^ الصحافة ليست بمثابة جرائد مليئة بالأحداث والمقالات وبالأخبار المحلية والدولية وبالإعلانات والتسليات، بل الصحافة مبدأ ورسالة، فهي تمثل حرية التعبير لأقلام أصيلة بكلمات صادقة، وركيزة أساسية من ركائز المجتمع السوي المُتحضر، وحتى تكون ذلك لابد أن تكون صحافة حُرة مستقلة وبدون ذلك تفقد هويتها وشروط بقائها. في هذه المناسبة وفي كل عام يتفضل جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد بإلقاء التحية على الصحافة والصحافيين، وفي هذا العام أشار جلالته فبعد التحية والتهنئة.. أكد أن “هذه الصحافة تعمل على تنمية روح المواطنة، وترسخ قيم الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتدعم خطط الإصلاح والتنمية الشاملة المستدامة “، وأشار جلالته إلى أن رواد الصحافة البحرينية هم “الذين حملوا على عاتقهم بناء الإعلام البحريني الحديث على أسس من التنوع والتعددية والمصداقية”، مقدراً جلالته “الأقلام الحُرة والموضوعية، والأصوات الوطنية الصادقة والنزيهة، والكوادر الإعلامية المبدعة التي تضع مصلحة البحرين وتقدمها وازدهارها فوق أي اعتبارات مادية أو أيديولوجية أو طائفية”. صحافة كهذه هي جزء لا يتجزأ من المشروع الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك. وهذه التحية والتقدير للصحافة تتوافق مع الرسالة التي شارك بها بان كي مون الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة في عيد الصحافة والصحافيين حيث أشار إلى أن “حرية التعبير حق من أثمن حقوقنا، فهي الركيزة التي تقوم عليها كل حرية أخرى، وهي أساس للكرامة البشرية”. فموقف جلالة الملك والأمين العام يتناغمان مع ما ورد في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”. إن يوم الثالث من مايو يُمثل فرصة سانحة لكي يقف أصحاب الأقلام الوطنية في خندق الدفاع عن هوية وطنهم والكفاح عن سيادته، ورفع رايته من أجل دفع عجلة حرية وسائل الإعلام لتعزيز مبدأ حرية التعبير وفقاً لمبادئ الكرامة والإنسانية والوطنية من أجل بناء وطن ومجتمع سامٍ وشافٍ لديه القوة للتحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وأن يلتزم الكتاب والصحافيون بالأدوار التي تعتنقها الصحافة، ومنها؛ المساعدة على التعريف بالمجتمع، خلق لغة مشتركة ومعرفة مشتركة، تحديد أهداف المجتمع وأبطاله وخياره وأشراره، دفع الناس ليتجاوزوا مرحلة الخنوع، وبدورها الرقابي. ومع مرور الوقت تواصل الصحافيون إلى تسعة مبادئ أساسية للقيام بهذه المهمة الجليلة. 1- التزام الصحافة الأول يكون للحقيقة؛ يجب على الصحافيين أن يبحثوا عن الحقيقة بمعناها العملي، وأول خيطٍ لها هو الانضباط المهني في تجميع الحقائق والتأكد منها بكل شفافية فيما يتعلق بمصادرهم وطرقهم حتى يتسنى للناس تقييم تلك المعلومات بأنفسهم. في وقتٍ يتلقى فيه الناس سيلاً متعاظماً من المعلومات والتأويلات التي لا تتفق مع هذا الالتزام. 2- ولاء الصحافة هو للوطن وللمواطنين؛ تتعامل الصحافة مع جميع المكونات المجتمعية، من سياسيين واقتصاديين ومواطنين، وكلُ فئة تتعامل مع هذه الصحافة وفقاً لمصلحتها. لذلك يجب على الصحافيين الحفاظ على ولائهم لوطنهم وللمواطنين والعمل على تحقيق المصلحة العامة التي هي فوق كل شيء. فعلى الصحافة أن تنقل الحقائق إلى الجمهور بدون خوف ولا رياء. 3- جوهر الصحافة الانضباط في التحقق؛. بجب على الصحافيين اتباع طريقة متسقة لاختيار المعلومات ونشرها وبحياد دون تحيز، وهذا ما يُميز الصحافة عن وسائل الإعلام الأخرى، وهذا الأمر يتطلب أسلوباً مهنياً رفيعاً ونظيفاً، بجانب الاستعانة بالأساليب الحديثة للوصول إلى الحقائق الموثوق بها لنشرها والتعليق عليها. 4- استقلال الصحافة؛ الاستقلالية هي أحد شروط الصحافة الناجحة، استقلال في المهنة والنشر، وكل قلم يكتب يجب أن يكون مستقلاً لا تابعاً ولا مأجوراً، وأن يكون محايداً فقط لوطنه، نزيهاً وقادراً على الدفاع عما يكتب، صادقاً في مبدئه، مُعتداً برأيه ورقيباً على نفسه. 5- الصحافة مراقب مستقل؛ للصحافة دور كبير ومهم في الرقابة على الدولة وعلى جميع المكونات المجتمعية، وبهذا الدور تستطيع الصحافة أن تكافح الاستبداد وتكشف عن الفساد، وعندما تلتزم بدون المراقب المستقل البعيد عن السلطة وأصحاب النفوذ تنأى بنفسها عن استخدامها لأغراض الاستغلال السياسية والتجارية البعيدة عن الالتزام بمبدأ الصحافة والدفاع عن حقوق الوطن والمواطنين. 6- الصحافة أداة للانتقاد وساحة لطرح الحلول لجميع مشاكل المجتمع؛ تمثل الصحافة ساحة للحوار المجتمعي، وهي مسؤولة عن إدارة هذا الحوار وعن انتقاء المتحاورين الجيدين في كل ما يخص المجتمع من مشاكل لوضع الحلول المناسبة لها. وبهذا الدور فإن الصحافة قادرة على نقد الكثير من التصرفات والسلوكيات المجتمعية الخاطئة، وإلى السعي لتقديم وجهات النظر والآراء الجيدة لبناء مجتمع صحي خالٍ من الشوائب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 7- الصحافة تعمل من أجل تحقيق هدف قامت من أجله؛ الصحافة الحقيقية لا تؤسس من أجل استعراض عدد صفحاتها ولا بكثرة عدد كتابها، فالصحافة هي نوع وليس كم، فالصحافة الحقيقية هي التي تؤسس من أجل غرض وهدف تسعى إلى تحقيقه، وهذا ما يضمن بقاءها وديمومة استمرارها، وهي التي تسعى جاهدة للبحث عن كل ما يهم المواطنين أكثر، كالهموم اليومية والمشكلات المجتمعية الأخرى. 8- الصحافة تنقل الأحداث كما هي؛ الصحافة الصادقة هي التي تقوم بنقل أحداث المجتمع والأخبار الأخرى دون تضخيم أو إغفال لأي شيء، وبعيداً عن التنميط أو السلبية المُفرطة التي تبعد الكثير من الناس عنها، كما يجب عليها أن تنقل أخبار جميع الناس وليس أخبار فئة دون أخرى، وأن تحتوي الأحداث والأخبار المنقولة على وجهات نظر متعددة ومتنوعة وعدم اختيار نخبة معينة وتهميش بقية أفراد المجتمع. 9- الصحافة تحتاج إلى ضمير المتكلم؛. إن الممارسة الصحافية ليست قلماً وكلمة فقط بل أيضاً تحتاج إلى ضمير الصحافي، أن يكون متسلحاً بالنزاهة والدقة، مُستقلاً في رأيه، مشجعاً الآخرين في التعبير عن آرائهم، قادراً على تغطية الأحداث بدقة وبدون تحيز لأي جهة ضد أخرى. فالصحافة في النهاية هي سجل الوطن، يُقرأ الآن ويُحفظ للأجيال التالية، فيقرؤون تاريخ وطنهم ويتعرفون على رجالاته ومكتسباته وإنجازاته، ويطلعون على الأحداث التي حدثت فيه، كما اطلعنا نحن على جرائد البحرين القديمة المحفوظة وقرأنا الكثير عن أحداث تلك الأيام الماضية الجميلة، وتعرفنا على رجالاتها. فما أحوج وطننا اليوم إلى الصدق في القول والكتابة، وما أحوج مشاكلنا إلى الرؤية الحقيقية. فنحن اليوم بحاجة إلى صحافة تجمعنا لا تشتتنا، كلمة صادقة تقودنا إلى الطريق الصواب، وتخرجنا من ظلامة أنفسنا، وتعيدنا إلى طريق الضياء والنور، نحتاج إلى صحافة المبدأ لا المهنة. وحتى تكون كذلك لابد وأن تجتمع في الصحافة الثلاثة ـ قلم أصيل وكلمة صادقة وضمير الكاتب