^ المتحدثون باسم جمعية الوفاق يخرجون في التجمعات والمسيرات ويهتفون في “فلول” الحشود التي مازالت تسير وراءهم بهتافات الحرب “صمود” و”عائدون”، بينما جناح آخر في هذه المعارضة التي تمثل فرعاً بحرينياً لحزب الله تحاول بأسلوب “تبادل الأدوار” وبصورة سرية مد جسور التواصل مع الدولة من أجل الحوار أو الحصول على أي صيغة أخرى تعيد للجمعية بعضاً من المكاسب التي خسرتها. هناك من شارعهم من سيشكك بما نقول، لكن هذا لا يهم، فهذا الشارع مازال مخدوعاً بهؤلاء الذين حاولوا تسيّد الساحة السياسية واقتناص الفرصة الانقلابية ليكونوا أبطالاً، فيما عناصر الوفاق التي تسعى لهذه الجسور مع الدولة تعرف تماماً عن ماذا نتحدث هنا، تعرف تماماً ماذا تعني كلمة “الوسطاء” الذين يذهبون ويعودون من الدواوين والاجتماعات. الوفاق أكبر الخاسرين مما حصل في المؤامرة الانقلابية، هم خاسرون اليوم ولا يمتلكون حلاً سوى المضي في طريقهم، مثلما قال ونستون تشرتشل “إن كنت سائراً إلى الجحيم، فواصل المسير”. هم خسروا كل شيء، حتى احترام شارعهم خسروه في كل موقف أرادوا فيه مسك العصا من المنتصف، وأرادوا فيه التعاطي باتجاه الحلول الحقيقية في “سلميتها”، وهم اليوم يقفون أمام خيارين أحلاهما “مر”. سنسترجع ما حصل، لكن لنعد قليلاً إلى الوراء في ملفات التاريخ وتحديداً في منتصف التسعينات، حينما كان المعارض ومؤسس حركة أحرار البحرين الإرهابية سعيد الشهابي يعمل بأسلوب “حاضن” المنشقين والمعارضين في لندن، حينما ضم تحت جناحيه علي سلمان وحسين الديهي وغيرهما، يومها حاول سلمان ومن معه سؤال الشهابي عن مصدر التمويل الذي يحصل عليه وبموجبه أسس مؤسسة “دار الحكمة” التي تحولت لأشبه ما يكون ببيوت للشباب توفر السكن والمأكل للمعارضين في عاصمة الضباب، ألحوا عليه ليجيب فأشار لهم إلى الباب طارداً إياهم. كثيرون يعرفون مصدر التمويل الموجه للشهابي، وأولهم الوفاق، لكن الاعتراف بذلك هي “الفضيحة” التي يحاولون مداراتها، رغم أن الشهابي لا ينفي تاريخه بإدارة مؤسسات إعلامية إيرانية أو عمله في شركات الإعلام الإيرانية التي ترفرف في كل أرجائها. قصة الشهابي والوفاق وظروف إنشاء الصحيفة المعارضة، كلها فصول يجب أن يعرفها الناس ليدركوا حقيقة شعاراتهم النضالية، وأنها ليست إلا “ضلالات” في سبيل الوصول إلى الهدف الأوحد وهو كرسي الحكم في البحرين. انشقاق حسن مشيمع وعبدالجليل السنكيس وإنشاء حركة “حق” غير المرخصة وتحالفها مع عبدالوهاب حسين عبر حركة “وفاء” واختراع ما يسمى بحركة “خلاص”، كلها أمور من سيناريو وتنفيذ الشهابي الذي عمل على “شق” الوفاق، وعلى سلخها من المعارضة البحرينية باعتبارها حركة هادنت النظام وسعت لحصد المكاسب لنفسها، على غرار ما حصل حينما عفا جلالة الملك عن جميع الموجودين في الخارج حينما تولى الحكم، وتحديداً حينما عاد الشهابي للبحرين ظاناً منه بأنه سيكون سيد المعارضة الأول ورئيس تحرير الصحيفة الصفراء فإذا به يُفاجأ بألا موقع له من الإعراب، وأن الشاب الصغير الذي كان يصرف عليه ويحتضنه تحت جناحه -علي سلمان- هو من اختطف المشهد فعاد خائباً إلى لندن. طوال سنوات العقد الماضي وصولاً إلى المؤامرة الانقلابية كان هؤلاء يتبادلون الفرص لضرب بعضهم البعض، وكانت الوفاق سباقة لاختطاف المشهد كله حينما بدأت الأزمة، فقفزت إلى الدوار وقدم نوابها الاستقالات إيماناً منها بأن النظام سيسقط في أيام، وأن الشارع الذي تم تهييجه من خلال عبدالوهاب حسين ومشيمع وعبدالرؤوف الشايب وقبلهم سعيد الشهابي كله سيكون تحت إمرتها باعتبارها من تقود التحرك على الأرض، وعلى أساس أن البقية إما ضعاف النفوذ في الداخل أو مطلوبون للعدالة متحصنون في الخارج. العفو الذي صدر من جلالة الملك وبموجبه أفرج عن السنكيس والمقداد وعبدالوهاب وفتح مجالاً لعودة حسن مشيمع كان بمثابة الخطوة التي لخبطت أوراق الوفاق تماماً، وشهدت عودة مشيمع للبحرين ولموقع الدوار اختفاء علي سلمان لبضعة أيام، فالكارثة وقعت، إذ الشارع تم إيصاله لأقصى مستوى من التعصب، وعاد مشيمع ليستولي عليه من الوفاق في غمضة عين. ما حصل في السلامة الوطنية والقبض على هؤلاء أعاد الوفاق للواجهة، لكن المشكلة كانت أكبر إذ الشارع بات لا يمكنه أن يتلون بألوان الوفاق التي فاقت ألوان قوس قزح، إذ وصل التحشيد فيه مبلغاً لا يتفق مع مناورات الوفاق ومع تبدل خطابها. تابعوا مواقعهم الإلكترونية وارجعوا لما قاله المريدون حينما خرج عناصر الوفاق ليكذبوا ويقولوا بأنهم لم يقولوا “إسقاط النظام” بل “إصلاح النظام”، انظروا لردة فعلهم على تصريحات أعضائهم التي تتحدث عن الحوار، وعن مشاركتهم فيه في البداية. استقراء الوفاق للعملية كان خاطئاً تماماً، وضعت كل شيء على الطاولة وخسرته في أول حركة يقوم بها مشيمع والخواجة والشهابي، كان عليها أن تجيب عن تساؤل مهم، وهو ماذا لو سقط النظام (وهذا لن يحصل بإذن الله)، فمن سيتولى زمام الأمور في البلد، هم أم سعيد الشهابي الذي سيعود لا محالة أو أتباعه القريبون منه مشيمع وعبدالوهاب؟! هم دخلوا صراعاً على تقسيم الغنائم قبل أن يستوعبوا بأن البحرين كدولة ونظام ومكونات أخرى غير مسيسة وغير “ممذهبة” ستقف أمامهم لتصد هذا المخطط الانقلابي. اليوم الوفاق تعيش وضعاً حرجاً، هي تريد الخروج من المأزق، تحن لاستعادة الوضع السابق، تريد المكاسب التي ضاعت، وتريد فتح نقطة تواصل مع النظام، لكنها في الوقت نفسه لا تجرؤ على مواجهة الشارع الذي حشدته وصنعت منه وحشاً سينهشها هي قبل أي أحد آخر لو نكصت على عاقبيها وتنصلت من وعودها له. وصلت الوفاق لمستوى لعب دور العلاقات العامة للشارع الذي تم تحشيده، باتت تفكر ألف مرة في أي بيان يمكن أن يتضمن لغة عقلانية، حتى أحد نوابها الدكتور جاسم حسين تنصلت من تصريحاته بشأن الفورمولا1 حينما رأت فورة شارعها عليه وحينما رأت ماذا حصل في المواقع الإلكترونية من ردة فعل بشأن تصريحه. الوفاق أبداً لا تقود الشارع اليوم، هي لا يمكنها التحكم بوحش هي من صنعت أغلب أجزائه على غرار حالة “فرانكشتاين”، بل هي ملزمة اليوم بتغذيته وتهيئة كل الظروف له ليستمر فيما هو عليه من تخريب وحرق وإرهاب ومناهضة للدولة، هي تحشد له في تجمعاتها لكنها لا تتحدث إلا باللغة التي يريد سماعها، تقوم بمسيرات متعددة تعلم بأنها ستنفلت في بدايتها أو نهايتها لكنها لا تجرؤ على وقف هذا الحراك لأن ما تبقى من “كروتها” سيتم حرقه. الخلاصة أن من يقومون اليوم بعمليات إرهاب وتخريب وهجوم على الشرطة بالمولوتوف ومن يحب نهجهم من المتعصبين المتشددين وهم معرفون هم من يقودون الأزمة ويصعدون فيها، بينما الوفاق دورها بات مقصوراً على ما يظن عناصرها أنهم فلحوا فيه، وهو الحديث والظهور في القنوات الإعلامية فقط. أخيراً حقق سعيد الشهابي ما يريد، حول الوفاق إلى شركة خدمات إعلامية وشركة تنظيم فعاليات على الأرض، هو يحرك كل ما فيها حسب نهجه الإرهابي التخريبي، والوفاق عليها التفرج وأن تمشي مع نفس الموجة لأن مواجهتها تعني “الغرق”.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}