^  إن تعليقات وملاحظات بعض القرّاء الأعِّزاء على أعمدتي التي تدعو إلى التقارب والحوار بين أبناء الطائفتين الكريمتين، كأبناء وطن واحد جُبلوا على الطيبة، وتربّوا على المودة والتسامح والإخاء، أقول إن هذه التعليقات تكاد تتمحور في معظمها على فكرةٍ أساسيةٍ مفادها أن السّنة لن يغفروا للشيعة ما فعلوه بهم في أحداث فبراير 2011، حيث أقدموا على “احتلال بعض المؤسسات الحكومية، وأداروها بعقليةٍ طائفيةٍ إقصائيةٍ أي بعقليّة تعكس تشفِّي الطرف المنتصر”، فكيف يمكنهم أن يثقوا بهم بعد أن أداروا لهم ظهورهم وتعاملوا معهم “كطرف متخاذلٍ وضعيفٍ”؟ للوهلة الأولى يبدو هذا التقييم للأحداث المؤسفة التي عصفت ببلادنا الحبيبة “منطقياً وصائباً ولا تشوبُه أية شائبة”، لكنه لا يصمد تماماً أمام الوقائع الدامغة، فواقع الحال أن قيام بعض الأشخاص بالسيطرة على بعض المؤسسات والهيئات الحكومية، وإنها كانت تستهدف “أفراداً من مذهب آخر على وجه الخصوص”، قد تم في سياق الحدث، كما يُقال، أو هكذا نعتقد. وحتى وإن كان تنفيذاً لرغبات أو أجندات خارجية، إلا أنه-ونؤكِّد للأهمية- لم يكن مقبولاً لدى غالبية أفراد الطائفة الشيعية، ولم يعكس مشاعرهم الحقيقية المخلصة تجاه إخوانهم السنة الذين أكلوا وشربوا معهم، وعاشوا معهم على الحلوة والمرة؛ فالأمر يمكن تشبيهه إذن، بصراحةٍ ووضوحٍ، بأشخاصٍ تملّكتهم النزعة نحو التنمّر بصورة مفاجئة، وغير متوقعة بتاتاً، على الآخرين، واستعراض عضلاتهم أمامهم، ومثل هؤلاء الأشخاص قد يكونون في الغالب ضحيةً للظروف المستجدة أكثر مما هم مساهمون فعليون، مع سبق الإصرار، في إيجادها وتكريسها كأمر واقع ينبغي الرضوخ له وقبوله دون جدل أو مقاومة. ومما تقدّم يتبيّن فعلاً أن اعتقاد بعض الإخوة من الطائفة السنيّة أن إخوانهم من الأفراد المنتمين للطائفة الشيعية كانوا يريدون “الاستفراد بهم، والسيطرة على مقدّراتهم ومصائرهم”، قد يحمل قدراً كبيراً من المغالاة والتحامل على شركاء الوطن، ومن ثم فإن النظرة لأبناء المذهب الجعفري بهذه العقلية، أو ضمن هذا التصوّر، قد يصبح دافعاً باتجاه حياد الطرفين عن سكة الحوار الهادئ المطلوب في المرحلة الحالية، مع أن البعض لايزال يمني نفسه باليوم الذي يستطيع فيه، بمساعدة القوى الخارجية التي لا تتمنى للوطن خيراً، إحكام قبضته على الجميع