^ في كل مرة يبرهن جلالة الملك أمام شعبه والعالم أن خيار البحرين للديمقراطية كمنهج وطريقة للحكم، هو خيار لا رجعة عنه مهما كانت الصعاب والمنغصات والمكدرات التي قد تحول دون استمرار هذا النهج في الحكم. لذا فهو في أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة يصرح أن المشروع الإصلاحي الذي أطلقه منذ تسلمه زمام الأمور في البلاد سوف يستمر وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. فالبحرين ماضية في تجربتها الديمقراطية وهي تسعى باستمرار إلى ترسيخ هذه التجربة وتطويرها بما يحقق مزيداً من المشاركة الشعبية في إدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية، وكما قال جلالته في كلمته السامية التي وجهها يوم الخميس الماضي بمناسبة التصديق على التعديلات الدستورية: “إن الإصلاح الذي كان منطلقنا منذ تولينا مقاليد الحكم، لن يتوقف فالتطور هو سنة الحياة، وما نتأمله في هذه المرحلة المهمة أن تبادر مختلف القوى والتجمعات الوطنية من ذاتها إلى تقويم عملها واللحاق بركب التطور والإصلاح”. إن المتأمل في هذه الكلمة الضافية لعاهل البلاد حفظ الله سيجد أنه حريص على مشاركة كل القوى السياسية في تطوير المشروع الإصلاحي؛ لذا فهو لم يوصد الباب في وجه القوى السياسية التي تخلفت عن حضور جلسات حوار التوافق الوطني بمحض إرادتها وذهبت إلى تأزيم الوضع السياسي، بل نراه كثيراً ما يدعوها إلى مراجعة مواقفها بأن تسلك الطريق الصحيح في تعاطيها للشأن السياسي وأن تتخذ قرار الالتحاق بركب الإصلاح. وفي ظني أن هذه الدعوة نابعة من إيمانه الشديد بأهمية مشاركة كل الأطياف والفعّاليات والقوى الوطنية في العملية السياسية دون أن يستثني أحد منها، وهذا يعني أيضاً أن الباب لايزال مفتوحاً أمامها وأن تراجع حساباتها السياسية، ومواقفها المتصلبة إزاء العملية السياسية وتلحق بقطار الإصلاح الذي انطلق في اليوم الثالث من مايو الحالي. السؤال المهم الذي يطرح الآن وبقوة في الشارع السياسي البحريني هو، هل تستجيب القوى السياسية التي تقود الشارع حالياً لهذه الدعوة الكريمة؟ في ضوء رصد ردود أفعال هذه القوى، وفي إطار ما يجري على واقع الأرض فإن كل المؤشرات تشير إلى أن هذه القوى لم تغير مواقفها السابقة، لذلك جاءت ردود فعلها سلبية على هذه التعديلات وتتماهى مع رؤاها المعروفة التي تنظر إلى كل ما يصدر عن الدولة بعين الشك والريبة. والتعديلات الدستورية الأخيرة لن تشذ عن هذه القاعدة فكونها جاءت متناغمة مع رغبات الحكومة، فهذا يعني أنها تصب في مصلحتها وليست في مصلحة الشعب كما تزعم.. وهذا قول غير صحيح البتة ومجافٍ للحقيقة؛ لأن الصحيح هو أن هذه التعديلات ليست من صنع الحكومة بل هي إحدى مخرجات مرئيات حوار التوافق الوطني الذي انعقد في فبراير2011م الذي شاركت فيه كل القوى الوطنية والأطياف السياسية التي تسعى بكل حب وإخلاص لرسم صورة جميلة للبحرين نابعة من رغبات وحاجات المجتمع البحريني، وليس من صنع الحكومة كما تدعي تلك القوى. لكن لأن التعديلات جاءت على عكس هواها وهي التي أرادت تفصيل الدستور حسب مقاساتها ووفقاً لأهوائها السياسية وطبقاَ لأجندتها الخاصة، فهي من المؤكد أنها ستطعن في هذه التعديلات ولن تقبلها حتى وأن حاول أعتى خبراء وفقهاء القانون الدستوري إقناعهم بوجاهتها ومردوديتها على تجربتنا الديمقراطية، فإنهم لن يقبلوا بها، بل أن الأمر لن يقف عند هذا الحد بالنسبة لهم إذ إنهم سيذهبون كعادتهم إلى التقليل من شأنها ونعتها (بالسطحية والشكلية) إلى آخر تلك الألفاظ في قاموسهم السياسي؛ لأن الإقرار بها والاعتراف بجدواها ينهي الأزمة التي افتعلوها، وإنهاء الأزمة بهذه الطريقة الحضارية يصطدم مع تحقيق مشروعهم وحلمهم السياسي. لذا علينا ألا نستغرب من سعيهم المستمر بكل وسيلة قانونية أو غير قانونية من افتعال الأزمات وإبقاء البحرين ساحة مفتوحة للغليان السياسي. إذ إن ليس من مصلحتهم استحسان هذه التعديلات أو قبولها؛ لأن في قبولها معنى واحداً وهو غلق ملف الاضطرابات والاحتجاجات السياسية وهذا ما لا يتمنونه. لهذا السبب فإني على يقين بأن التعديلات الدستورية لن توقف المظاهرات والمسيرات مع أنهم مقتنعون في داخل أنفسهم بأنها تصب في مصلحة شعب البحرين وهي كذلك بالفعل؛ لذا نتوقع في الأيام القادمة -ونتمنى ألا تكون توقعاتنا صحيحة- أن تشهد الساحة المحلية تصعيداً في الاحتجاجات وتأجيجاً للشارع تحت مبررات واهية بقصد إطالة الأزمة واستمرارها ولدفع الدول والمنظمات الدولية التي لها مصالح في المنطقة لتمارس ضغوطها على البحرين بهدف تمرير مشاريعها والرضوخ لمطالبها. خلاصة القول إن الأيام تثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن قيادتنا السياسية عازمة كل العزم على مواصلة مسيرة الإصلاح التي بدأتها، يدعمها في هذا الاتجاه الشرفاء والمخلصون من أبناء هذه الأرض الطيبة، ولذلك فهي لن تقف عند أصحاب الشعارات الزائفة التي نتمنى إما أن تقول خيراً أو تصمت.