تحول توجه دول الاتحاد الأوروبي من إجراءات التقشف إلى دعم النمو الاقتصادي، وذلك بعد تلقي منطقة اليورو دعماً خلال الأشهر الماضية عندما قدم “المركزي الأوروبي” تريليون دولار من خلال برنامجين لتوفير تسهيلات ائتمانية للبنوك لمدة 3 أعوام بمعدل فائدة يبلغ 1%. ووفقاً لتحليل صادر عن مجموعة QNB، أصبحت سياسات التقشف النقدية في أوروبا المحور الأساسي في انتخابات اليوم التي تجري في كل من فرنسا واليونان، موضحاً أن هذه التطورات تأتي في إطار حملة متنامية في أرجاء أوروبا ضد إجراءات تخفيض العجز في الموازنات. وجاءت سياسات التقشف -والتي تعتمد على تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب- ضمن جهود التعامل مع أزمة الديون السيادية في أوروبا والتي تجسدت في الاتفاقية النقدية التي وقعتها 25 دولة من دول الاتحاد الأوروبي باستثناء المملكة المتحدة والتشيك والتي ما زالت تنتظر التصديق عليها. وتتطلب الاتفاقية تطبيق الدول الأعضاء قواعد صارمة لتحقيق التوازن في موازناتها العامة وإلا واجهت غرامات، بالإضافة إلى تقليص مستويات الدين العام إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي على مدار 20 عاماً. يذكر أن أن صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية السلبية، بما في ذلك ضعف الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة في بعض الدول خلال الربع الأول من العام الجاري، أدت إلى تراجع موجة التفاؤل. كما أدى تراجع المخاوف من التعثر في سداد الديون السيادية واحتمالات انهيار منطقة اليورو إلى تخفيف الضغوط السياسية للعمل على تقليص العجز في الموازنات. ونتيجة لذلك بدأ الطرح السياسي يتحول بشكل متزايد إلى تناول الصعوبات التي سببتها السياسات التقشفية والإصلاحات الهيكلية. ويرى منتقدو السياسات التقشفية أنها تعرقل تعافي الاقتصاد الأوروبي من حالة الركود، وبالتالي من الممكن أن تُعيق تحقيق أهدافها الرامية إلى تخفيض العجز. ومن بين هؤلاء المنتقدين للسياسات التقشفية كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، جوزيف ستيغليتز والذي حذر مؤخراً من خطورة السياسات الأوروبية نظراً لعدم نجاح أيٍ من السياسات التقشفية السابقة في الدول الكبرى. وتواجه إسبانيا صعوبات كبيرة، خاصة في استعادة النمو إلى اقتصادها والذي يواجه حالة الركود من جديد مع ارتفاع العجز إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت بيانات جديدة ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية عند 24.4% وأن البطالة بين الشباب تجاوزت ضِعف هذا المستوى. ونتيجة لهذا تتجه معدلات الفائدة على الديون الإسبانية وبالمثل على الديون الإيطالية إلى الاقتراب مجدداً من مستوى 6% والذي لا يمكن استمراره. وخلال الأسبوع الأخير من أبريل، سقطت حكومتا رومانيا وهولندا نتيجة للتصويت على سحب الثقة منهما. وجاء ذلك بعد انشقاق أعضاء من التحالفين الحاكمين لمعارضتهم السياسات التقشفية التي لا تلقى شعبية بين الناخبين. ويتوقع صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له حول مستقبل الاقتصاد العالمي ألا تحقق منطقة الاتحاد الأوروبي ككل أي نمو اقتصادي خلال العام الجاري، مع تحقيق ألمانيا نمو بمعدل %3.3 في مقابل انكماش اقتصادي في بعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان. ويتوقع أن تظل معدلات النمو أدنى بكثير من المستويات التي بلغتها قبل الأزمة المالية العالمية خلال السنوات المقبلة. كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلع العجز في الاتحاد الأوروبي هذا العام نسبة %3.8 من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستعاني جميع دول الاتحاد الأوروبي من العجز بمعدلات تتراوح من %0.8 في ألمانيا إلى %8.5 في أيرلندا.