^ الكل يتساءل اليوم: هل يجب أن أكون سياسياً متمرداً على القانون أو معارضاً من الشارع لأحقق أحلامي العادية وأتحصل على أبسط حقوقي؟ والكل هنا أعني بهم الشعب، وليس المتملقين الذين حققوا غاياتهم بأيسر السبل ولا المعارضين المؤدلجين الذين يتوسلهم المجتمع المحلي والدولي للقبول بمزيد من المكتسبات، والشعب الذي أعنيه هنا لا يتضمن الحقوقيين الذين يصنفون البحريني إلى أصيل ومجنس ومهجن، ولا سكان الواحات وبيوت الشعر الذين يصنفونه بقبيلي ولا قبيلي ولا رجال الدين والساسة الذين قسموه ما بين شيعي وسني، والمواطن ضائع بين هذه التصنيفات اللاإنسانية. لو كان الأمر بيدي لالتفت بكل جوارحي إلى من لا أسماء لهم، إلى العموم.. إلى الشعب.. موظفون في الوزارات والشركات والمصانع، وأفراد أمن في ميدان الخطر والساهرون على منافذ البلد، والأمهات اللاتي لا تفتر ألسنتهن من الدعاء للبحرين ولحكامها، رغم العيشة المتواضعة والسقف المهترئ، والآباء المتقاعدون الذين يتقاضون فتاتاً، والعاطلون، ورواد قسم القروض الصغيرة في البنوك وكل تطلعاتهم سكن وسيارة، هؤلاء هم البحرينيون.. بلا كلام كبير وبكل بساطة، كنوز حقيقية وكفاءات كثيرة منها مهمش، هم من يحمي البلد وقت الشدة، المعارض المزيف والمتملق الأكثر زيفاً أحسبهم عند الله جبناء ووقت الجد سيكونون على الدرجة الأولى في أول رحلة لأوروبا، البحريني العادي في أحسن الأحوال لن يكون بحسابه ما يكفي تذاكر سفره وعائلته، سيبقى هنا رغماً عنه فهذا قدره. أتحدث عن الناس الذين يعيشون حياة روتينية بين دوامهم والمقاهي الشعبية والفواتير والقروض وهموم بسيطة لا يعرفها من يغير موديل سيارته كل بضعة شهور، ولا من تأتيه الهبات أراض وقصور دون عناء، ولا الواصلين الذين يكنزون المال والامتيازات من وراء تظاهرهم بالاهتمام بالشأن العام، دوام مريح وراتب كبير وتصاريح مفتوحة للمكاتب الكبرى في البلد ويصبح من محتاج واسطة إلى واسطة يسعى وراءها الناس. ومن سخرية القدر أن المعارض كالمتملق كلاهما شخصية مهمة “في آي بي”، أما المواطن العادي الذي يزعم الجميع أنهم مهتمون بشأنه ويعملون لرخائه وكرامته فهو يدخل إلى مكاتب صغيرة مبتسماً بخجل مبتدئاً عباراته “رحم الله والديك”. الذين ينتهجون في الحياة خط السياسة أو الإعلام أو حمل لواء معارضة الحكومات كثيراً ما يتحصلون مزايا ليست لغيرهم وليست من حقهم، تسهيلات مناصب برستيج مال، للأسف هذا من صميم الديمقراطية حتى في أعرق الديمقراطيات، في حين أن من بين “من لا أسماء لهم” كفاءات لا يرقى المعارض والسياسي وصاحب القلم والميكرفون لها. هناك أناس يسخّرون أنفسهم لخدمة البلد أكثر من سياسي وصل لمراكز القرار من فراغ ومعارض تقف وراءه القوى العظمى، لكنهم قانعون لا يحلمون بالمنصب والوزارة، بل هم يتندرون بها ويعيبون قيودها والتزاماتها، ويقدرون حريتهم -إن صح التعبير- خارج المنصب والمسؤولية، مع ذلك تعتمد البلد عليهم في مواقع مصيرية بمعنى حياة أو موت، بقاء أو زوال، وبلدنا حاله حال غيره فيه المواطن المهم هو الذي يملك مؤهلات علاقات عامة والذي يصل لموقع القرار وليس من يحمي بجسده وروحه تراب وطنه، في حين هذا هو من يستحق الاهتمام الرسمي والإعلامي والالتفات لحقوقه وكرامته وليس المترفين، لكن الواقع إذا جاع أو عرى أو أصيب أو مات فلن تهتم له المفوضية ولا بان كي مون بالتالي يهمش لحساب غيره مزدوج الجنسية الواصل عند المنظمات الحقوقية. هؤلاء الناس رغم بساطة حياتهم يحملون الولاء الخالص للوطن، لا يحملون التطرف ولا خرائط المواقع الحيوية ولا كتالوجات صنع القنابل والأسلحة، ولا يهمهم تملق الكبار مع أنهم يوقرونهم ويحترمونهم، لا ينتمون لجمعيات الصفقات والكراسي، ولا لجمعيات تحرق البلد وتعلق المشانق، طوبى لهم فهؤلاء هم البحرينيون الحقيقيون، والله أكاد اجزم أن هؤلاء هم من لأجلهم يكرم الله بلادنا بالرزق وبالرعاية، وأردت فقط أن أقول كلمة حق فيهم.