^ أصبح لدينا في العالم العربي ما نسميه بظاهرة “الديمُكتراتية” (لا يوجد خطأ في الإملاء) وهي مزيج من الشكل الديمقراطي الخارجي والذي يجد معناه الحقيقي وترجمته الفعلية على الأرض في البلدان المسماة منذ أكثر من قرنين من الزمان بالديمقراطيات الغربية دون غيرها، وبين شكل الديكتاتورية بألوانها المزركشة والتي لدينا منها أنماط لا تنتهي عند حد، لكثرتها والقدرة على إنتاج المزيد منها كل يوم، فهي مصبوغة بالعسكر أحياناً، بالطائفة أحياناً أخرى، ومحكومة بالملالي والمرشدين في أشكال مستجدة هذه الأيام. باختصار فإن هذه الخلطة “الديمكراتية” العجيبة هي أقرب إلى الميلودراما السريالية في صيغتها الغريبة، ويمكننا في هذا السياق أن نكتفي باستعراض نموذجين مكرسين على الأرض لهذه الميلودراما العجيبة: النموذج الأول، وهو الذي بدأ مبكراً من العام 2003م، عندما قادته الآلة العسكرية الأمريكية زمن بوش الابن ضمن” الهجمة الديمكراتية” الكاسحة على ظهور الدبابات التي يركبها الملالي والمتآمرين، فكانت نتيجته النهائية على النحو التالي؛ رئيس جمهورية منعزل، ونائب رئيس الجمهورية معزول مطارد ومتهم بالإرهاب، ومطلوب للمحاكمة بآليات “الديمكراتية” الجديدة، ورئيس وزراء يحتفل لوحده بالديمكراتية التي تمت هندستها تحت إشراف قوة الاحتلال الأمريكية بالتعاون مع طهران التي اعتبرت أن الحكومة المعزولة داخلياً هي اليوم في ظل الاحتضان الإيراني ليست في حاجة إلى الحماية الأمريكية بل تكفها الحصانة الإيرانية الحانية. النموذج الثاني وهو ابن أخت النموذج الأول، وهو يتماهى بالنموذج الإيراني الأكثر انغلاقاً وديكتاتورية في العالم مع أنه يتسمى بالجمهورية، ويتزن بالديمقراطية على أيدي “إسلاميين” متزينين بأزياء التنكر الديمقراطية، فكلما أتيحت لأحدهم الفرصة للدكترة والتفرد يفعل ذلك دون تردد، فالكل مشروع للديكتاتورية الجديدة المكشوفة لكل ذي عين وبصيرة، وإن كان الجميع يجهد نفسه لأداء دور فضفاض، بتمثيل مسرحية هزلية للتسلية اسمها “ الديمكراتية”، ولذلك تجدهم يباشرون أداء أدوارهم في تمثيل ميلودراما الديمقراطية على نحو هزلي، لا يملون الحديث عن (برلمانات وانتخابات وتعددية شكلية مكرسة للقسمة الطائفية مغلقة داخلياً ومفتوحة على الخارج تمويلاً وتوجيهاً وتنسيقاً) وذلك في إطار ما” تورطوا” في الالتزام به مع معاهد الديمقراطية الأمريكية والغربية، ومع المنظمات مدفوعة الأجر من بعض لوازم الديمقراطية، ومنها التعددية والحياة الحزبية والانتخابات الدراماتيكية والتي ينتخب فيها “المؤمنون المؤمنين”، ويخرجون فيها المواطنين من دائرتهم لأنهم لا يسترشدون بمرجعياتهم وبخرائط المنافع المختومة. وعندما تقول لهم إن الديمقراطية كمفهوم وممارسة، كنظرية وكتطبيق، ترتبط بالضرورة بمدنية الدولة، يقولون لك “ نعم نحن آباء المدنية ونحن من صنعها وبشر بها قبل الغرب والغربيين والناس أجمعين” وعندما تقول لهم إن الديمقراطية تتنافى مع تقديس الأفراد والقيادات والفقهاء والمرجعيات المجتهدة اجتهاد البشر، يقولون لك: “ نحن لا نقدس أحداً وإنما هذا الفرد الذي نقدسه كامل مكتمل لا يخطئ ولذلك تستدعي ديمقراطيتنا أن نتبع هداه لأنه يمتلك خارطة نجاتنا في الدنيا والآخرة”. نعم، الديمقراطية تحتاج إلى إبداع، وإلى صيغ تناسب الواقع في كل بلد، اللهم لا اعتراض، وعلى هذه الديمقراطية أن تناسب الجسد المحلي وهو ما رأيناه في كثير من شعوب دول العالم التي انطلقت إلى الديمقراطية بخصوصياتها الوطنية، فوظفت كل شيء من أجل التحرر والحرية، ولكن مهما كانت صيغة الديمقراطية وغلافها وعنوانها، فإنها وفي جميع الأحوال، نقيض حي للديكتاتورية بكافة أشكالها ومصادرها المقدسة وغير المقدسة، المهم أنها تستوعب الإنسانية وتكون بلا وصاية داخلية أو خارجية..ولذلك، إذا ما حدث لدينا مثل هذا التحول أمكن الحديث وقتها عن بداية التحرك على سكة الديمقراطية.