^  تُمنح الحصانة لبعض الشخصيات بموجب القانون لكنها أبداً لا تكون “حصانة مطلقة”؛ فمثلاً أعضاء السلطة التشريعية (النواب) يمتلكون حصانة، لكنها لا تعفيهم من المساءلة أمام القضاء في أية قضايا يتهمون فيها باختلاف أنواعها، باعتبار أن العرف السائد في القانون حول العالم يقول إن “الجميع سواسية أمام القانون ولا أحد فوق القانون”، وقياساً على ذلك عديد من الحالات. الأصوات تعالت في البحرين منذ زمن بأن القانون لابد أن يطبق، وألا يكون هناك أشخاص فوق القانون، وأن الجميع يجب أن يكونوا سواسية أمامه بغض النظر عن عوائلهم وألقابهم ومواقعهم. الكل يتفق على هذه المطالب، ونعني بالكل من ينشد العدالة والمساواة ومن يؤمن بأن الوضع المثالي والصحي لأي دولة يتمثل بكون القانون فوق الجميع وألا “واسطة” أو “حصانة” تمنح لمن يتجاوز القانون أو يرتكب فعلاً خاطئاً يجرم تبقيه بمنأى أو معزل عن المحاسبة. هذه المطالبات ونحددها بالعدالة والمساواة وإلغاء التمييز والمحاسبة على الأخطاء المرتكبة، هي من المطالب التي كانت تدفع بها بقوة مؤسسات المجتمع المدني ومنها الجمعيات المعارضة، خاصة عندما كانت تركز في حراكها على ضرورة محاسبة ظاهرة الفساد والمفسدين، وحينها سمعناهم كثيراً يقولون إنه “لا أحد فوق القانون”. الغريب أن من كان يشدد على ضرورة معاملة الجميع بالمثل وأن يكونوا سواسية أمام القانون، هو اليوم من يصنع القوائم الخاصة به، والتي لا يقبل بموجبها أن يكون من فيها مساءل أمام القانون، بل يعتبر مساءلته انتهاكاً وتضييقاً لحريته. في عرف هؤلاء، هناك شخصيات هم من يجب أن يكونوا “فوق القانون”، ولا يجب أن يطالهم القانون بأي مساءلة أو حتى أن تطبق عليهم جزاءاته لو هم خالفوه. هم من يقولون بأنهم يسعون لدولة تسود فيها العدالة وبأن تكون دولة مؤسسات وتشريعات، لكنهم في الوقت نفسه لا يقوون على تحمل تطبيق القانون عليهم. ما المشكلة اليوم لو تم استدعاء أي “مواطن” كان ليمثل أمام القضاء بموجب القانون بسبب مخالفة ارتكبها أو إخلال بالنظام؟! هل هذه كارثة؟! هم سيقبلونها لو كانت معنية بشخصيات يعتبرونها في الجانب المضاد لهم، كمسؤولي الأمن، وأفراد من العائلة المالكة، وعناصر مجتمعية ناشطة تختلف معهم مذهبياً، بل هم من رفعوا مؤخراً دعوى أمام القضاء ضد جهاز في الدولة، لكنهم لن يقبلوها بحق أنفسهم مهما حصل. اليوم يقيمون القيامة على توقيف واستجواب شخص كرس نفسه لتشويه صورة البحرين في الخارج ولإثارة الفوضى في الداخل، وتحول من مدعٍ لممارسة حقوق الإنسان إلى معارض يعلن صراحة أنه يعمل على إسقاط النظام، وكأن هذا الشخص يجب أن يمنح حصانة ضد القانون، وأن توقيفه يعد سابقة خطيرة. النقاط يجب أن توضع على الحروف، هذا الشخص يفترض أن يكون “مواطناً” حاله حال غيره، وإن ارتكب خطأ أو تجاوز فإن المساءلة بحقه إجراء عادي، إذ من يكون حتى يصبح فوق القانون؟! بل من يكون -في جانب آخر- بعض مسؤولي الجمعيات السياسية، أو خطباء المنابر المسيسين للدين حتى لا يمتثلوا للقانون إن ارتكبوا مخالفات وتجاوزات يعاقب عليها القانون؟! أليسوا مواطنين يسري عليهم القانون حالهم حال الجميع؟! الإجراء الأخير بتوقيف “الحقوقي الطائفي العنصري” ليس إجراءً استثنائياً يختلف عن غيره من الإجراءات بحق المخالفين للقانون، بل هو إجراء مبررات اتخاذه تدفعنا لسؤال الجهات المعنية بالدولة عن سبب تركه سابقاً يفعل ما يحلو له ويمارس التحريض والتحشيد ضد الدولة والنظام، إذ هل اختلفت ممارساته التحريضية ضد الدولة الآن عما كانت عليه سابقاً. إن كان التهاون السابق في اتخاذ هذه الخطوات بحق “رؤوس التحريض” يأتي نابعاً من استمرار التعويل بأن هؤلاء يمكن أن يعودوا إلى رشدهم ويوقفوا ممارساتهم الانقلابية ضد الدولة، فإن هذا التوسم والتعويل ليس مسوغاً أبداً لتعطيل القانون، أو نطبقه وقتما نشاء وعلى من نشاء. لا أحد فوق القانون، جملة سمعناها تردد بحسم وقوة من قبل المسؤولين عن تطبيق القانون، لكننا نقولها لهم وكلنا أسف، إننا رأينا طوال عام وزيادة حالات وحالات تثبت بأن القانون لا يطبق بالصرامة المطلوبة، ويثبت بأن هناك بالفعل أشخاصاً فوق القانون. إن كان ما نقوله هنا خاطئاً، وما نقوله أصلاً يكاد يكون قناعة لدى المواطنين المخلصين، فأثبتوا لنا ذلك عبر تطبيق القانون على الجميع، وعبر محاسبة كل محرض على تحريضه بحسب ما ينص عليه القانون. إن كان ما نقوله هنا خاطئاً، وأن الجهات المسؤولة تطبق القانون وأن لا أحد فوق القانون، فلماذا لا يفسر لنا أحد “اللغز المحير” حينما يخرج “مواطن” ويهتف في الجموع ويدعوهم لقتل الشرطة ويقول “اسحقوهم” ولا يتخذ بحقه أي إجراء ولا تتم مساءلته حتى بسؤال واحد! لا أحد فوق القانون، والله “ودي أصدق”!