كتب ـ حسين التتان وطارق مصباح: (الوضع الحالي لتجارة الأسماك وصيدها أسوأ ما يكون ولم يشهده تاريخ البحرين...). كذلك بادرني عبدالله الزعبي أحد أهم بائعي الأسماك في البحرين حين ذهبت لأسأله عن الأسماك وأسعارها. والزعبي ليس وحده من يرى ذلك فالكثير من زملاء مهنته هجروا البحر والسمك والبيع، وتفرغوا لأعمال حرة أخرى امتهنوها، معتقدين أن ضياع البحر ومهنة الصيد، ما هي إلا مسألة وقت لا أكثر. يذهبون للبحر لصيد الأسماك، هؤلاء هم الصيادون، وآخرون ينتظرون السمك في السوق، فهؤلاء هم الباعة، والمواطنون ينتظرون أن يتوفر السمك وبأسعار مناسبة كي يشتروه، لكنهم عادة ما يعودون من سوق السمك بأذيال الخيبة. بحارة وصيادون وتجار أسماك ومستهلكون، نُجمل همومهم وآراءهم، من أجل أن يقرأها المسؤول ليتعرف على من يقف وراء ضياع مهنة الآباء، ومحنة الأبناء. هموم الصيادين أحد كبار البحارة سعد البوفلاسة يقول والحرقة تغمر قلبه: إن الآسيويين يصطادون الأسماك في كل وقت، ويصطادون جميع أنواع الأسماك، بالإضافة إلى أن شباكهم – المرخصة والممنوعة – لا تسمح لصغار السمك أن يكبر!! ويقول: إن هذه العمالة في الغالب لا ترضى بأخذ نصيبها ولكنها دائماً ما تطالب بأكثر من ذلك، مضيفاً: “وإذا منعناها من ذلك أحدثت لنا المشكلات..”. ومن كبار البحارة أيضاً كان للصياد محمد الشملان نصيب من الكلام المباح: إن أغلب مناطق الصيد في المملكة لم تعد صالحة للصيد بعد أن عمت فيها مشكلات الدفان غير القانوني، وأخذ الرمال من جوف البحر، وتلوث الماء الأمر الذي جعل بعض المناطق يكثر فيها الصيد، وتضاءلت فرص الحصول على السمك المحلي، لكن تظل بعض السواحل خصوصاً المحرق صالحة للصيد. البحارة يلجؤون إلى مناطق بعيدة مستخدمين أجهزة الكشف عن المواقع خشية وقوعهم في مناطق حدودية تسبب لهم مشكلات، لذا فإن أغلب عمليات الصيد تتم في (ربع الخراب) و(شمال الجارم) و(فشت العظم).. البحَّار عبدالله العميري بدوره يؤكد أن مشكلة سحب الرمال بطريقة غير قانونية أثرت بصفة مباشرة على مراعي السمك الطبيعية، وإن كانت بعض المناطق مرخصة إلا أنها تؤثر سلباً على المراعي القريبة منها وتتلفها. وفي سياق هموم الصيادين، أيضاً، يشير البحار عبدالحميد أحمد إلى أن المملكة تلجأ حالياً لاستزراع الأسماك في محميات خاصة بعيداً عن البحر وعما يلوثه، ضارباً مثلاً بخليج توبلي وما يعانيه من أوساخ ودفان بالتراب. ليست هذه فقط هموم البحارة، بل هناك أمور أخرى تتعلق بالشأن الإداري، ومنها ما يذكره المواطن إبراهيم عبدالله الذي يعيل يتامى من أسرته، إذ سحبت منه رخصة الصيد منذ 12 عاماً، ولم يستطع تجديدها، ويساعد حالياً أصدقاءه الصيادين، من دون أن يتمكن من دخول البحر تحت مسمى “صياد”!. أما محمود علي فهو “يراكض” منذ 3 أعوام من أجل الحصول على رخصة صيد كـ«هاوي” ولكن دائماً ما يكون الرد من الجهات المختصة في إدارة الثروة السمكية أن “الرخص متوقفة”، وقال: “أريد الاستقلال بوظيفتي بدلاً من العمل الحالي مع خالي لأغطي مصاريف أهل بيتي”. لا بد أن نذكر أن إدارة الثروة السمكية أوقفت نحو 4 آلاف رخصة صيد بسبب بعض المخالفات ولم تمنح رخصاً جديدة بعد هذه العملية. وللباعة هموم أخرى في جولة مكوكية في عدد من أسواق السمك البحرينية، التقينا عدداً من بائعي الأسماك الذين شكوا من قلة السمك البحريني المعروض، لكنهم في الوقت نفسه أعربوا عن فرحتهم بانخفاض سعره ليكون في متناول الأسر البحرينية في هذه الفترة. الحاج حسن جاسم التقيناه وهو يرتب “بضاعته” من الأسماك المحلية الطازجة في محله بسوق الرفاع، وقال لنا والابتسامة والتفاؤل على محياه: ربك كريم، ليست لدينا مشكلات، الأمور طيبة، الأسعار هذه الأيام في انخفاض، ونتمنى أن يستمر الحال هكذا، وأن لا تكون الأسعار المنخفضة طارئة في سوق السمك. هذه البداية المشرقة من هذا الصباح دعتنا للبحث حول أهم أنواع السمك المنتشرة في السوق، والتي يقبل عليها البحرينيون، وبعد السؤال تبين أن الشعري، الصافي، الهامور، الحمام والكنعد هي على قائمة الأسماك المحلية المتوفرة. مكثنا في هذه السوق لنلتقي المزيد من باعة السمك ولنبحث عن إجابات لسؤال يراودنا بعد حديثنا مع الحاج حسن: هل ما زالت لبائعي الأسماك هموم ومشكلات؟!! البائع علي ضيف الذي التقيناه أخبرنا بآلية عملهم، وهي شراء السمك من البحارة وبيعه في السوق، مشيراً إلى أن أسعار السمك تزيد وترتفع بناءً على العرض والطلب ومدى توفره. ويضيف ضيف أن هناك إقبالاً كبيراً على شراء الصافي والكنعد والشعري والهامور، وعندما سألناه عن مشكلات الصيادين المتعلقة بالدفان غير القانوني أو سحب الرمال من البحر ومدى تأثيرها على توفر السمك، أجاب: إن المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالبناء لا بد لها لكي تستمر، عملية أخذ الرمال ودفن البحر، نحن لا نعارض ذلك ولكن في المقابل هناك من الصيادين من يستزرع الأسماك ذاتياً من خلال جهود جماعية، إذ تشتري مجموعة منهم سيارة قديمة وترميها في مناطق معينة، تصلح لتكاثر الأسماك، بالإضافة إلى الجهود الرسمية في استزراع بعض أنواع الأسماك مثل الهامور والسبيطي وغيرهما. ولا تقتصر هموم الصيادين وباعة السمك على توفره من عدمه فقط، لكنها أيضاً تتعلق بأمور إدارية تشغل بالهم دائماً، وعرض أمامنا البائع عادل ضيف أهم هذه الأمور وأبرزها، وقال : إن هذه الفئة لا ترعاهم أو ترعى شؤونهم جهة حكومية، ولا وزارة يستعينون بها لحل مشكلاتهم!. وذكر لنا ضيف حادثاً تعرض له شخصياً وتكرر مع أكثر من زميل له في المهنة، وهو صعوبة حصولهم على قرض شراء من وزارة الإسكان بالمبلغ المطلوب إلا بتوفر “كفيل” بحجة أنهم يعملون في “الأعمال الحرة”! مبدياً استغرابه من حرمانهم من علاوة الغلاء على الرغم من أن سوق السمك وتجارته وصيده من الوظائف التي تعاني كساداً واسعاً نظراً للتضييق الذي يمارس عليها. وفي مكان آخر التقينا أحد كبار بائعي السمك وهو عبدالله الزعبي الذي ورث مهنته أباً عن جد.. هذا الرجل أشار بإصبعه على الدفتر الذي كنت أدون فيه ملاحظاتي، وقال: هذا الدفتر الذي تحمله لا يتسع لربع حديثي عن هموم مشكلة الأسماك في بلادنا. ومادام الصحافي يبحث عمن يتحدث بصراحة طلبت منه أن يحدثنا عن أبرز المشكلات التي يعاني منها الباعة والبحارة وأكبرها.. قال لنا: إن الوضع الحالي لصيد وتجارة الأسماك على أسوأ ما يكون ويشهده تاريخ البحرين، إذ تضررت الغالبية واستفادت القلة، مؤكداً أن الكثير من زملائه ومعارفه تركوا المهنة ولجؤوا إلى غيرها. صمت برهة ثم تساءل: “ولكن ماذا يفعل من لا يجيد غيرها ومن يعشقها وورثها أباً عن جد؟!! الزعبي شبّه ما تعانيه المملكة بما تعانيه الكثير من الدول الخليجية وحتى العالمية، لكن المشكلة لدينا ـكما يقول- في تفاقم الأزمة السمكية، ولا بوادر أمل لحلها نظراً لارتفاع سعر آلة الصيد، الأمر الذي جعل الأسماك غير المحلية تغزو الأسواق المركزية والبرادات الكبيرة إلى درجة بيعها حالياً في الشوارع! آراء زبائن سوق السمك في جولة مع رواد أسواق الأسماك في محافظات المملكة يؤكد لنا جمع من المواطنين إقبالهم على شراء السمك المحلي، معربين عن رضاهم لانخفاض سعره وتوفره بنحو معقول في هذه الأيام. يقول المواطن خالد البوعينين أنه لا يشتري السمك المستورد ولكنه يفضل المحلي، وعندما سألنا عن السبب تبسم بثقة وقال: “طعمه ألذ ومعروف عندنا”. واتفق معه المواطن أحمد حسين الذي التقيناه أثناء شرائه كميات من الكنعد والشعري؛ إذ قال: يظل السمك البحريني أجود، مؤكداً أن سوق السمك وتجارته وصيده من الوظائف التي تعاني كساداً واسعاً نظراً للتضييق الذي يمارس عليها! من يشتري السمك المســتورد مــن الخـــارج؟ في إحدى أسواق السمك المركزية التقينا عدداً من المقيمين الأجانب والآسيويين والذين شاهدناهم يقبلون على شرائه بكثرة، وكان منهم المقيم روبرت فاليرا والذي كان يشتري سمك الـ«بوليتي” وحين سألناه عن السبب الذي دعاه لشرائه قال : هذا النوع من السمك أحبه وكنت أشتريه في بلدي تايلند وأنا في البحرين أحب أن استمر بتناوله فهو متوفر في الأسواق عندكم. سؤال آخر راودني: لماذا يقبل المواطنون والمقيمون على شراء السمك من السوق وليس من الباعة المتجولين الذين انتشروا في أزقة المناطق وشوارعها؟. المواطن فهيد العنزي قال: إنه “يخاف” أن يشتري السمك من البرادات المتنقلة عند هؤلاء الباعة، واتفق معه عباد المرشد في ذلك بزعم أن السمك الذي يباع في الخارج تكون حرارة الجو أصابته وربما مكث مدة طويلة، أي أنه غير طازج. من جهته، أضاف المواطن بدر الفضلي: إن الأسماك التي تباع في الشوارع لا يدري أحد من أين أتت ومن اصطادها وما مصدرها؟ لكننا في السوق المركزي نتعامل مع باعة كلهم من البحرينيين الثقاة.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}