بقلم ـ د. عبدالستار الراوي: الرؤية التكاملية وحدها يمكن لها أن تقترب من حقيقة ما يحدث أمامنا ومن حولنا، لتجيب عن عشرات الأسئلة والأحاجي التي تطوق المنطقة، وتفسر سلوك القادة الإيرانيين، الذين حولوا معركتهم من مقارعة الشيطان الأكبر إلى جبهة الخليج العربي، التهديدات تتوالى ضد البحرين والإمارات والسعودية والكويت كما لو أنها تشكل خطاً متصلاً على امتداد السواحل والشواطئ، مقترنة باستعراض القوة العسكرية والتدريبات الهجومية، ويتمم تأكيد ذلك كله بالتصريحات المستفزة وبالمؤتمرات، وأقرب مثال هو مؤتمر اليوم الوطني للخليج (الفارسي) الذي عقد في جزيرة أبو موسى، لتأكيد ثوابت الولاية المقدسة! وإصراراً على فرض سياسة التفريس على الأرض عنوة وبالقوة. ما يحدث اليوم في الخليج وفي العراق، منظومة مترابطة، تمثل كلاً واحداً مع ما قد يبدو من تباعد في الغايات والدواعي، فالمعلومات الأولية تشير إلى طبخة إيرانية جرى إعدادها مع حزب الدعوة وحلفائه في العراق، تتعلق بإعلان التشيع مذهباً رسمياً للدولة العراقية، وهو المشروع الذي وجد له تأييداً من (التحالف الوطني) الذي يضم أحزاب المحاصصة الطائفية، وقطع المشروع حتى الآن شوطاً كبيراً، بعد أن استكمل السيد محمود هاشمي شاهرودي ممثل المرشد ومبعوثه إلى العراق، مشاوراته مع مراجع الدين في النجف، بشأن توقيت إشهار مذهبية الدولة، وتم التباحث بشأن المشروع أثناء زيارة المالكي الأخيرة لطهران خلال لقائه المرشد والسيد شاهرودي، ومن يقرأ الصحف الإيرانية يلحظ أن طريقة عرض أخبار العراق على صفحات (كيهان، رسالت، أبرار، جمهوري إسلامي) تبدو للقارئ وكأن العراق محافظة من محافظات الجمهورية الإسلامية، تغييب العلم العراقي ولذلك فإن التغييب المتكرر للعلم العراقي خلال لقاءات المالكي ومباحثاته الرسمية، لم تكن سهواً كما سوغه علي الدباغ، ولا كان خطأً بروتوكولياً كما زعم حزب الدعوة، بل هو ظاهرة جرى تأكيدها من قبل ومن بعد، وهو إجراء متعمد ورمزية مقصودة، تريد طهران أن يعلم القاصي والداني: إن العراق أصبح تحت عباءة ولاية الفقيه، وعلى هذا المنوال التكتيكي تستمر الرسائل الإيرانية، لتعبر هذه المرة من تواجد الرئيس نجاد في الجزيرة المغتصبة (أبو موسى) لتسقط معها الصدفة وحسن الظن، وعلى خط واحد تواصل وسائل الاتصال بالكامل نداءاتها السياسية الموجهة لإشعال الفتنة والتحريض على الفوضى في الخليج العربي، ولا مجال لتصنيف البث الفضائي في قناة العالم وأخواتها الأخرى، في باب العروض الخبرية المحايدة ولا هو عمل روتيني تفرضه المتابعة المهنية، بل هو منبر إعلامي مركزي معد سلفاً يبث رسائله العدائية إلى ضفة الخليج العربية، بإشراف مكتب المرشد الأعلى وحين يطالب نائب رئيس الجمهورية الإسلامية بقيام وحدة بين إيران والعراق، بوصف البلدين روحين في جسد واحد حسب تعبيره، فإنها رسالة السيد خامنئي إلى البيت العربي بدوله ومؤسساته كافة، وفي التوقيت والتاريخ الذي تدعو فيه إيران إلى ابتلاع العراق باسم الوحدة (لتشكيل قوة كبيرة على الصعيد العالمي)، يقف العميد مسعود جزائري مساعد الأركان العامة للقوات المسلحة لشؤون القوات الشعبية التعبوية، مهدداً بقوله : (إن الزعماء العرب سيدفعون الثمن غالياً جراء مواقفهم ومزاعمهم إزاء الخليج الفارسي والجزر الإيرانية الثلاث. إن هؤلاء سيدفعون الثمن غالياً للغاية بسبب محاولاتهم الشريرة في المنطقة). ولو عاد عرب اليوم إلى تأمل أسباب حرب الثماني السنوات بين العراق وإيران ودراستها، لأدركوا معنى البوابة الشرقية وأهميتها، ولأدركوا أيضاً معنى الأمن القومي، وأن بغداد اشترطت على إيران إعادة الجزر العربية الثلاث المغتصبة إلى دولة الإمارات في أي تسوية تعقد بين البلدين. ولكي نفهم إيران فهماً موضوعياً وواعياً، يتعين علينا أن لا نقف عند قضية الجزر العربية، بمعزل عن أهداف إيران ونواياها في عموم المنطقة، ينبغي أن نحيط علماً باستراتيجية الدولة الإيرانية تجاه أقطارنا منفردة ومجتمعة، وعلينا أن نزن خطواتنا تجاه جارتنا ونتحسب لها في الموضع والتوقيت، وإن من بين خطايانا العربية في هذا السبيل أن بعض أقطارنا اندفع إلى مؤتمر المالكي المسمى بـ(مؤتمر القمة العربية) ولم يكن في حقيقته سوى فخ منصوب، الغاية منه النيل من العرب أنفسهم، فلم يمض يوم أو بعض ليلة حتى شرع المالكي نفسه بالهجوم على أقطار الخليج العربي، وجرى توقيت الزيارة إلى طهران مع قرب الاحتفال باليوم الوطني لما يسمى بـ(الخليج الفارسي)، وحمل نوري المالكي في رحلته إلى طهران مقررات القمة ووضعها بين يدي الولي الفقيه، ومن عاصمة الجمهورية الإسلامية، رفع شعار الوحدة بين بغداد وطهران، ليتخلى رئيس حزب الدعوة عن آخر ما تبقى من تعهداته أمام مؤتمر القمة الذي كان وسيلة لتلميع المالكي وحكومته المتهاوية. إيران تحكم في البصرة اليوم، وبعد السيطرة شبه التامة للمخابرات والمليشيات التابعة الإيرانية في العراق، وبعد تنصيب حاكم إيراني للبصرة بعنوان قنصل! يقود النشاط السياسي والعسكري والاستخباراتي والاقتصادي والثقافي الطائفي كله في الجنوب، القنصل الإيراني يحكم هناك من دون منازع وصور الخميني وخامنئي ملصقة في كل مكان من مدينة البصرة، وبالتواطؤ والتنسيق ما بين القوات الحكومية والأحزاب الموالية لولاية الفقيه بدأت تحت إشراف القنصل الإيراني.. تصفية حسابات ومذابح ومجازر بحق جميع المعارضين للوجود الإيراني في البصرة وخصوصاً الوطنيين من العراقيين شيعة وسنة، والكفاءات العلمية والثقافية العراقية، وبالنهاية بدء تحرك القواعد الاستخباراتية الإيرانية ونشاطها وبعناوين مختلفة في وقت متزامن في البصرة وفي دول الخليج العربية وفي الكويت خصوصاً تحت عناوين مضللة، تدل على وجود مخطط لخطوات أخرى قادمة من إيران باتجاه بعض الدول الخليجية في المرحلة الحالية. النفوذ الإيراني في العراق عموماً وبهذا الاتساع في الجنوب: سياسياً، جغرافياً، استخباراتياً واستراتيجياً هو بداية التمدد الإيراني على اليابسة بالاتجاه الساحل الآخر للخليج العربي بعد ما تمكنت إيران وخلال الأعوام الماضية من خلق بؤرها السياسية والطائفية والاقتصادية القوية والمؤثرة في الكثير من دول الخليج العربية إذ أصبح للجالية الإيرانية قوة نافذة على قطاعات مهمة من اقتصاد هذه البلدان كما في الإمارات والكويت، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العمال والمهاجرين الإيرانيين العاملين في هذه الدول، يتحولون عند اللزوم إلى خلايا يقظة لأداء المهمات المطلوبة في البلد المعني. ابتلاع النفط وتجفيف الأنهار استراتيجية القوة الإيرانية تجاه العرب واحدة لم تتغير بمجيء “الجمهورية الإسلامية”، بل ازدادت تطرفاً وعنفاً وصلفاً وعدوانية وصار التوسع على حساب العرب ودول المنطقة أبرز مرتكزات سياسة إيران الخارجية، إذ بدأت صفحتها الأولى بالاختراق الاستخباري، تلتها صفحة تآكل الهوامش والسواحل الحدودية، وتختم عملها بقضم الأرض، وابتلاع النفط، وتجفيف الأنهار وهي الاستراتيجية القائمة اليوم تجاه العراق والخليج العربي: أولاً ـ التآكل الجغرافي وقضم الأرض: 1 ـ كانت (الأحواز) فاتحة الأطماع الإيرانية في التاريخ الحديث، إذ شنّت الدولة القاجارية حرباً عدوانية مخالفة للقانون الدولي على الدولة الكعبية فاحتلت الأحواز بتاريخ 20 أبريل 1925، ومنذ هذا التاريخ والدولة الإيرانية تواصل وطوال عهودها (القاجارية والبهلوية والخمينية) محاربة كل ما هو عربي في الإقليم، فانتقلت من استلاب الأرض إلى سحق التراث وطمس التاريخ القومي، فعمدت إلى تغيير التسمية إلى (خوزستان)، كما قلبت أسماء جميع المدن والقرى والمناطق العربيّة إلى الفارسيّة، وأوغلت في التمييز العرقي، بقصد تغييب الهوية العربيّة للإقليم، فحرمت على الأحوازيين الحديث باللغة الأم، ومنعتهم من إنشاء مدارس أو جامعات أو دور طباعة ونشر باللغة العربية، ولم تكتف الدولة الإيرانية المعتدية بهذا القدر من الظلم العنصري والاضطهاد القومي، بل صادرت حق الشعب العربي الأحوازي من تسميات المواليد الجدد بتسميات عربيّة. وأهدرت جميع الحقوق الإنسانية والحريات الأساس في الأحواز، وبالغت في التمييز العنصري البغيض بين العرب وهم السكان الأصليين للأرض، وبين الفرس القادمين إلى الأحواز من شتى أنحاء إيران. طمس عروبة الأحواز وعمدت حكومة نجاد في الآونة الأخيرة إلى التغيير الديموغرافي لعربستان (الأحواز) وهو النهج العنصري الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة فجلبت آلاف الأسر الفارسية واللورية إلى إقليم الأحواز المحتل بغرض الاستيطان فيه، لتحط الرحال في أطراف مدينة بهبهان (أرجان)، وكذلك منطقة الشعيبية الواقعة شمال غرب مدينة الأحواز العاصمة، واقتطعت الدولة الإيرانية عشرات آلاف الكيلومترات من الأراضي الأحوازية لتلحقها بالأقاليم الإيرانية المجاورة، كما أنشأت العديد من السدود على مصبات الأنهر الأحوازية لتجرّ مياهها إلى المناطق الفارسيّة، مما أدى إلى نقص كبير في منسوب المياه في الأنهار الأحوازية، واندثر العديد منها، الأمر الذي ترك مخلّفات سليبة عدة في إقليم الأحواز العربي، 2 ـ الجزر العربية الثلاث: إذا كان الشاه اغتصب في 30/11/1971 بالعدوان المسلح جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى التابعتين لأمارة رأس الخيمة فإن نظام ولاية الفقيه احتل في العام 1992 (جزيرة أبو موسى) الغنية كشقيقاتها بالحديد والنفط، وأهمية هذه الجزر ليست بمساحتها ولا بعدد سكانها وإنما بموقعها الاستراتيجي عند مضيق هرمز، ومما يجدر ذكره أن 75% من النفط العالمي يمر من هذا المضيق ومنه 18% إلى الولايات المتحدة الأمريكية و52% من استهلاك أوروبا و75% من استهلاك اليابان، وبمعدل كل (11) دقيقة تعبر ناقلة ضخمة في هذا المضيق تحت حماية البطاريات الإيرانية ومراقبتها، علماً أن عرض المضيق لا يزيد على عشرين ميلاً، ومن مضيق هرمز تمر شاحنات النفط العراقي والكويتي والسعودي والقطري ونفط أبوظبي بالإضافة إلى النفط الإيراني. ومن هنا تبدو أهمية احتلال إيران لهذه الجزر الثلاث، ولماذا قابل الجانب العربي الاحتلال ببرود وتعتيم إعلاميين. 3 ـ هناك جزر عربية استولت عليها إيران من دون أن يثير اغتصابها أية ردة فعل عربية، ومنها: أ- جزيرة (صرى) الواقعة بين أبوظبي والشارقة في عام 1964 وأشادوا فيها مطاراً حربياً مهماً. ب- جزيرة هنجام القريبة من رأس الخيمة في العام 1950 وكان حاكمها أحمد بن عبيد بن جمعة المكتوم وعدد سكانها ستة آلاف نسمة لجأ بعضهم إلى رأس الخيمة والباقي إلى دبي والبحرين. ت- جزيرة (الغنم) التابعة لسلطنة عمان لأنها واقعة على مضيق هرمز. ث- تطالب إيران بثلاث جزر في الكويت. 4 ـ تصر إيران على أن حدودها مع العراق والكويت والسعودية ليست نهائية !! 5 ـ الدعاوى الإيرانية بعائدية البحرين لها تمتد إلى الفترة القاجارية وتفاقمت أزمتها في العهد البهلوي حتى العام 1971، إذ انتزع البحرينيون السيادة والاستقلال لدولتهم العربية، فيما لم يتوقف العقل السياسي الإيراني من ترديد أسطورة عائدية البحرين إلى الدولة الفارسية، حتى جاءت ثورة 1979 التي أعادت إحياء المزاعم البهلوية مجدداً، فأصبحت البحرين تحتل سلم أولويات السياسة الإقليمية لولاية الفقيه، وواحدة من بين أبرز القضايا الملحة في ذاكرة الحكام الجدد من رجال الدين، وصلت ذروتها في البيانات المستفزة في العام 2009، يوم صرح رئيس مكتب المساءلة في مكتب المرشد الأعلى والمتحدث السابق باسم “مجلس الشورى الإيراني” علي أكبر ناطق نوري، أن البحرين كانت “المحافظة الرابعة عشر لإيران حتى العام 1970”، ورددت صحيفة (كيهان) بوقاحة متناهية الأساطير ذاتها؛ إذ كتب حسين شريعتمداري المستشار السياسي للسيد خامنئي في 9 يونيو 2009، مقالاً افتتاحياً مطولاً وصف فيه “مستندات لا يمكن إنكارها” تشير إلى أن “البحرين كانت جزءاً من الأراضي الإيرانية حتى أربعين عاماً مضت”. وواصل مقاله بالقول: إن استقلال الجزيرة عن إيران لم يكن شرعياً!!. بهذا الأسلوب الوقح والساذج تعيد المدرسة الخمينية ترتيب أوراقها التوسعية، فهي لا تعترف بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وتنكر عليها إرادتها الوطنية في اختياراتها، هنا أيضاً تتجاهل ولاية الفقيه استفتاء الشعب البحريني على عروبة بلادهم الذي أجري تحت إشراف الأمم المتحدة. ثانياً ـ التآكل الاقتصادي (النفطي): قبل أن ينسى العراقيون محاولة إيران اغتصاب حقل الفكة النفطي، حذر الخبير الدولي ووزير النفط العراقي الأسبق الدكتور عصام الجلبي من نوايا إيران في استنزاف الحقول النفطية العراقية المتاخمة لحدودها، فيما جاء تقرير “المركز العالمي للدراسات التنموية” ومقره العاصمة البريطانية لندن، ليؤكد أن إيران تستنزف معظم الحقول العراقية النفطية المجاورة لها بنحو كبير، مشيراً إلى أن هذه الحقول التي تحتوي على احتياطي نفطي يقدر بأكثر من 100 مليار برميل لا تعدّ كلها حقولاً مشتركة لأن قسماً كبيراً منها عراقي بالكامل ويقع ضمن الشريط الحدودي العراقي. استنزاف النفط العراقي ويذكر التقرير: إن حجم ما تستنزفه إيران من النفط العراقي بلغ قرابة الـ130 ألف برميل يومياً من أربعة حقول عراقية هي حقول (دهلران ونفط شهر وبيدر غرب وأبان)، في حين أن حجم التجاوزات الإيرانية لحقول (الطيب والفكة وأجزاء من حقل مجنون) بلغ قرابة ربع مليون برميل يومياً. ويقدر المركز العالمي للدراسات التنموية حجم التجاوزات الإيرانية للنفط العراقي ما قيمته 17 مليار دولار سنوياً أي قرابة 14 بالمائة من إيرادات الدولة العراقية التي كانت ستصب في مصلحة المواطن العراقي. ظثالثاً ـ التآكل البحري: محاولة الهيمنة البحرية على المياه الإقليمية العراقية من جهة والسيطرة على مضيق هرمز من ناحية أخرى. رابعاً ـ التآكل المائي وتجفيف الأنهار : 1 ـ أقدمت إيران على قطع المياه عن أكثر من 45 رافداً وجدولاً موسمياً كانت تغذي الأنهار والأهوار في العراق، أهمها أنهار (الكرخة والكارون والطيب والوند)، وآخرها نهر (هوشياري) الذي يغذي محافظة السليمانية. وكانت الحكومة العراقية أعلنت يوم 17 يوليو 2011 أن إيران أوقفت منابع نهر (الوند) الداخلة إلى الأراضي العراقية بنحو كامل، واكتفت الحكومة العراقية بالقول: (إنها خطوة تؤثر على الزراعة والثروة الحيوانية في مناطق محافظة ديالى) والمعروف أن نهر الوند ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل العراق جنوب شرق مدينة خانقين، ويتجه شمالاً شاطراً المدينة إلى شطرين، قبل أن يلتقي بنهر ديالى شمال مدينة جلولاء. ويبلغ طول هذا النهر نحو خمسين كيلومتراً، ويعدّ شريان الحياة لمدينة خانقين. 2 ـ على الرغم من احتجاجات البصرة على الإجراءات الإيرانية بتجفيف الروافد المائية وتسببها بشحة المياه فإن حكومة المالكي لزمت الصمت بصفة مخزية حيال اعتزام إيران إغلاق ما تبقى من الأنهر المتجهة إلى العراق بالإضافة إلى القطع النهائي لمياه نهر الوند منتصف يوليو 2011 والتهديد الجدي لسكان مدينة الخانقين، بل أن حكومة المالكي تجاهلت نداءات وزارة المياه العراقية لتدخل وزارة الخارجية للضغط على إيران. 3 ـ طبقاً للتقرير الصادر عن “المكتب السياسي للمنظمة الإسلامية الأحوازية” فأن “هناك سلسلة مشاريع إيرانية الهدف منها تجفيف الأنهار في مناطق الأحواز المحتلة، وحرمان العراق أيضاً من تلك المياه”، إذ قطعت إيران مجرى أكثر من 40 رافداً كانت تغذي الأنهار والأهوار في العراق وجرّفت الكثير منها في تعدٍ صارخ على القانون الدولي. 4 ـ في 26 مايو 2011 افتتح الرئيس نجاد مشروعاً عملاقاً لنقل المياه من منابع نهر قارون الأحوازي إلى مدينة قم، لنقل أكثر من 200 مليون متر مكعب من المياه الأحوازية إلى مسافة تزيد عن 800 كيلومتر”، وهذا المشروع كما تبين للمنظمة الأحوازية: “سياسي بالدرجة الأولى وغاياته تجفيف الأحواز وعدم السماح بوصول قطرة مياه واحدة إلى العراق، ماعدا مياه الصرف الصحي الإيرانية وسموم المصانع ومصافي النفط في الأحواز المحتلة”. وبهذا الانتهاك العدائي تكون إيران ضربت عرض الحائط قرار معهد القانون الدولي الذي صدر في اجتماع مدريد في العام 1911 بعدم جواز تغيير أو تحويل مجرى النهر الذي يعبر بصفة طبيعية من أراضي دولة إلى أراضي دولة أخرى عبر منشآت بغرض التحويل أو التغيير من دون أخذ موافقة الدول المشاركة في النهر. ما العمل؟ إن التمادي والتحدي والاستخفاف الإيراني لم يأت من فراغ، فحكام طهران يدركون تماماً أن التهديدات الأمريكية والإسرائيلية حول ملفها النووي ليس أكثر من حرب ناعمة تتوالى فيها التصريحات بين كر وفر لكنها لم تغادر ميدان الكلام، وينطبق هذا الأمر على سياسة إيران التوسعية على حساب العرب، إذ التغافل وعدم الاكتراث من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على الرغم مما تحمله هذه السياسة من مخاطر، على المنطقة وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تتبدى أمام المراقب مؤشرات عديدة على وجود نوع من التفاهمات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية على تقاسم مناطق النفوذ بينهما، وهذا ما يفسره الدور المريب الذي أعطته واشنطن لإيران في العراق، الذي تحول في عهد نوري المالكي إلى أداة للتآمر على دول الجوار العربي، بما يهدد أمن الدول الخليجية، بعد أن أصبح حزب الدعوة في بغداد كما حزب الله في لبنان مركزاً لبث الفتن الطائفية بوساطة فروع هذا الحزب وأنصاره داخل بلدان الخليج العربي، بالإضافة إلى عناصر الحرس الثوري الإيراني الموجدين في أكثر من بلد عربي بعد إعادة انتشارهم، وهذا ما يفهم من تأكيد (رحيم صفوي) المستشار العسكري للمرشد الأعلى (خامئني) في تصريح له إبان أزمة مضيق هرمز: “إن صواريخ الحرس الثوري تغطي مياه الخليج بالكامل”؟. ومع هذه الوقائع وضروب التهديد الإيرانية فإن الأمر يوكل بجملته على أمة العرب وفي الزمن الراهن إذ تعيش أسوأ فترات تاريخها من الضعف والفرقة والهوان، بسبب فقدان الإرادة المستقلة المنبثقة من الواقع الوطني الموضوعي، وتغلب النزعة القطرية الصغيرة على مصالح الأمة وأمنها القومي باللجوء إلى سياسة المحاور المتنافرة، ذلك كله جعل غالبية أقطار الوطن العربي تتخلى عن واجبها في بناء مستلزمات التضامن والتكامل فيما بين بلدانها المبعثرة بين التحالفات الخارجية، وزاد الأمر سوء غياب الوعي بتهديدات الأمن القومي المشترك، هذا جانب من جوانب الوهن التي أصابت الأمة، وباتت مكشوفة لكل ذي بصيرة وعقل، وهو أمر شجع الطامعين على الاندفاع في تحقيق مآربهم والمضي في مشاريعهم، فبسبب ضعف الأمة وقعود الأنظمة العربية وتراخيها احتلت بغداد، وبالسبب نفسه قُدِّم العراق إلى إيران على طبق من ذهب، الطريق الوحيد المتاح أمام العرب هو العودة إلى الهوية، والاعتماد على النفس، وامتلاك الإرادة الوحدوية المستقلة التي من شأنها توفير فرصة بناء القدرة الذاتية على مواجهة الأخطار وتأمين الأمن الإقليمي والقومي، والخطوة الوحدوية المنتظرة لابد أن يشرع بها من داخل البيت الخليجي.