^ ربما العجلة المتسارعة التي تسير بها الحياة المعاصرة تنسينا كثيراً من المبادئ الإنسانية الضرورية، وعلى إثر ذلك من الممكن جداً أن تختفي عادات حسنة لتحل محلها عادات سيئة، ومع مرور الوقت ينتفي منَّا كل جميل. إن وهم الإنسان المعاصر بأنه يجب أن يحث الخطى لأجل الحصول على كل الدنيا جعله يغفل عن كون الحياة تحتوي على أجمل مما يحتويه وهمه الصغير، ذلك الوهم المتمثل في امتلاك منزل فخم وسيارة فارهة ومال عظيم. هناك من الأوهام غير المحسوسة لدى الإنسان جعلته يندفع بكل شراسة لنيل الأضواء التي تعتبر مدخلاً سلساً لنيل الدنيا وما فيها، لعل من أبرز تلك الأمور هي (السياسة)، تلك اللعبة التي تعبث بنا كيفما تشاء ليحصل نفر من الإنس على ما يريدون. ربما تكون الحياة السياسية حاجة ضرورية لصيرورة البقاء، ولأنها كانت لنظم أمورنا، فأصبحت اليوم مغنماً للحصول على وجاهة دنيوية رخيصة، تتبدى حالة الوعي السياسي من ترشيد سلوك الفرد والمجتمع إلى الخوض في دماء الناس. ليس مكروهاً ولا هو بالحرام أن ندخل عالم السياسة، لكن أليس من المهم لنا ونحن كذلك في أن نتأمل أعمالنا وتجاربنا وسلوكياتنا؟ أليس من الضرورة لنا أن نقف لنتحاسب إنسانياً حول كل ما اقترفته أيدينا وسطوات شهواتنا حين دخلنا عالم السياسة؟ ومادمنا خطائين وغير معصومين من الزلل ألا يكون الأجدر بنا أن نُحاسب تجربتنا السياسية بقوة الضمير؟ وإن كنَّا نجزم ألا ضمير في السياسة!!. ما أردت الوصول إليه هو أن نتأمل قليلاً في كثير من أفعالنا، وألا ننشغل حين نشتغل بالسياسة عن أهدافنا وتطلعاتنا الإنسانية، فالسياسة ستزول ونحن الذين سنبقى، وإن مضينا نحن أيضاً نحو سبيلنا الختامي من باب فلسفة الفناء، فالوطن هو الثابت، وهذا لن يتحقق إلا بالقليل من التأمل الصافي في أفعالنا التي تحاكي أهدافنا المستترة خلف مليار قناع وقناع. لو تأمل الإنسان البحريني بعض الوقت فيما يمارسه من سلوك في عالم السياسة، فمن المؤكد أنه لن ينتصر لنفسه وقومه، بل سينتصر للحق والوطن، لكنها الأحداث التي لم تهدأ لحظة واحدة منذ عام ونيف، تلك الأحداث التي جعلت البعض ينزلق مع المنزلقين والمهاوشين والموتورين دون أن يجعل بينه وبين نفسه مسافة للحساب والتأمل، ولهذا تراكمت الأخطاء تلو الأخطاء، حتى ران على القلوب سوء أعمالها فأصبحت لا تميز الخبيث من الطيب. إن أجمل ما قرأته أيها الإنسان عن نتاج التأمل الإنساني بعد فترة من ممارستك إياه، هو (شعور الوعي الداخلي الذي يتأصل بداخلك وهذا بدوره نافع ومفيد للنمو الجسدي، وليس بوسع شخص أن يجعلك سعيداً ومتفائلاً غير نفسك أنت، فكل واحد منا عليه أن يكتشف طريقه لكي يسير فيه. صحيح أن دور الأصدقاء والعائلة في تقديم يد المساعدة شيء ضروري وهام إلا أننا لا يجب أن نتأثر بهم إلى درجة كبيرة تجعلنا ننحرف عن مسارنا الذي يحقق أهدافنا وميولنا. فالتأمل هو اللغة الوحيدة لاتصال الإنسان بنفسه الداخلية، كما إنه بمثابة العاصفة التي تأتي على الضغوط والمتاعب اليومية التي يقابلها الشخص، وبممارسته على نحو منتظم ستصل إلى نتائج هائلة). هل اقتنعتم كلكم أن تتركوا (بعض الوقت) كافة قناعاتكم السياسية والأيديولوجية جانباً، لمحاسبتها ومحاسبة النفس قبلها، ربما تدركون أن الكثير من تلك القناعات كانت مجرد أوهام عظيمة، وربما كانت أخطاء لم نحسبها بطريقة صحيحة، وبهذا التأمل الصافي يكون من المرجح أن نتعرف على كمية الظلم الذي ظلمنا بهِ أنفسنا وغيرنا، كل ذلك لأجل صوغ مستقبل يقطر نقاء وعفة وحياء
970x90
{{ article.article_title }}
970x90