^ الحب .. الحلم .. الحياة .. ثلاث كلمات تبدأ كل منها بحرف الحاء، لكن هذا ليس سوى القاسم المشترك الأصغر بينها، فالقاسم المشترك الأكبر الذي يضمّها معاً هو أنها تلخِّص، في نظري، الغاية الكبرى التي يصبو الإنسان بقدراته وإمكاناته وعزيمته لتحقيقها في هذه الدنيا. فحياة الإنسان هي عبارة عن سلسلةٍ لا متناهية من المعاناة والعذاب والتضحية والنجاح والفشل والصراعات والخلافات التي تجعل للحياة معنىً، وتضفي عليها خصوصيةً ساحرةً، فلو عشنا بلا مشاكل أو معوِّقات لكانت حياتنا مملةً وكئيبةً دون هدفٍ أو تحِّدٍ يسمو بها إلى العُلا. لكن العامل الذي يولِّد مجمل هذه الصراعات والمشكلات، ويخفِّف وقعها، ويتحكِّم في مساراتها ونتائجها، هو الحُبّ معطوفاً على الحُلم؛ وليس بالضرورة أن يكون المقصود بالحب هنا هو عشق المحبوب، والافتتان به، ورؤية الحياة ورديةً من خلاله، وإنما قد يكون حب الوالديّن، حب الناس، حب العمل، حب الوطن ... إلخ. فنحن نتحمّل الكثير في مجرى حياتنا اليومية لأننا نحب وطننا، ولا نرتضي مكاناً آخراً بديلاً له، مهما كان هذا المكان جذّاباً ومغرياً؛ ونحن نحب أمهاتنا وآبائنا، فبفضلهم جئنا إلى الحياة وترعرعنا وكبرنا وصرنا نستوعب أبجدياتها ومتطلباتها؛ ونحن نحب العمل، مهما كانت بيئته طاردةً ومحبطةً؛ ونحب الناس، مهما كانوا دون طموحاتنا. غير أن الحُب وحده لا يكفي، فلكي نحيا لا بّد أن نحِّب ونحلَم، فلا قيمة للحياة في وطنٍ إذا لم يكن لدى الإنسان حلم جميل بأن يكون هذا الوطن بمثابة الحاضنة التي يتسع قلبها لجميع المواطنين دون استثناء أو تمييز، وإذا لم يعمل هو شخصياً، في حدود قدراته وإمكاناته، باتجاه تجسيد هذا الحلم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا أحّب الإنسان وطنه، وأدرك أن البقعة الذي يسير عليها، ويتمرّغ في ترابها، أغلى عنده من أيِّ موطن آخر، أياً كان حجم الرفاهية المضمونة فيه. والحُب بمعنى الغرام، هو الدافع للحياة وملحها المتجدد، فمن منا لم يحِب (بكسر الحاء) أو يُحَب (بفتحها)؟ الحب هو النبراس الذي يضيء حياتنا ويجعلها أجمل، فبالحب نعيش السعد ألواناً، وبريشته نرسم الأحلام الجميلة، فلولا الحب لما كان الحلم، ولولا الحلم لما عاش الحب وتألّق، ولولا الحب والحلم معاً لأصبحت حياتنا مجرّد لحظات عابرة خالية من المضمون، ولولا حُبّنا للحياة لما دامت لنا، إنها ثلاثية الحب .. والحلم .. والحياة.. التي تجسِّد في ثناياها مغزى الخلود!