ثمة سؤال مهم يطرح نفسه بقوة مفاده: أمريكا وإسرائيل هل ستقصف إحداهما أو كلاهما المنشآت النووية الإيرانية حقاً لو خرج مؤتمر بغداد بتمديد جديد؟ هذا ما تتداوله بتكرار ممل وسائل الإعلام العالمية والمحلية، حتى وصل الأمر بخبير عسكري كويتي إلى دعوة مواطني دول الخليج إلى تخزين مواد غذائية تحسباً للحرب المقبلة الأكيدة بين إيران وإسرائيل والغرب!! وجواب هذا السؤال الآن وفي ضوء مفاوضات بغداد، ومن قبلها أسطنبول: (كلا). وهذا هو ما قلته منذ أعوام عدة، حين صعّدت إسرائيل تهديداتها إعلامياً، وقلته أواخر العام الماضي، قبيل إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها أواسط نوفمبر العام الماضي وبعده، وأقوله الآن، بعد اجتماع إيران ودول مجموعة الست في أسطنبول وعشية الاجتماع ببغداد، وأكرر ألا نتيجة إيجابية سيخرج بها الاجتماع، وإن إيران تلعب أوراق إضاعة الوقت ليس إلا. في العام الماضي أبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية “مخاوف جدية” من إمكان وجود “بعد عسكري” للبرنامج النووي الإيراني استناداً إلى ما قالت إنها معلومات “جديرة بالثقة”. وجاء في التقرير الذي نشرته: “تؤكد هذه المعلومات أن إيران أجرت أنشطة تهدف إلى إنتاج سلاح نووي” كما تشير الوكالة إلى أن “هذه النشاطات جرت قبل 2003 في إطار برنامج منظم وأن بعضها يمكن أن يكون مستمراً”، مؤكدة أنه “مع أن بعض تلك النشاطات قد يطبق في المجالين المدني والعسكري، فإن بعضها الآخر مرتبط بنحو خاص بصنع أسلحة نووية”. شبكة نووية سرية وقالت الوكالة إن إيران استفادت في تطوير عدد من نشاطاتها النووية من مساعدة “شبكة نووية سرية”، في إشارة إلى معلومات صحفية مفادها أن عالماً روسياً وخبراء باكستانيين ساعدوا طهران. وأكدت الوكالة أنها استندت في صياغة هذا التقرير إلى معلومات حصلت عليها من عشر دول أعضاء يرجح أن يكون مصدرها أجهزة الاستخبارات وأيضاً من مصادرها. ولم يكن في يد الوكالة أن تذهب إلى أبعد من هذا، في التأكيد أو التبيان أن الملف النووي الإيراني ليس ملفاً سلمياً كما يدعي الملالي، وأن الاحتمالات العسكرية فيه واردة بقوة، وأن إيران لم تتصرف بما يبدد شكوك الوكالة!! فماذا فعلت أمريكا وماذا كان موقف إسرائيل التي تردد على مسامعنا كل يوم، بل كل ساعة أن إيران نووية خط أحمر؟ تزامن الانتظار المعروف النتيجة كما ذكرت في حينه في مقال بهذا الصدد عنوانه (المخادعة النووية الإيرانية) ونشرته مواقع وصحف عربية وعالمية عدة وما زال نشره يكرر على تلك المواقع، تزامن وتوافق أمريكياً في الأقل، مع تمديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما حالة الطوارئ الأمريكية المتعلقة بإيران على وفق القرار الذي صدر في العام 1979 بعد أزمة الرهائن الأمريكيين والقاضي بتجميد مجمل أرصدة الحكومة الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية. وجاء في بيان صدر عن البيت الأبيض ليلة 12 نوفمبر الماضي أن: “علاقاتنا مع إيران لم تعد بعد إلى طبيعتها وعملية تنفيذ الاتفاقيات مع إيران المؤرخة في 19 يناير 1981 لا تزال جارية” وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أعلن حالة الطوارئ هذه في القرار التنفيذي 12170 الذي صدر في 14 نوفمبر 1979 ومدده الرئيس أوباما العام الماضي عاماً إضافياً ينتهي في نوفمبر من العام الحالي. وينص القرار التنفيذي الذي صدر بعد أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران على “التعامل مع التهديد غير العادي والاستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة نتيجة الوضع في إيران!! وهذا القرار.. بصريح العبارة وسبق صدور قرار الوكالة الدولية وما يمكن أن يترتب عليه، يعني أن جديداً أمريكياً لن يتجاوزه، اللهم إلا في ما يتعلق بالعقوبات، وهو ما يحدث منذ أربعة شهور مضت، وإيران تتعامل مع هذا الوضع منذ ثلاثين عاماً ولا يعنيها في شيء؟؟ إلى ذلك قال الناطق باسم البيت الأبيض، جاي كارني، تعليقاً على ما يمكن توقعه من موقف أمريكي في ضوء معطيات تقرير الوكالة الدولية تجاه إيران: إن واشنطن ستعمل لزيادة الضغوط على طهران للتخلي عن طموحاتها الخاصة بامتلاك أسلحة نووية ؟؟ وهو كما نرى كلام مبهم واقعاً، ولا يعني شيئاً. كما قلل كارني في معرض أجوبته عن أسئلة الصحافيين من إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، مضيفاً أن واشنطن تركز على مواصلة الجهود الدبلوماسية بهدف إقناع طهران بضرورة الوفاء بالتزاماتها الدولية. وتابع “تأكدوا من أننا سنواصل ضغوطنا على طهران وأننا سنواصل عزلها، ونعرف من خلال تحليلاتنا ومن خلال حديث الرئيس الإيراني الأخير أن هذه الجهود تحدث تأثيراً”. ونحن نعرف أن أمريكا ومنذ العام 2007 وضعت معلومات استخباراتية شديدة الخطورة بشأن الملف النووي الإيراني على الرف، وليس غريباً أن تضع أية معلومات مستجدة في المكان نفسه، فإن لديها خططها الخاصة بهذا الشأن، ولا غموض في موقفها لمن يقرأه في ضوء سيناريوهات الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي تسعى، من خلاله إلى ترتيب أمور عموم المنطقة من دون صدامات، متعظة بتجربتي العراق وأفغانستان وحتمية عدم تكرارهما كما هو واضح من مسار الأحداث في سوريا. طهران تواصل البرنامج وكان مدير أجهزة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، جيمس كلابر، قال أمام الكونغرس في وقت سابق من العام الماضي إن إيران “لا تزال تبقي خيار تطوير أسلحة نووية قائماً كما يبدو” من خلال مواصلة تطوير قدراتها من دون أن يهتم أحد لما قال!! إلى ذلك فأمريكا على أبواب انتخابات وحالة الاقتصاد تعاني ركوداً لا مثيل له ولن يجازف أوباما بخطوة كهذه من شأنها أن تنسف طموحه في ولاية ثانية ويكفيه ما لديه من مشكلات وأزمات داخلية، لنضع أمريكا على الرف، إذن، في ما يتعلق بمخاطر يمكن أن تلحق بإيران، ولنمض لقراءة الموقف الإسرائيلي، وعلامَ يقوم إصراري على أن إسرائيل وأمريكا لا تفكران في ضرب إيران، بل تستغلان ما يدور لمصالحهما الخاصة عبر إرعاب المنطقة من البعبع النووي الإيراني، وابتزاز دول الخليج العربي البترولية، يرافق ذلك تصعيد التوتر في البحرين، واتخاذها أمثولة عقابية لباقي دول الخليج العربي، والتضبيب على نواياهما تجاهها بما يدفع إلى توقع صفقة يمكن قراءة بوادرها في صفقة القمح التي أبرمتها مع إيران مؤخراً، وإن سوّغها الأمريكان بدوافع إنسانية تتعلق بالشعب الإيراني لا بحكامه. وحذر الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز العام الماضي كما يحذر الآن من أن “احتمالات شن هجوم على إيران” من جانب إسرائيل أو دول أخرى “تتزايد” وهو ما يكرره كبار المسؤولين السياسيين الإسرائيليين، منذ أعوام، وقال بيريز للقناة الثانية الخاصة في التلفزيون الإسرائيلي قبيل صدور قرار الوكالة الدولية في منتصف نوفمبر من العام الماضي، بساعات: إن “أجهزة استخبارات دول عدة تراقب (إيران) تشعر بالقلق وتضغط على قادتها للتحذير من أن إيران على وشك الحصول على السلاح الذري”. وطرحت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في حينها فرضية توجيه ضربة وقائية إسرائيلية إلى إيران، في تسريبات إلى وسائل الإعلام التي تحدثت عن انقسام في الحكومة بهذا الشأن. لكن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك نفى المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية وأكد أنه اتخذ مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قراراً بضرب إيران على الرغم من معارضة قادة الجيش والاستخبارات. وقال: “لا تحتاج أن تكون عبقرياً لتفهم أنه في 2011 في إسرائيل لا يستطيع شخصان أن يقررا التصرف بمفردهما”. وذكرت “هآرتس” تفصيلاً أن غالبية الأعضاء الـ15 في الحكومة الأمنية الإسرائيلية يعارضون حالياً شن هجوم على إيران، ووحدها هذه الهيئة تستطيع اتخاذ قرار على هذه الدرجة من الخطورة!! إسرائيل تتجهز كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أنه خلال الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في الثالث من أكتوبر الماضي، اكتفى باراك ونتانياهو بالرد “بعبارات مبهمة” على طلبه التعهد بالتنسيق مع واشنطن في أي تحرك ضد إيران. كما تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن عملية تدريبية شاركت فيها، قبل صدور قرار الوكالة الدولية، 14 طائرة إسرائيلية فوق جزيرة سردينيا الإيطالية بالتعاون مع سلاح الجو الإيطالي للتدرب على تنفيذ مهمات “بعيدة المدى” تتطلب خصوصاً التزود بالوقود في الجو، في سعي إيهامي للإشارة إلى إمكانية استخدام طائرات إسرائيلية ترضع جواً في قصف المنشآت النووية الإيرانية. لنعد إلى قراءة هذه المقاطع في تقريرنا هذا: قال شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي إن احتمالات شن هجوم على إيران من جانب إسرائيل أو دول أخرى “تتزايد” وهي مفردة توصيفية لا تقريرية كما أنها مفردة فضفاضة كررت كثيراً وما زالت تكرر، وآخر ما سمعناه أمريكياً على هذا المنوال كلام سيناتور فلوريدا الجمهوري ماركو ريبو في خطاب حول السياسة الخارجية ألقاه في معهد “بروكينغز” في 25 أبريل المنصرم حيث قال: إنه لا بد من ضربات أمريكية أحادية لازمة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، والحديث عن احتمالات ضربة إسرائيلية لإيران ليس بالحديث الجديد، وإن كان له وقعه الخاص في ضوء تقارير الوكالة الدولية وما تسربه دوائر المخابرات الغربية، لكنه لا يرتفع إلى مستوى التهديد الجدي، كما أن صلاحيات الرئيس الإسرائيلي بهذا الشأن لا اعتبار لها. ولنقرأ هذا المقطع أيضاً: نفى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك معلومات أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤكد أنه اتخذ مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قراراً بضرب إيران على الرغم من معارضة قادة الجيش والاستخبارات! ولنضع خطاً بعد النفي تحت عبارة معارضة الجيش والاستخبارات ضرب إيران. وأضاف: “لا تحتاج أن تكون عبقرياً لتفهم أنه في 2011 في إسرائيل لا يستطيع شخصان أن يقررا التصرف بمفردهما” ويقصد هو ونتنياهو؟؟ فهل تغير شيء في الربع الأول من العام 2012، يفسح المجال للتفكير بأن إسرائيل ستقصف المنشآت النووية الإيرانية؟ عام القتال ووزير الدفاع الإسرائيلي هو نفسه لا غيره الذي كان مصدر تأجيج حول الضربة الإسرائيلية لإيران حين قال قبل أيام: إن العام الحالي هو عام القتال ضد البرنامج النووي الإيراني!! وفي إشارة إلى اجتماع أسطنبول وبغداد قال: “إننا في انتظار نتائج هذه المفاوضات.. سوف نتابع المحادثات لنتأكد من أن إيران لا تستخدم المفاوضات لكسب الوقت لدفع برنامجها النووي”. وتابع أن الوقت ينفد بينما تواصل إيران تخصيب اليورانيوم وتخزنه في منشآت تحت الأرض. ومن الواضح أننا لا نشم من تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي رائحة ضربة مقبلة، بل سلوكاً منطقياً تفرضه اعتبارات عديدة، منها أن إسرائيل حريصة قبل أن تقدم على أية خطوة أن تضع الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي معها في موضع التعاطف، وهو ما لم تتمكن منه حتى الآن في المسألة النووية الإيرانية، في ضوء التصريحات المتوالية لا على مستويات الحكم والسياسة الإيرانية، أن البرنامج النووي الإيراني برنامج سلمي، كما صرح خامنئي. والحكومة الإسرائيلية هنا عليها الإجابة عن أسئلة عدة، أولاً: هل تستطيع فعلياً أن توقف برنامج إيران الذري بصفة مطلقة كما فعلت في العراق بقصف المفاعل الذري أوزيراك قبل أن يتم استكماله؟ والجواب بالطبع لا، فإيران تعلمت الدرس ووزّعت منشآتها النووية في باطن أرض صخرية في أنحاء الدولة، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها لا تملك قنابل تخترق الأرض إلى هذا العمق. أيضاً مع التسليم بأن هجوماً إسرائيلياً على إيران قد يؤخر فقط تطوير قنبلتها الذرية، فهل تستطيع إسرائيل الدخول في حرب طويلة الأمد مع إيران؟ الجواب كذلك بالطبع لا، خاصةً مع تحول المصالح والمنشآت اليهودية ومفوضيات إسرائيل حول العالم كله أهدافاً للانتقام وإمكانية إطلاق عشرات الصواريخ على إسرائيل، بالإضافة إلى ما سيلحقه هذا من ضرر بالاقتصاد العالمي وكذلك الثمن الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية إثر هجوم لا توافق عليه الإدارة الأمريكية أو لا يتم التنسيق معها عليه. وبحسب تقدير مسؤولين ومحللين عسكريين على مقربة من وزارة الدفاع الأمريكية فلكي تشن إسرائيل هجوماً على إيران تحتاج طائراتها أن تطير أكثر من 1000 كيلو متر في المجال الجوي لدول غير صديقة والتزود بالوقود في الجو ومحاربة الدفاعات الجوية الإيرانية ومهاجمة مواقع متعددة تحت الأرض، وفي الوقت نفسه تحتاج إلى استخدام ما لا يقل عن 100 طائرة، كما يؤكدون أن هجوماً إسرائيلياً يهدف إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني سيكون عملية ضخمة ومعقدة للغاية، بينما لدى إسرائيل قدرات لشن معارك صغيرة فقط، وإسرائيل تعلم أنه قبل أن تبدأ الحرب يجب أن تتفحص مصادرها جيداً وأن تتفحص نفسها أكثر من ذلك، لذا فالهجوم على إيران سيكون أكبر من قدراتها، وهو ما تعترف به القيادات العسكرية الإسرائيلية وتعارضه، بصفته مغامرة غير مأمونة النتائج من الناحية العسكرية، يعضدها في ذلك سياسيون متنفذون في حلقة صنع القرار. ولحسم صورة الموقف الإسرائيلي لنعد قراءة ما كتبته هآرتس عن موقف الهيئة الأمنية من مسألة ضرب إيران، إذ ذكرت “هآرتس” أن غالبية الأعضاء الـ15 في الحكومة الأمنية الإسرائيلية يعارضون حالياً شن هجوم على إيران، ووحدها هذه الهيئة تستطيع اتخاذ قرار على هذه الدرجة من الخطورة!! وإذا كانت غالبية الأعضاء الـ15 تعارض، وهذه الحكومة الأمنية وحدها هي التي تملك حق إصدار قرار بضرب إيران من عدمه، فمن سيصدر مثل هذا القرار سواها إذاً؟؟ ليس هناك كما أعرف سوى نتنياهو وباراك ووزير الخارجية ليبرمان، لكن هؤلاء الثلاثة لا يملكون صلاحية إصدار قرار بضرب إيران حتى في حال التأكد لا الشك بوجود البعد العسكري في النشاط النووي الإيراني. إلى ذلك فإن إسرائيل لا يمكنها التحرك في هذه الساحة من دون ضوء أخضر أمريكي، والأضواء الأمريكية كلها أطفأها أوباما سلفاً، كما بينا، عليه فإن إسرائيل وضربتها الموهومة هذا العام على الرف أيضاً!! كما إن مفاوضات مايو – بغداد – لن تثمر غير مزيد من الوقت المتاح لإيران للمضي شوطاً آخر في مساعيها النووية السرية والعلنية. أما بالنسبة للمنطقة ودول الخليج تحديداً فإن المنشآت النووية تمثل جزءاً من صراع الإرادات في المنطقة إذ تريد إيران فرض إراداتها من خلال الإنجاز النووي، وبخاصة توجهها الاستحواذي الإلحاقي على البحرين، التي تستقوي درناتها الديموغرافية التي زرعتها عبر عقود في الأرض البحرينية، بإيران النووية، لفرض مطالب سياسية تصاعدت مع ميلان كفة التعداد لصالحها ولو بحسابات غير دقيقة، للمطالبة بتغيير نظام الحكم القائم أو إسقاطه، وإلحاق البلد بفلك ولاية الفقيه، مع ممارسة سياسة إقصائية طائفية تجلت في شعار (ارحلوا) الذي رفعته تلك الدرنات في أحداث فبراير من العام الماضي وما زالت ترفعه الآن. كما تمثل صراع بقاء في الداخل المتفجر ضد ولاية الفقيه وفشل أنموذجها في الحكم وبناء الدولة والسياسات العامة. والطابع الذي يحكم السلوكية الإيرانية إقليمياً، وبنوع متزمت أكثر نحو دول الخليج، هو الطابع العدواني والعجرفة، وهو ما يمكن ملاحظته على زيارة الرئيس الإيراني نجاد لجزيرة أبو موسى الإماراتية التي تحتلها إيران، عشية المفاوضات التي تخوضها إيران مع دول مجموعة 5+1، على خلفية ملفها النووي، ومطالب المجتمع الدولي، في رسالة مفادها أن تلك المفاوضات لا تشكل انتقاصاً من الهيبة الإيرانية، كما أن على دول مجلس التعاون أن تخضع للإرادة الإيرانية في ما يتعلق بالعقوبات الدولية، وليس لإرادة المجتمع الدولي! وهو إسقاط سيكولوجي سياسي قرأه الخليجيون على أنه تحد ورسالة تهديد، وأنها زيارة عدوانية، واستعراضية، واستفزازية، وغير موفقة، وتشكل تحدياً للأمة العربية كلها. كذلك قرأته الجامعة العربية؛ إذ أكد أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة أن الزيارة تعكس حقيقة أن حكام إيران ما زالوا يسلكون سياسات الشاه في منطقة الخليج، وأن إبقاء هذه الأزمة كقنبلة موقوتة لا يصب في خدمة مصالح إيران مع جيرانها، والأمن الإقليمي للمنطقة. واستنكرت عموم دول مجلس التعاون الخليجي تلك الزيارة وسحب بعضها سفراءه من طهران. تغير الاستراتيجية وفي الحقيقة فإن العدوانية الإيرانية تجاه دول الخليج، جرت تدريجياً هذه الدول إلى اعتماد سياسة مغايرة لتلك التي كانت تعتمدها حتى وقت قريب، والتي تقوم على التساهل، والابتعاد عن فتح جبهة مواجهة مع إيران، على الرغم من تجاوزها بروتوكولات التعامل الدولي القائمة على احترام الآخر وسيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، إذ أخذت دول مجلس التعاون أمور أمنها، على سبيل المثال، بيدها، ملقية باتفاقات الحماية الأجنبية وراء ظهرها، ويمكن وصف دخول قوات درع الجزيرة أراضي البحرين بأنه الخطوة الأولى في المنعطف التاريخي في هذا المضمار، وإيران تدفع دول الخليج إلى تجاوز ضعفها بشتى السبل، وفي مقدمتها، الآن، التوجه الاتحادي، وهو أخشى ما تخشاه إيران ودرناتها في دول الخليج، فضلاً على توجهها التسليحي، الذي فاق قدرات إيران التسليحية، وبخاصة لدى دولتي الإمارات والمملكة العربية السعودية، لا بل وحتى التفكير في دخول ساحة النووي كما فعلت دولة الإمارات، العدوانية الإيرانية بهذه النتائج وضعت دول مجلس التعاون على الطريق السليم لتحقيق استقلاليتها، ودفن المؤامرات التي تحاك ضد كينونتها وشخصيتها وهويتها الوطنية العروبية، ورفع صوتها عالياً ولو كان ساسة إيران من الحصافة، بحيث يتوقعون هذه النتائج والتوجهات، لعاملوا دول الخليج بطريقة أخرى، وكم دعتهم دول الخليج للنظر إلى المصالح المشتركة أساساً للتعامل بدلاً من العدوانية وفرض الهيمنة والتآمر من دون جدوى.