^ أتصوّر أن إمكانية التوافق في الرأي بين أفراد الطائفتين الكريمتين السنيّة والشيعية لاتزال قائمةً، إذا كانت النوايا لاتزال مخلصةً، والنفوس صافيةً من أردان الكراهية، وإذا طغى عنصر التسامح والتفكير في المستقبل بدلاً من التقوقع على اللحظة الراهنة، وشحن العقول بأفكار الثأر. السبب الذي يدعوني للتفاؤل هو أن التطوّرات المتلاحقة التي وقعت خلال عام ونيف قد أفرزت رؤيتيّن للأزمة السياسية تكاد كل المرئيّات بشأن الأحداث تتمحور حولهما، وهما: الرؤية الأولى، ولنسمِّيها اصطلاحاً بالرؤية الأُحادية العاطفية، باعتبار أنها ترتكز على توصيف الواقع المباشر انطلاقاً من مشاعر انفعالية لحظية، وتتمثّل في أن أفراد الطائفتين كانوا على وئامٍ ووفاقٍ قبل أحداث فبراير، ولم يكن يعكِّر صفو علاقتهما سوى الوقائع التي جرت في تلك الأيام الصعبة، حيث يرى المنتمون لأحد المكونيّن الاجتماعيين أن أفراد المكوّن الآخر قاموا بحركة انقلابية لتغيير النظام القائم بهدف تهميش دورهم، وإقصائهم من الحياة السياسية، وقد كانت الرغبة في التهميش ماثلةً للعيان منذ الساعات الأولى لتحرّكاتهم، حيث أبرزت التصرّفات المصاحبة للمسيرات والتظاهرات، والتي جرت في بعض مؤسسات القطاع العام، محاولة واضحة لإثبات القدرة على السيطرة على الآخر، والتحكّم بمصائره، وذلك من خلال التعامل الفظ الذي يفتقر إلى اللباقة والاحترام للرأي الآخر، وعدم تقدير سنوات العشرة الطويلة الطيبة، لذا جاءت الإجراءات العقابية قاسيةً، واعتبر الطرف المتضرِّر أن الفرصة مواتية “لتأديب الآخر”، ويبدو أن هذا التصوّر لايزال قائماً إلى حين يثبت “الطرف المعتدي” ولاءه وحُسن نواياه تجاه الوطن! أما الرؤية الأخرى، أي الرؤية التعدّدية، باعتبار أن جميع المواطنين، بصرف النظر عن طبيعة انتمائهم المذهبي، يطمحون لسيادتها وتغلبّها على الرؤية الضيّقة، فلا تختلف في توصيف الأحداث السابقة، بل في تقييمها لمسارها ونتائجها، وتتلخّص في أن تلك الأحداث لم تكن من صنيعة أبناء مذهب معيّن تحديداً بل وجهّها باتجاه التصادم مع الدولة أفراد ينتمون إليه، وهؤلاء هم الذين يؤجِّجون الصراع اليومي مع السلطة، دون الاكتراث بردود أفعال أبناء المذهب الآخر ومشاعرهم، والمطلوب من المطالبين بالانتقام والقصاص فحص هذه الرؤية وتقييمها بشكلٍ مدروسٍ، وبنفس وطني تسامحي، باعتبار أن هذه هي الخطوة الأولى لإنقاذ الوطن من التشرذم!