^ في خطاب لها أمام أحد المنتديات في مدينة كالكتا الهندية، وبعد أن أكدت عزم الولايات المتحدة على “تفكيك تنظيم القاعدة”، التفتت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون نحو المشاركين في المنتدى كي تعلن بشكل مباغت “أن واشنطن تعتقد أن زعيم تنظيم القاعدة موجود في باكستان، وأن هناك عدداً من قادة القاعدة لايزالون ناشطين، وبأن أيمن الظواهري الذي خلف بن لادن في قيادة القاعدة موجود في مكان ما في باكستان”. وجاء رد باكستان على لسان وزيرة خارجيتها حنه رباني كهار طبيعياً ومنطقياً، حيث طالبت باكستان الولايات المتحدة “باطلاعها على ما لديها من معلومات بشأن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري”، مضيفة أن “باكستان ليس لديها أي معلومات بشأن وجود الظواهري على أرضها، مناشدة الولايات المتحدة إذا كان لديها أي معلومات مؤكدة في هذا الصدد، فعليها أن تبلغ باكستان بها كي تتحرك بناء عليها”. لتصريح كلينتون بغض النظر عن الرد الباكستاني شقين؛ الأول يرتبط مباشرة بما يمكن تسميته “شبح تنظيم القاعدة” في خطاب الإدارة الأمريكية السياسي منذ هجمات سبتمبر 2001 على البرجين في نيويورك، والثاني ينصب مباشرة على محاولة إعادة العلاقات الأمريكية - الباكستانية التي تعاني من بعض التدهور إلى حالتها الطبيعية. وبالنسبة للشق الأول أصبح واضحاً منذ أن أرسل الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن قواته رسمياً لغزو أفغانستان، وفي مرحلة لاحقة لاحتلال العراق، استخدام شعار “محاربة الإرهاب الدولي”، وحصره في مطاردة “تنظيم القاعدة” كي يلبي الاستراتيجية الخارجية الأمريكية لتحقيق الأهداف التالية: 1. الهروب نحو الأمام من المشكلات الداخلية النابعة من التدهور البنيوي للاقتصاد الأمريكي، الذي ولد معضلات اقتصادية تمظهرت في معدلات تضخم عالية، وإفلاس مجموعة من الشركات الأمريكية الكبرى، لم تعد مسكنات الإدارات الأمريكية المتعاقبة قادرة على استئصالها، بل تطورت كي تفرز أمراضاً اجتماعية مصاحبة لها، أبرزها تصاعد نسب البطالة في المجتمع الأمريكي بمعدلات لم يعد من السهولة بمكان التحكم فيها. وفي هذا السياق يأتي التلويح بمحاربة الإرهاب، حتى بعد مسرحية “اغتيال بن لادن” التي تمت في باكستان قبل ما يقارب من العام، كمبرر لمخاطبة المواطن الأمريكي الذي لم تعد تفصله مسافة طويلة عن تنامي امتعاضه من الأوضاع المتردية إلى حالة يصعب على أية إدارة أمريكية قادمة التعامل معها من أجل امتصاصها، أو الحد من تدهورها. 2. تجيير هذا الشعار، لإعادة الحياة إلى الصناعة العسكرية الأمريكية التي مستها أيضاً تداعيات الانهيار الاقتصادي الأخيرة، فعانت من تراجع في الإنتاج، وهبوط في الأرباح، اللذين لا يمكن التعافي منهما إلا عن طريق واحدة، هي زيادة حصة مبيعات تلك الصناعة في سوق السلاح العالمية. وهنا تتيح المعارك ضد الإرهاب الوهمي، ومن بينها “شبح تنظيم القاعدة”، الفرصة أمام الإقناع أو إرغام الدول الحليفة للولايات المتحدة، أو التي تسير في فلكها على دفع الفواتير التي بلغت أقيامها، في الفترة الأخيرة، عشرات المليارات من الدولارات. فمنذ تفكك منظومة حلف وارسو كقوة عسكرية مناوئة للترسانة العسكرية الأمريكية، وسقوط الاتحاد السوفيتي ككتلة سياسية مناهضة لمشروعاتها الدولية، لم يعد أمام الإدارة الأمريكية من عدو على الصعيد العالمي، يبرر لها مد المؤسسة العسكرية الأمريكية، ومن خلفها صناعاتها التي تستفيد منها، سوى الإرهاب الدولي الذي نجحت في رسم شبحه في ذهن المواطن الأمريكي أولاً، وأرغمت حلفاءها على القبول به، ومن ثم زيادة طلباتهم من الأسلحة الأمريكية، بما فيها تلك المتطورة الباهظة الثمن، والتي ربما هم في غير حاجة لها، ثانياً. 3. الحيلولة دون استمرار تدهور العلاقات الأمريكية - الباكستانية، بعد عملية اغتيال بن لادن، التي اعتبرتها باكستان تجاوز، لم يعد مقبولاً، في الأعراف الدولية التي تنظم العلاقة بين بلدين حليفين، وإثر تصاعد عدد العمليات العسكرية والاستكشافية التي باتت تقوم بها الولايات المتحدة، دون استئذان، في الأراضي الباكستانية، أو عند حدودها المتاخمة لأفغانستان. وقد أكدت مصادر استخباراتية، بينها أمريكية، أن زيارة رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جيمس ماتيس، وقائد قوة المساعدة الأمنية الدولية “إيساف” في أفغانستان الجنرال جون الين باكستان، الأخيرة لباكستان، والمحادثات التي أجرياها مع قائد الجيش الباكستاني الجنرال أشفق برويز كياني ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال خالد شميم وين، إنما جاءت من أجل إعادة المياه إلى مجاري “التحالف المضطرب بين البلدين، كي يعود سريعاً إلى مساره”، بعد تدهوره إثر “الغارة الأطلسية على مواقع الجيش الباكستاني في نوفمبر 2011 والتي أسفرت عن مقتل أربعة وعشرين جندياً باكستانياً”، والتي، أوقفت إسلام آباد، بعدها “مرور حمولات الترانزيت عبر أراضيها من اجل دعم القوات الأجنبية في أفغانستان”. 4. تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في باكستان، كجزء من تطويره في تلك المنطقة ذات المصالح الحيوية الأمريكية في القارة الآسيوية، سواء في شقه الاقتصادي نظراً لتخومها النفطية، أو الاستراتيجية، نظراً لتحكمها في طرق الإمدادات والاتصالات في دول آسيا الوسطى، قبل وصولها إلى الحدود الآسيوية الروسية. وتكشف الباحثة الباكستانية شيرين م. مازاري عن الوجود السري للولايات المتحدة في باكستان، الذي “أصبح الآن مثل الشبكة التي تبدأ من إقليمي السند وبلوشستان في الجنوب والجنوب الغربي إلى البنجاب إلى العاصمة إسلام آباد إلى بيشاور وأصبح الآن هناك عملاء سريون أمريكيون إلى جانب قوات المارينز التي تعمل في العلن والتي تحيط الباكستانيين بترسانتهم النووية”. هذه الشبكة البالغة التعقيد، لم يعد باستطاعة الولايات المتحدة التضحية بها، وبالتالي يأتي “شبح تنظيم القاعدة”، ووجوده، كما جاء في خطاب كلينتون، في باكستان، مبرراً قوياً للاحتفاظ بها، إن لم يكن إرغام باكستان على القبول بتوسعتها وتطويرها. 5. منع باكستان من تحسين علاقاتها مع أي من الدول المجاورة التي لا تدور علناً، أو بشكل رسمي في فلك التحالفات الأمريكية، ولا تنخرط مباشرة في مشروعاتها الإقليمية، من أمثال إيران. فتاريخياً، حيث شكلت مشروعات خصم البلدين المشترك الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر القومية من جهة، وتحالفاته مع الهند من جهة أخرى، سبباً في تطوير العلاقات بين البلدين، توجت بانضمامها إلى حلف بغداد في الخمسينات من القرن الماضي. أما اليوم، فمن الطبيعي أن تحفز ترسانة باكستان النووية المتطورة، دولة مثل إيران، وهي تبحث عن حليف “نووي” في المنطقة، كي تستفيد من العلاقات التاريخية القائمة على الكثير من العناصر الثقافية والدينية المشتركة، لمساعدتها على تطوير مشروعاتها النووية، وهو أمر لا يمكن أن تسمح به واشنطن، ولا تتردد في ممارسة ضغوط من أجل تحجيمه إن لم يكن في الوسع وضح حد له. كل ذلك يفسر إصرار واشنطن على الترويج للمخاطر التي بات يمثلها “شبح تنظيم القاعدة”، الذي نجحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ مطلع هذا القرن، على رسم معالمه بدقة بما يخدم مصالحها في المنطقة أولاً، ويساعدها على تجاوز أزماتها الداخلية ثانياً