بقلم - صافي الياسري: هذه الورقة المركزة النظر في متحركات الشرق الأوسط الاستراتيجية ومتغيراته واتجاهاتها المتوقعة، وانعكاساتها على دول الخليج العربي، تطرح أسئلة أكثر مما تبتكر إجابات، وأحسب أن الكثيرين يوافقونني على أن سؤالاً جيداً وواقعياً وحصيفاً ودقيقاً، أفضل بكثير من إجابة لا موضوعية، فالسؤال الحصيف والموضوعي، باب محترم لإجابة حصيفة وموضوعية، ولذلك أرى أن صناعة الأسئلة مهمة ليست يسيرة، في ظل تشابك الدوافع والغايات التي تشكل بيئة صناعتها ومادتها، وبدقة أكبر أقول في ظل تنوع التوجهات السياسية والغائية لصانعيها، ومن المؤكد أن الأسئلة أعلاه، لا تعني نهاية الأسئلة الحصيفة والموضوعية بشأن العنوان الأساس الذي يعلو الورقة، لكنها كما أرى تجملها، وهي تمنحني الفرصة واسعة لاستعراض وجهة نظري، ووجهات نظر مقاربة وحتى مخالفة وربما متقاطعة، تغني الورقة ولا تنقض غزلها. إن أمريكا وكما هو معروف وشائع، حليفة لدول الخليج منذ اعتزل البريطانيون شرق السويس، على وفق نظرية ملء الفراغ، وهي بلد وقوة ونظام، يعتنق مصالحه ديناً وديدناً، أيديولوجياً وسياسياً، وهذا هو سر تفريخ نظام الصفقة أو آليتها The Baragain وهو نظام يعني نوعاً من الاتفاق بين طرفين غير محددين، خارج الأطر القانونية بالمقاييس كلها إلا أنه تتم موضعته وتشكيله ضمن عرف سائد ليقارب التقنين، ونظام الصفقات الساري في أمريكا، أستعير من المضمار التجاري، وبات آلية مفضلة في العديد من مضامير الحياة اليومية والسياسية، سواء على صعيد محلي أم إقليمي أم دولي. نظام الصفقة ونظام الصفقة يختلف عن نظام التسوية التي يمكن القول إنها حلحلة لوضع متأزم وإنها تجري في وضح النهار وإن الجميع رابح فيها على عكس الصفقة التي تتطلب الشخصنة والكتمان وتجري في الغرف المظلمة والأروقة الخلفية وتحت الطاولات، وخارج القانون تماماً!! وعلى هذا الأساس يدور البحث في أوساط إدارة أوباما، منذ عامين تقريباً، عن مخططات صفقات سياسية يمكن إجراؤها مع بؤر التطرف وقواعده وهياكله وتياراته في الشرق الأوسط وفي أفغانستان، ودفع نشطاء محليين باكستانيين لعقد لقاءات مع طالبان باكستان، وبقايا القاعدة، التي أوجدت لها مثابات في إقليم القبائل، ونشطاء في دول الكومنولث الروسي، بلدان الاتحاد السوفيتي السابق التي تمور فيها مثل هذه التيارات، وحث روسيا، لقاء مغريات محددة، للضغط العسكري عليها لدفعها إلى زاوية تقبل فيها بعروض الصفقات، التي تقدمها الإدارة الأمريكية لتفعيل طوق، تسعى إلى فرضه على طالبان أفغانستان وباكستان، قبيل انسحاب قوات الناتو من هناك، ليكون انسحاباً مشرفاَ، أو في الأقل، لا يوحي بالهزيمة، التي قد تدفع المنتصرين إلى تحدي الهيبة الأمريكية في عقر دارها مرة أخرى، ويتم التركيز الآن حول منطقة الشرق الأوسط لأنها مرشحة بنحو متصاعد للالتهاب هذا الصيف، ولذا نقرأ العديد من المقالات الصحافية ونسمع العديد من الأحاديث في الفضائيات والإذاعات حول “إعادة إنتاج الشرق الأوسط أو صنعه” بعد أن كنا إلى سنوات قلائل نسمع عن الشرق الأوسط الكبير. إدارة باراك أوباما تستمع وتستوعب أحياناً إنما، منذ البداية، وضعت استراتيجية شملت ترغيب قوى التطرف بالتعاون والتعامل معاً بهدف الفصل ما بينها وبين قوى التطرف العنيف، أي ما أسمته إدارة جورج دبليو بوش بـ«الإرهاب”. اليوم، هناك شبه “جردة” حسابات تراجعها أقطاب الإدارة الأمريكية يمكن معها فهم التوجه الأمريكي لقبول حكم الإخوان في مصر، واحتمالات عقد صفقة مع إيران في مسألة ملفها النووي، وأمور خليجية أخرى، وهو ما يستحق الكثير من الإيضاح والتبيين لأن باراك أوباما لم يكن يوماً “اعتيادياً”، لا أمريكياً ولا عالمياً، إنما الاحتفاء بكونه غير اعتيادي بالأمس تحول اليوم إلى حفلة سوء فهم لـ«غرابته” أمريكياً وخيبة أمل بـ«وعوده الكبرى” عالمياً. ولقد حان له تبني استراتيجية مفهومة، لإيضاح ماذا فعل وماذا قصد وما في ذهنه وما هي استراتيجيته، في حالي النجاح أو الإخفاق، في سياسة الاحتضان والترغيب لقوى التطرف، أو في حال اندلاع حرب أهلية تمزق أو تشرذم أو تقسّم العراق وليبيا وسوريا، وربما البحرين التي يجاهد عاهلها بحكمة نادرة على رص جبهته الداخلية لتفويت الفرصة على إمكانية استغلالها ابتزازاً حتى من الحلفاء الأمريكان، الذين يرى بعضهم أن التسمية الجديدة لهم في الخليج هي الشركاء، مع أني لا أعتبر بها في البحرين والكويت إذ لا يزال الأمريكان حلفاء في المقام الأول. العاطفة الشعبية ويبدو باراك أوباما مضطراً إلى التأرجح بين العاطفة الشعبية التي رفعته إلى سدة الرئاسة على وفق شعار حملته - إقفال بوابة الحرب والانسحاب من العراق ثم من أفغانستان - وبين المنطق العسكري الذي يفرض نفسه على وفق جدل متحركات العالم لما هو في المصلحة القومية العليا للولايات المتحدة الأمريكية، فالبقاء في أفغانستان، مثلاً، كان ضرورة للولايات المتحدة لأن الانسحاب منها في توقيت متعجل، يعني الهزيمة والتراجع أمام قوى التطرف والإرهاب على وفق الفهم الأمريكي حتى الآن، ومثل هذه الهزيمة تترتب عليها كلفة باهظة ليس فقط للمصالح الجغرافية – السياسية والمصالح المادية لأمريكا في أفغانستان، بل أيضاً في تشجيع قوى التطرف والعنف على اقتحام الدار الأمريكية مرة أخرى بنشوة الانتصار. وأنا هنا أؤكد التوجه الأمريكي لعقد صفقات دولية تطوق المنطقة الآسيوية حول أفغانستان نزولاً إلى إيران والخليج العربي، وقد تكون ثمة علاقة لسحب القوات القتالية من العراق بإعادة صياغة القدرات العسكرية في حرب أفغانستان التي أوضحها نقل الجنرال باتريوس من العراق قائداً للقوات الأمريكية في أفغانستان. إنما حتى في هذه الحرب فإن الإدارة الأمريكية، ومعها المؤسسة العسكرية، تسعى للتمييز بين التطرف السياسي والتطرف العنفي، بل تود لو كان في الوسع إبرام الصفقات أو هي تعمل لذلك. وفي رأيي أن الذين ينظرون إلى العراق، كأرض صدام بين أمريكا وإيران، تمنع عقد أية صفقة بين الاثنين على مستوى إقليمي، واهمون، فهذا السبب بحد ذاته دافع لمثل هذه الصفقة التي ستبدأ بعيداً إلى الشرق ثم تعود غرباً إلى العراق لتحصر إيران بين كماشتيها على وفق العقيدة الاستراتيجية الأمريكية، التي تقوم على الحفر تحت البناء والتهديد بانهياره أو التوافق على صفقة لقاء بعض الهبات، ومن المؤكد أن هذه الصفقة لا يمكن أن تحدد بالملف النووي، بل بوضع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بعامة والخليج بخاصة. العراق على وفق هذا يشكّل أحد أهم مواقع التفاهم أو المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. ومصير تلك العلاقة يعتمد تحديده ، أولاً : على مدى استعداد واشنطن لتقديم الضمانات لنظام طهران بأنها تدعمه ولن تدعم المعارضة ضده أو الانقلاب عليه، وهو ما لم تفعله واشنطن حتى الآن، بل على العكس فجميع رسائلها له تقول: إنها مع المعارضة إلى حد بعيد، لكن ما نقرأه أنها معارضة من نوع متصالح مع بقاء النظام لا إسقاطه، وهم مجاميع تيار الخضر المؤمنين بولاية الفقيه، لا المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي ترأسه منظمة مجاهدي خلق، التي مازال الأمريكان يضعونها في لائحة المنظمات محظورة النشاط بتهمة الإرهاب، ومنظمات مسلحة أخرى ترى إسقاط النظام نهجاً وغاية. وثانياً: يعتمد مصير تلك العلاقة على كيفية المشاركة في تقاسم النفوذ في العراق أو آفاق المواجهة عبره وفيه. الصفقة الكبرى ففي “الصفقة الكبرى” Grand Bargain، يحتل العراق مرتبة عليا، وكذلك في المواجهة العسكرية، بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حتى الآن، وعلى الرغم من التضييق على إيران عبر العقوبات بإجماع الدول الكبرى، وبضمنها روسيا والصين، فإن واشنطن ما زالت تقدم لطهران عرض “الصفقة الكبرى”، التي تشمل عناصرها الضمانات للنظام الإيراني والتفاهم على العراق، بل ويمكن القول أيضاً، على الوضع في الخليج. هذا إلى جانب العنصر النووي الذي له حسابات مختلفة، وعنصر “حزب الله” في لبنان الذي لا مجال لاستمراره كقاعدة عسكرية إيرانية على الحدود مع إسرائيل وعلى البحر المتوسط. إما في صفقة أو عبر حرب. لذلك، وفيما تعلو الأصوات القديمة الداعية إلى التقارب مع قوى التطرف لأن قوى الاعتدال لم تنجح حتى الآن، تسير الإدارة الأمريكية في خطواتها التي استبقت تلك الدعوات وتجاوزتها. فهذه الإدارة هي السبّاقة -عن حق أو عن خطأ- إلى التعامل مع قوى التطرف، وترغيبها بالتعاون، وإخراجها من العزلة، وسط تشكيك بصحة سياساتها، وتحذير لها من عواقب تمكين التطرف على حساب الاعتدال. والآن، هي في مرحلة “جردة” الحسابات، كما قلت، لترى إن كانت سياسة الترغيب ستنجح، أو إن كانت هناك خيارات أخرى في حال الإخفاق. ومع إيران، مازال الوقت مبكراً لحسم ما إن كانت سياسة باراك أوباما ستنجح أم ستخفق، ما هو واضح، حتى الآن، أن الخيار العسكري ليس مطروحاً آنياً على الطاولة، وإن سمعنا كثيراً القول إن جميع الخيارات مطروحة في انتظار ما الذي ستحققه سياسة العقوبات والترغيب بالحل. إنما الترغيب الذي في الذهن، وفي الصفقة الأمريكية لم يعد يلمّح بإمكانية التعايش مع إيران نووية. كما كان الأمر في الأشهر القليلة الماضية، وغموض هذه الناحية لم ينكشف تماماً بعد، لا سيما أن الردود على التحديات الإيرانية لا تأخذ طابع الهلع، وليست لها رائحة العمليات العسكرية على الرغم من العواصف الإعلامية، ويمكن الانتظار قليلاً إلى حين إعلان نتائج الاجتماع بين دول مجموعة 5+1 وإيران، لاستشراف التوجه الحاسم الذي رسمته في سطوري السابقة. ولربما لم يتكشف أيضاً بسبب نسبية تمام الجاهزية العسكرية، على الرغم من العديد من المناورات التي أجرتها القوات الأمريكية مع أوروبا، وأجرتها مع إسرائيل ومصر في ما يسمى بمناورات “النجم الساطع” قبل أيام، وإعلان الكثيرين استعدادات عالية لتنفيذ الخيار العسكري إن طرح، وكونها في حالة فرز كما يرى بعض المحللين، وهو بالتأكيد ليس رأيي، الذي أكرر إعلانه أن ليس ثمة من خيار عسكري ضد إيران، وأن الحكم هو المصالح الأمريكية التي لا بد أنها ستقود إلى صفقة مع إيران ومن مصلحة إيران في بعد زمني محسوب أن تقبلها، كما قبِل خميني وقف الحرب مع العراق حين تأكد أنه ليس بالإمكان كسبها وإنها بدأت تتفاعل سلباً ضد نظامه في الداخل. الجاهزية العسكرية إدارة أوباما تبدو وكأنها وضعت لنفسها إطاراً زمنياً لإنجاح جهودها الرامية إلى سلام فلسطيني – إسرائيلي، وربما سوري – إسرائيلي أيضاً، في غضون سنة، أي بموعد يتزامن مع مواعيد الجاهزية العسكرية لجميع اللاعبين في المنطقة، وهو ما يمكن القول بتقاطعه مع التوجه العربي والخليجي بنحو خاص الرامي إلى إسقاط النظام السوري، وتغيير توازنات المنطقة، وهو ما نقله خامنئي إلى رئيس وزراء تركيا أردوغان في زيارته الأخيرة لطهران، حول صفقة أمريكية سورية يجري التوافق عليها بين ضباط مخابرات البلدين، بحسب تسريبات إعلامية، والصفقة الموعودة كما أشك، بدت بوادرها في تعنت النظام السوري ورفضه سحب قواته من المدن، كما نصت عليه اتفاقيته مع المبعوث العربي والدولي كوفي عنان. حتى الآن، ما زالت واشنطن والدول الكبرى الأخرى، تتبنى سياسة لجم إسرائيل عسكرياً، فيما تحاول ترغيب إيران بالتعاون. رهانها قائم على إدراك طهران أن في الصفقة ضمانات للنظام فيما في المواجهة تهديد له. أما سؤالنا الخاص بالعداء الإيراني لإسرائيل فيجيب عنه الدكتور بهمن ديبا صاحب كِتاب (مشاكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية) في مقاله المعنون “الإسرائيليون والإيرانيون حُلفاء طبيعيون” الذي نشره في السابع والعشرين من مارس الماضي، وأتهمَ فيه النِظام الحاكم في إيران بالتظاهر أن هناك عداء عميقاً بين الإيرانيين والإسرائيليين. وهو ما يؤكد ما أذهب إليه في أن الحديث عن حرب أو ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية لا يعدو أن يكون هراء، وأنه ليس أكثر من رفع لسقف الصفقة التي تريدها أمريكا مع طهران. يقول ديبا الذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي: “يتظاهر النِظام في إيران بأن هنالك عِداء عميقاً بين الإيرانيين والإسرائيليين، وعلى الجانب الآخر يُحاول النظام الإيراني إثبات أن الشعب الإيراني يرعى الفلسطينيين بِنحو خاص - كُل هذه الادعاءات لا أساس لها من الصِحة”. ويكمل الدكتور ديبا الذي عملَ في وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية 14 عاماً: “الإيرانيون لا يشعرون بأي عداء تجاه الإسرائيليين والفلسطينيون ليس لهم مكان خاص في قلوب الإيرانيين”. ويُضيف: “هذا مصدر فخر كبير بالنسبة للإيرانيين وحملة راية التسامح الديني وحقوق الإنسان واحترام الآخر، بالإضافة إلى هذه العلاقات التاريخية هنالك العديد من أوجه التشابه بين إيران وإسرائيل مثل: 1 - إيران مثل إسرائيل، دولة غير عربية في الشرق الأوسط، وذكرَ أمير طاهري وهو صحافي إيراني بارز في مقالته : “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لتوجهت حركة القوميين العرب التي سيطرت على الساحة السياسية العربية في حقبة ما بعد الحرب إلى تركيا وإيران، وحتى اليوم جامعة الدول العربية تقول: إن لواء الإسكندرون أراضي عربية مُغتصبة وتَعتبر مُحافظة خوزستان الإيرانية (الأحواز) أراضي عربية مُحتلة”. 2 - إيران وإسرائيل على حد سواء أتباع دين يختلف عن ديانة العَرب، مُعظم الإسرائيليين من اليهود، ومُعظم الإيرانيين من الشيعة، ومن المُتفق عليه من قبل بعض الباحثين، أن اختراع الإيرانيين للطائفة الشيعية، جاءَ كنوع من أداة ليكونوا مُختلفين عن العَرب السنة. 3 - إيران مثل إسرائيل يتهمها العَرب بأنها دولة تحتل أراضي عربية، وترتبط حالة إيران بسيطرتها على الجُزر الثلاث في الخليج العربي ووضعت دولة الإمارات العربية المتحدة مطالبها بهذه الجُزر”. وفي الحقيقة فإن ثمة كماً كبيراً من المعلومات عن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، وتصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين التي تؤكد أن ما يشاع عن عداء إيراني إسرائيلي مجرد وهم يسوقه الطرفان لأغراض سياسية ليس غير. وفي ما تقدم كله، فعلى الرغم من عدم ورود ذكرها مباشرة، تبقى دول الخليج حاضرة، في الخاطر السياسي، والنظرة الاستراتيجية كلاعب بدأ يجد طريقه للتأثير في المعادلات الإقليمية، ويتحرك للامساك بخيوط أمنه بيده، ما يدفع الكثير من المفكرين والمحللين الخليجيين، إلى إعادة النظر في الدور الأمريكي في المنطقة وطبيعة العلاقة مع أمريكا في ظل ذلك الدور. يقول الكاتب الخليجي عبدالله الشايشي بهذا الصدد: بدأت أمريكا في ظل نقاشات محمومة عن تراجع الحضور والدور الأمريكي العالمي، بسبب الانسحاب من العراق والاتجاه شرقاً في استراتيجيتها للمحيط الهادئ والصين، تتحدث عن تحالفات أوثق مع حلفائها لتتحمل معهم الأعباء burden-sharing. ولأول مرة باتت أمريكا مقتنعة بأهمية الارتقاء مع بعض الدول، وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي، من مستوى التحالف إلى مستوى الشراكة From alliance to Partnership على الرغم من الحساسية المفرطة عادة لدى أمريكا من الشراكة مع حلفائها. الوحدة الخليجية ويؤكد الشايشي صعود نجم وحضور دول مجلس التعاون الخليجي بنحو ملفت على المستوى الإقليمي، وبخاصة في التزامن مع التفكير الجدي في التحول من التعاون إلى الوحدة بين دول مجلس التعاون لتتحول إلى كونفدرالية متماسكة بدلاً من وضعها الفضفاض الحالي. وما يمكن الحديث عنه واقعاً بهذا الصدد هو محصلات أول منتدى للتعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، بحضور وزراء خارجية دول المجلس الست ووزيرة الخارجية الأمريكية، مؤخراً في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض، الذي كرّس رسم هيكلية استراتيجية سياسية وأمنية واقتصادية جديدة للتعاون بين دول المجلس من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. ومع تأكيد كلينتون في منتدى التعاون الاستراتيجي ذاك: “إن صلابة التزام أمريكا بأمن دول وشعوب الخليج كصلابة الصخر”، متحدثة عن إقامة مظلة ودرع صاروخي أمريكي- خليجي لحماية دول المنطقة، فإن التوجه الذي بدا متاحاً لأول مرة لدول الخليج لتفرض نفسها كتلة موحدة أو طرفاً واحداً بدلاً من أطراف عدة، ما يمنحها قدرة تفاوضية عالية على الكثير من الأمور، أرى أن عليها ألا تحوله إلى وسادة تضع رأسها عليها وتنام مطمئنة، متناسية إمكانية غلبة المصالح التي قد يميل مؤشرها بعيداً عنها، أو كما قلت في بدايات ورقتي احتمالات عقد صفقة بين إيران وأمريكا، تكون دول الخليج الخاسر الأكبر فيها، لذا اقترح تسديد الخطى على مسارين متوازيين: تنفيذ فكرة الاتحاد الخليجي، والسير الدؤوب لامتلاك ناصية القرار الفاعل في حماية أمنها وتحصينه.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}