كتب ـ حسين التتان وطارق مصباح: أحد الصيادين البحرينيين يعود من الصيد بخفي حنين على الرغم من أنه من الصيادين المحترفين، لكنه على الضفة الأخرى، يشاهد الصياد الأجنبي يصيد كميات وفيرة من السمك. أمر مريب عندما حاولنا معرفة السبب من الصياد البحريني، عرفنا أن البحريني مهما ضاق به البحر فهو لا يرتكب جريمة صيد، كالصيد الجائر بأدواته الجائرة، بينما بمكنة الأجنبي أن يفعل كل شيء من أجل المال. اشتدت حدّة السجالات بين الصيادين البحرينيين وبين إدارة الثروة السمكية في الأعوام الماضية حول طبيعة أزمة البحر والصيد، فالصياد البحريني يعبر عن المشكلة بطريقته الخاصة، بينما لا ترى إدارة الثروة السمكية أي بأس في ذلك، بل تعدّ أن أنواع الصيد الحالية كلها تقليدية وليست مخالفة. ولمعرفة الحقيقة دعونا نتابع قصة رسالة بعث بها ناشط في مجال قطاع الصيد شاكياً إدارة الثروة السمكية، ودعونا نستمع إلى رد الإدارة عليه، ومن ثم احكموا بأنفسكم. ثرواتنا السمكية تذبح نعم، هناك أشخاص ينشطون على خط البحر، يتحدثون بحرقة عن همومهم وهمومه، ومنهم صاحب الرسالة الناشط في مجال قطاع الصيد عادل الكويتي الذي حدثنا بالتفاصيل المهمة، عن مشكلة البحر وتاريخ المهنة ومآسي حاضرها. بدأت القصة حين صاغ الكويتي مع مجموعة من الصيادين رسالة مطولة إلى إدارة الثروة السمكية تحت عنوان (الثروة السمكية إلى أين؟)، عرضوا فيها المشكلة البحرية كلها. يبدأ الكويتي حديثه معنا عن هموم البحر وتاريخه في مملكة البحرين، وكيف كان؟ وأين وصل به الحال اليوم؟ فيقول إنه ومنذ القدم وبحر البحرين غني بثرواته السمكية المتعددة الأصناف، وخيراته التي عاشت عليها أسر وعائلات بحرينية كثيرة وهو مصدر رزقهم، وكانت طرق الصيد التقليدية من (الحظور والقراقير والحداق واللفاح) هي السائدة آنذاك، وكان النوخذة والبحارة (قنوعين) بالرزق، وكانوا يعتنون بالبحر اعتنائهم بأبنائهم. ويضيف: إن البحر هو ثروة هذا الوطن وأهم مصدر غذائي، ومع ذلك لا يسأل البحر عن أحد ولا يهتم به أو بثرواته، فمنذ أسست إدارة الثروة السمكية والجميع يلاحظ أن الثروة السمكية في تناقص إلى أن تم القضاء عليها تقريباً لتحويلها من مصدر رزق إلى تجارة واستثمار مع دخول أصحاب رؤوس الأموال على الخط وامتلاك رخص الصيد وجلب البحارة الآسيويين، إذ وزعت إدارة الثروة السمكية الرخص لمن يستحقها ومن لا يستحقها وامتلك الشخص الواحد رخصاً عدة من صيد الأسماك وصيد الربيان حتى وصلت أعداد الرخص إلى نحو 2500 رخصة، وبلغت أعداد البحارة الآسيويين إلى أكثر من 10 آلاف بحار بينما بحر البحرين لا يستوعب ربع هذا العدد الضخم. ويرى الكويتي أنه مع تزامن دخول جسم غريب إلى مياه البحر والعبث بثرواته وسلب بريقه والقضاء على فشوته وقطع أرزاق المواطنين، وجلب طرق جديدة ودخيلة على مجتمعنا، فمن أخطر طرق الصيد على قاع البحر ما يسمى (الخيه والقفيه) ولا يضاهي هذا أي نوع آخر من الصيد على الإطلاق، وتسبب هذا النوع من الصيد في القضاء على كثير من أنواع أسماك قاع البحر وباقي الأسماك المفترسة، مثل الهامور وتناقصه بصفة كبيرة، وكذلك الكنعد والجد والقرش والسكن وأنواع كثيرة مثل الشعري وهو شبه منقرض في كثير من مناطق البحر والسبيطي واللخم، وجميعنا يعلم أن القضاء على الأسماك المفترسة يعني القضاء على الثروة السمكية وهذه حقيقة علمية، لكن ذلك يحصل لـ«خاطر عيون” البحار الآسيوي ومن يقف ورائهم. يقول الكويتي: يعمل البحار الآسيوي بطريقة الصيد التي تسمى بـ(لخيه) من الصباح الباكر حتى المساء ويرمي في اليوم الواحد ما يعادل 6000 إلى 8000 خطاف (ميدار) محملة بالطُّعْوم، فكم يكون العدد إذا كان هناك 20 طراداً مثلاً؟ سيكون هناك أكثر من 120 ألف ميدار، والحقيقة أن هناك أكثر من ذلك بكثير لأن أعداد “الطراريد والبوانيش” أكثر من ذلك مما أثر على الحياة البحرية بنحو ملحوظ. فهل هناك خراب أكثر من هذا؟ يرى الكويتي اليوم أن أنواعاً عدة من الأسماك انقرضت وهناك أسماك على وشك الانقراض في مناطق كثيرة في مياه البحرين، وهذا كله يحصل تحت سمع إدارة الثروة السمكية وبصرها وتشجيعها. ويرجو الكويتي أن يتم منع أنواع الصيد الجائر كافة، على نحو ما تفعل دول الخليج التي تغرم من يمارس هذا النوع من الصيد، ويقول: إن خراب البيئة يبدأ من اصفرار القاع وانتشار المواد الضارة ودفن أوكار الأسماك من (اللحوف والميافر) بسبب القضاء على الأسماك المفترسة، وكل من يقول بجواز أنواع الصيد الجائر ويعدّ نفسه صديقاً للبيئة، فهو لا يريد خيراً لثروات هذا الوطن، وهو لا يحترم المواطنين الذين تضرروا بفعل هذا النوع من الصيد، وبالتالي فقدان أهم مصدر غذائي في البحرين، ونحن نعلم أن إدارة الثروة السمكية تدرك جيداً مدى خطورة هذين النوعين من الصيد ولكن الذي لا نعلمه هو تجاهل الإدارة هذا الموضوع؟!!. ويضيف الكويتي: إن من واجب إدارة الثروة السمكية توفير الحماية اللازمة للحفاظ على الثروة السمكية والعمل لمنع ما يسبب لها الأضرار أو التأثير على انخفاضها لخلق توازن بين الصياد ورزقه. ويعتب على إدارة الثروة السمكية، ويقول: كيف يتسنى لإدارة الثروة السمكية القول إن هذا النوع من الصيد يعد من طرق الصيد التقليدية والجميع يعرف أن الطرق التقليدية ليست في الصيد الجائر، وبدأت ظاهرة (الخيه) بهذا النحو بداية العام 2000 واستمرت لأكثر من سبع سنوات إلى أن منعتها إدارة الثروة السمكية قرابة العامين، وفي هذه الأثناء خرجت علينا الظاهرة الأشد خطورة وهي القفية. أما المستفيد من هذا النوع من الصيد فيدافعون عنه لأنهم جالسون في أعمالهم ومتاجرهم ولا يدركون مدى خطورتها لأن من يلاحظ ذلك هو الذي يمارس الصيد فقط، فأين برامج إدارة الثروة السمكية، للحفاظ على هذه الثروة وتنميتها وحفظها للوطن والمواطن والأجيال المقبلة من جميع الظواهر المستخدمة في عملية صيد الربيان (الكراف) تلك الآلة المدمرة؟ لم نر من إدارة الثروة السمكية أي اعتناء، وهذه حقيقة وليس تجنياً، وفي المقابل نرى هذه الإدارة تهتم بالمرافئ العامة وبنادر البوانيش والطراريد واستيفاء الرسوم وتأجير المخازن.. ألهذا الغرض فقط تم تأسيس الإدارة؟!! ويضيف الكويتي إلى تساؤله هذا تساؤلاً آخر هو: لماذا لا تفعل القوانين مثل النوخذة أو الربان البحريني؟ إن من يستحق الرخص هم العاطلون عن العمل، فرخصة واحدة تكفي لكسب الرزق تكون للنوخذة أو من ينوب عنه، إذن لماذا نرى أن أصحاب الرخص هم أنفسهم أصحاب الوظائف والسجلات التجارية؟ وهناك اليوم من يؤجر الرخص وهناك من يبيعها، ولهذا يعمل البحار الآسيوي المستحيل لكي يجلب الأسماك من أي مصدر كان، هل هذا هو القانون الذي سنحافظ به على ثرواتنا السمكية؟ ولماذا، إذن، لا تلتزم الثروة السمكية ولا تحظى بجزء يسير من مشروع جلالة الملك الإصلاحي في جلب الخير لهذا الوطن؟. ويرى الكويتي الحل بصدور قرار سياسي من القيادة العليا للحفاظ على البحر، بالإضافة إلى تعاون المسؤولين والمواطنين كذلك فيقول: نحن اليوم بأمس الحاجة إلى إعادة الثروة السمكية إلى وضعها الطبيعي، بعزيمة أهل القرار وإصرارهم، وبتوجيه مباشر من القيادة العليا، ومن المسؤولين، وبحركة باقي المواطنين المحبين لهذا الوطن في الحفاظ على ثروات البحر ومقدراته الوطنية. الثروة السمكية ترد إدارة الثروة السمكية تسلمت خطاب عادل الكويتي مع جموع الصيادين، وكان عنوان الخطاب: (الثروة السمكية إلى أين؟)، وهو ما ذكرنا ملخصا له، قبل قليل، على لسان الكويتي، فردت عليه بالآتي: من المعروف أن البحر قديماً كان المصدر الغذائي إلى جانب الزراعة قبل النفط في البحرين وكان ارتياد البحر هو المهنة الأشق والأصعب التي مارسها أجدادنا وآباؤنا، إذ كان البحر يفيض عليهم من داناته ولآلئه وأسماكه الوفيرة. ^ ذكر مقدمو هذا المقال أن البحر تعرض للاستنزاف والدمار بسبب ما يأتي: 1. العمالة الأجنبية. 2. طرق الصيد بأنواعها المختلفة مثل (الخيه، القفية، شباك النايلون، شباك الهيالي، شباك صيد الربيان) إذ عنون ذلك بالصيد الجائر. أولاً: العمالة الأجنبية: نظراً لتوجه أبناء البحرين للعمل فوق اليابسة بعد اكتشاف النفط فقد أثر ذلك على البحر وكذلك الزراعة مما اضطر القائمين على مزاولة الصيد للاستعانة بالعمالة الوافدة (الأجنبية) وتعليق الإدارة على الاستعانة بالعمالة الأجنبية بأنها ظاهرة جيدة في حالة تحكم بها مالكها الذي يتحمل مسؤوليتها وعدم تركها تعبث بهذا المورد الحيوي والذي يمثل مصدراً من مصادر الأمن الغذائي الذي تعتمد عليه الكثير من الشعوب. ولتلافي عبث هذه العمالة بمقدرات البحر وخيراته فقد أصدرت إدارة الثروة السمكية سابقاً – إدارة الموارد السمكية حالياً ممثلة بالإدارة العامة لحماية الثروة البحرية بإصدار المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2002م بشأن تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية والذي يحتوي بدوره على (38) مادة متنوعة والتي منها المادة الثالثة والتي تنص على ضرورة وجود ربان بحريني عند مزاولة الصيد، ومن هنا فإن الإدارة العامة لا تتحمل مسؤولية العمالة وعبثها بمقدرات البحر وخيراته لوحدها ويجب تنفيذ مواد هذا المرسوم وتعاون جميع الصيادين معها من دون استثناء وكذلك الجهات المعنية. ثانياً: طرق الصيد: ذكر مقدمو المقال أن طرق الصيد الواردة أدت إلى استنزاف البحر وسنورد هذه الطرق بالتفصيل. 1. الخية: طريقة الخية عبارة عن خيط أكثر سمكاً من خيوط الصيد العادية يثبت به عدد من الخيوط في المصيدة وتوضع في البحر وبعد مدة زمنية يتم انتشالها من البحر وجني ما التقطته هذه المصيدة من أسماك. وتعقيباً من الإدارة على ما ذكر عن شكل هذه المصيدة وأنها تسبب صيداً جائراً وهي مدمرة للثروة السمكية، فإن الإدارة ترى أن هذه المصيدة من المعدات التقليدية وهي أكثر صداقة للبيئة مقارنة بعدد الصيد الأخرى مثل “القراقير” وغيرها، واحتمالات صيدها أقل من باقي عدد الصيد ويمكن انتقاء الأسماك فيها عن طريق وضع خطافات أكبر، علماً إن الإدارة العامة وضعت الضوابط لمزاولة الصيد بوساطة هذه المعدة عن طريق إصدار القرار الوزاري الرقم (6) لسنة 2011 بشأن ضوابط مزاولة الصيد باستعمال خيوط الصيد (الخية) متعددة الخطافات. 2. القفية – هي معدة من معدات الصيد التقليدية أيضاً إذ يصنع الصياد هذه المعدة وهي عبارة عن خيط يتم وضع ثقل (بلد رصاص) في طرفه السفلي وعلامة (جيبال) في الطرف العلوي ووضع الطعم في الخطاف (الميدار) ويضعها الصياد في البحر ويراقبها، وهذه الطريقة تعتمد على التيارات المائية في المنطقة لحركتها واحتمالية صيدها تساوي عدم صيدها نظراً لوجود طعم واحد فقط ــ وأيضاً هذه الطريقة هي من أكثر الصداقات للبيئة البحرية ولا تسبب أية أضرار لا للشعاب المرجانية ولا لغيرها، بل هي أفضل من باقي معدات الصيد مثل “القراقير” وغيرها. 3. شباك الجر لصيد الربيان: من المعروف أن هذه المعدة أو الطريقة للصيد مضرة بالبيئة البحرية وغير صديقة لها فهي تعتمد على الجر للصيد وتدمر وتجرف كل ما يواجه هذه الشباك من أحياء بحرية (ربيان - أسماك)، بل حتى الصخور والشعاب المرجانية ولا يخفى على الجميع أن الإدارة العامة لحماية الثروة البحرية رفعت مرئيات تطالب بتقليص رخص صيد الربيان والعمل لإنهاء مزاولة الصيد بهذه المعدة. 4. شباك الصيد (النايلون ــ الهيالي): دأبت الإدارة على مراقبة هذه النوعية من الشباك وأثرها ومضارها على البيئة البحرية والمخزون السمكي فأصدرت العديد من القرارات التي تمنع مزاولة الصيد بهذه الشباك (شباك النايلون ذو الثلاث طبقات - شباك الهيالي) وتمثل ذلك بالمادة رقم (20) من المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2002 التي تنص على حظر استخدام المعدات الآتية: •شباك الجر القاعي لصيد الأسماك بوساطة أي نوع من سفن الصيد. شباك الجرف العائمة (الهيالي). •البنادق البحرية. •شباك الألياف الصناعية (النايلون) الأحادي. •الشباك المصنوعة من النايلون ذات الثلاث طبقات من الغزل. ونسب محررو المقال إلى إدارة الثروة السمكية بأنها منذ تأسيسها حولت المخزون السمكي إلى تجارة بسبب إعطاء الرخص وجلب العمالة الآسيوية، وللإدارة تعقيب على ذلك ممثلاً بإذن الإدارة العامة لحماية الثروة البحرية منذ تأسيسها أخذت على عاتقها العمل لحماية الصيادين وتذليل جميع العقبات التي تعترض طريقهم، فقطاع الثروة السمكية حالة حال بقية قطاعات الدولة مثل الزراعة والبناء والشركات فهو يعتمد على العمالة الأجنبية اعتماداً كلياً وهو لا يستطيع إيقاف العمالة للعمل في البحر. أما بالنسبة لرخص الصيد وإن الإدارة أصدرت العشرات من الرخص للشخص الواحد فإن الإدارة تفند ذلك ولا يوجد شخص واحد يملك عشر رخص مسجل في سجلاتها. إذن، الخلاصة من هذا التعقيب، إن إدارة الموارد السمكية بالإدارة العامة لحماية الثروة البحرية هي جهة تشريع وإصدار قوانين تهدف إلى حماية المخزون السمكي وتطويره وتنميته والمحافظة عليه للأجيال المقبلة فهي تعمل جنباً إلى جنب مع قيادة خفر السواحل التي هي جهاز تنفيذ لهذه القرارات.