^ حين تكون أزمتنا سياسية محضة، فإن من الواجب عيناً أن تكون أدوات الحل سياسية كذلك. لا يمكن ولا يحق لأحد أن يلعب على أدوات أخرى غير الأدوات السياسية حين تكون أزمتنا سياسية، ومن يقوم بذلك فهو يسعى لخلط الأوراق، علَّ وعسى أن ينتج الخلط حلاً سياسياً ولو مشوهاً. حين نقول إن أزمة البحرين أزمة سياسية، فإن من الضروري أن نستخدم أدوات السياسة، وأن الذي يجب أنْ يتصدى للأزمة هم رجال السياسة كذلك، أما في حالتنا البحرينية، فإن كل الأوراق مختلطة، فالأدوات كلها حاضرة اليوم، وكل بحريني أصبح سياسياً بامتياز!!. حين عاد صاحبي من جمهورية مصر العربية قبل برهة من الزمن، سألته عن أوضاع الشعب المصري، وكيف يعيش وكيف يفكر؟ فقال لي، اعلم أن الشعب المصري كله يتحدث في السياسة، من رئيس الجمهورية إلى بائع الفول في الشارع، فالمصري مسيس (عَ الآخر). اليوم ونحن نتحدث عن البحرين، استحضرت حديث صاحبي وهو يصف حال الشعب المصري العظيم، فقلت في نفسي، ما هو الفرق بيننا وبين إخواننا المصريين؟ الجميع في البحرين منخرط في السياسة، وهذه من أسباب استمرار الأزمة. حين نتحدث عن خلط الأوراق في البحرين العزيزة، فهي أكثر من أن تُحصى، فكل أدوات القطاعات الأخرى دخلتْ على خط السياسة، فلم يبقى شيء إلا وتم تسييسه، حتى فَقَدَ بريقه وقيمته الحقيقية. صحيح أن بعض القطاعات الأخرى مرتبطة بالسياسة، لكن هذا لا يعني أنها مرتبطة به في كل شيء، وفي كل حين. اليوم سُيَّست الرياضة ومعها الاقتصاد والسوق والتعليم والخدمات كلها، ولم يبقى شيء إلا وتم تسييسه وفق تفاصيل سياسية خاصة، أو وفق أجندة طائفية مريضة. نحن نؤمن أنه من المفترض ألا تُمس كثير من القطاعات بأي سوء، فالتعليم والصحة والسوق والرياضة وغيرها الكثير من قطاعات الخدمات، لا يجب أن تنتهك خصوصياتها، أو أن يتم التعدي عليها، لأن أصحاب هذه القطاعات ليس لهم علاقة بالسياسة، ومن المؤسف بعد ذلك الخلط الجائر، أن تتأثر بصورة مباشرة بفعل السياسة، وبفعل إقحامها بقوة في عالم الأجندات السياسية والطائفية. لأنَّ الخلط صار واضحاً، وربما متعمداً كذلك، وجدنا أن الاقتصاد تضرر كثيراً، والسوق أصابها الكساد، أما القطاعات الأخرى فهي في حال موت سريري. في مصر كذلك، حين اندلعت شرارة الثورة الأخيرة، حاول بعضهم الاعتداء على تاريخ مصر وحضارتها العريقة، من خلال الاعتداء على متحفها الوطني، لكن وعي الشعب المصري فوَّت على أولئك النفر اقتحام المتحف وسرقة تاريخ وطن بحجم مصر، فكوَّنوا سوراً بشرياً لحماية المتحف، وهنالك تصدى المثقفون والشباب الجامعي والكثير من المصريين، لكل ما من شأنه الإضرار بالحضارة الفرعونية وتاريخ مصر، فلا يمكن لخمسة آلاف عام أن تموت في دقائق معدودات، هكذا يفكر أبناء النيل. نحن مطالبون على أقل التقادير والخسائر، أن نتحدى ذلك الخلط في الأوراق، فنقف صفاً واحداً في سبيل الحفاظ على رياضتنا وسوقنا وتعليمنا وتنميتنا ووحدتنا واقتصادنا، فهي مشاريع ليس لها أي ذنب على الإطلاق، كي تتلوث بالسياسة. جرَّبنا الخراب والاعتداءات والمقاطعات وبعض الحركات الصبيانية، لكننا اكتشفنا أنها لم تنتج سوى المزيد من ضياع الوطن وتمزيق لحمتنا الوطنية، واليوم علينا إعادة النظر في استراتيجياتنا وفي ممارساتنا، لتكون كل قطاعاتنا الوطنية بمعزل ومأمنٍ من وحشية السياسة وقساوتها، كل ذلك من أجل الإبقاء على وطن نخاف أن يضيع في لحظة طيش.