل يوم سبت من الظهر حتى المغرب، ومن غير الممكن التفريط في هذا التجمع الأسبوعي الذي تعود عليه، أحياناً يكون التجمع في بيت الوالد وأحياناً يكون في الخارج عبر تجمع الكل في أحد المنتزهات أو الشاليهات أو المجمعات التجارية. ويشير إلى أن هذا اللقاء الأسبوعي يعني له الكثير ويعتبر من أركان برامجه الأسبوعية الأساسية، إذ يعتبره الحبل المتين للتواصل بينه وبين أهله، يرى فيه كل أفراد أسرته في وقت كثرت فيه الانشغالات الالتزامات في الأيام العادية وخاصة أيام العمل، وفي هذا التجمع يتم تبادل أخبار العائلة، التشارك في الأنشطة المختلفة خاصة مع الأطفال الصغار، لقاء ترتاح فيه النفس، ويرمي به الإنسان كل مشاغله وهمومه وتعبه، لذا يشبهه مثل التجديد الذهني والنفسي. ويجد صالح أنه بالرغم من أن عادة البيت العود لم تعد موجودة كالسابق، وتلاقي قلة الاهتمام مع تطور العصر وكثرة الانشغالات، إلا أن الشعب البحريني على وجه الخصوص مازال محافظ على هذه التقاليد والعادات الطيبة والمحمودة. لأنها تعتبر المتنفس في حياته، وإن كان بعض الشباب مقصراً في الوقت الحالي، إلا أنهم في المستقبل سيشعرون بهذه القيمة وسيحافظون عليها، خاصة أن هناك آخرين محرومون للأسف من هذه النعمة العظيمة. التفرغ ليوم الجمعة ومن جهته يقول ياسر صالح مسامح: نجتمع كل يوم جمعة على الغداء منذ أن فتحنا أعيينا على الدنيا مع الجدة والأعمام والعمات وأزواجهم وأبنائهم وأحفادهم وأبناء الأحفاد، ولقاؤنا الأسبوعي واجب وإن تخلف أحد لعذر ما في أحد الأسابيع فلابد أن يحضر في الأسبوع المقبل وإلا يعاتب، وهذا التجمع هو واحة تواصل الأهل وتبادل الأخبار ومداعبة الأطفال وصلة الأرحام الأسبوعية، وأنا لا أفوت لقاء الجمعة إلا لعذر قاهر أو سفر، وأحرص على تفريغ يوم الجمعة من أي انشغال فقط لقاء الأهل. وأكد مسامح على أن اليمعة الأسبوعية قوّت بشكل كبير علاقة الجميع بالجميع، فيتم تبادل الأحاديث والنصائح والضحكات، إلى جانب المشاركة في المناسبات والاحتفالات ومنها الاحتفال بالناجحين من العائلة والمتخرجين وتشجيع حفظة أجزاء القرآن، وعمل «الينون» للأطفال. وحول مدى استمرار تواصل الأسر يبين أن الانشغالات الحالية وانتقال بعض الأجيال إلى السكن بعيداً عن البيت العود أدى في بعض العائلات إلى ضعف التواصل بل انقطاعه بعد ذلك. وعي الناس بأهمية اللقاء ومن جانبها تقول أخصائي بحوث أول في بلدية المنطقة الوسطى أمينة السندي: بدأت الناس تعي من حوالي كم سنة إلى تفرقهم كعائلات عن بعضهم البعض وانشغالهم بالحياة السريعة، حتى إن بعضهم لا يكاد يلتقي مع الأم والإخوان إلا بشكل متقطع ومن فترة إلى أخرى، فأصبح هناك نوع من العطش للمة العائلة، فحددت الأسر يوم تجتمع فيه العائلة مرة في الأسبوع أو مرة في الأسبوعين ويكون غالباً في بيت الأم أو بيت أحد الإخوان وعادة الأخ الأكبر في حالة عدم وجود الأم، وتجتمع العائلة مع الأبناء والأحفاد، وهذا أمر جيد لأنه يقوي الترابط العائلي، ويشكل فرصة لتجمع الأهل مع بعضهم البعض. وتشير السندي إلى أن المجتمع البحريني يضرب أروع الأمثلة في الترابط العائلي أكثر من دول الخليج، فالمجتمع البحريني متآلف ومحب ومتسامح، وهذه العلاقات لها أثر على الصحة النفسية. فالتزاور بين الأهل والجيران يشعر الناس بالألفة والراحة وبوجود من هو إلى جانبهم، وتؤكد على أن طبيعة الإنسان اجتماعي يحب الناس، ولكن مشاغل الحياة شتت الجميع ولم تجعلهم ينتبهون إلى أهمية التقاء الأهل إلى أيام الإجازة الأسبوعية، وهذا الأمر له علاقة كبيرة على نفسية الإنسان ويحسنها خاصة بعد زحمة الحياة وضغوطاتها، والترابط الاجتماعي مع الأهل يعطي القوة للإنسان ويحسن النفسية بوجود من يشاركه آلامه وهمومه. كما تبين أن الدين الإسلامي يدعوننا إلى الترابط والتآخي والمحبة والابتسامة والترحيب، وهذه الأمور تخلق علاقات قوية، ونحن مسلمون نسير على هدي الإسلام، وترى في المجتمع الغربي نماذج كثيرة على الانتحار والتشتت الأسري بسبب قلة العلاقات الأسرية والاجتماعية لديهم.