كتب- طارق مصباح: انتشار ظاهرة سكن العمالة العزباء بين الأحياء السكنية بنحو لافت ومنذ زمن في البحرين، أثار شكاوى عديدة انتقلت إلى صفحات الصحف ووسائل الإعلام وترددت أصداؤها في مجالس البحرين كلها وفي أي حديث بين بحريني وآخر. وهذه المشكلة التي أرقت الشارع البحريني لم تجد تحركاً رسمياً جاداً للحد منها أو القضاء عليها على الرغم من المناشدات الشعبية المستمرة، فأين يكمن من جانبنا، وبغية كتابة هذا الموضوع وجهنا بتاريخ 11 مارس الماضي ثلاثة خطابات إلى وزارات العمل والبلديات والتخطيط العمراني والصناعة والتجارة، ولكننا مع الأسف الشديد لم نتسلم منها إلا رداً واحداً من غرفة تجارة وصناعة البحرين. وهذا نقوله هنا لنعرف مدى اهتمام هذه الجهات الرسمية بحل هذه المشكلة أو الظاهرة التي يجأر البحرينيون بالشكوى منها. ساكنون من دون إقامة بدايتنا كانت في مجلس عادل الرويعي.. إذ ذهبنا إلى هناك وطرحنا هذه المشكلة، وقال لنا أحد رواد المجلس “إنكم لو لم تطرحوها لطرحناها نحن، فهي معاناة كل واحد فينا”. وقال المواطن فاروق المنصوري إن مشكلة العمالة العازبة ليست بالكبيرة على الرغم من آثارها الخطرة المتعلقة بالجرائم والسرقات إذا ما قورنت بالعلاج اليسير الذي يتطلب قراراً حكومياً بتخصيص منازل للعمالة العازبة كما فعلت العديد من دول الخليج العربي. لكن المواطن خالد المران أكد لنا أنه شاهد العديد من العمال في بيوت صغيرة، بل تبين أن بعضهم يسكنون في هذه البيوت على الرغم من عدم وجود إقامة رسمية لديهم. وأبدى استيائه من قيام بعض المقاولين وأرباب العمل بجعل العمال يسكنون في بيوت قديمة متهالكة غير صالحة للعيش الآدمي إذ تنتشر بينهم الأمراض، مشدداً على أن وجودهم بين العائلات البحرينية يؤثر على العادات وحدثت مشكلات اجتماعية كثيرة في هذا الشأن. تجارب ناجحة لم تعمم وألقى المواطن عبد الله باقر باللائمة على وزارة العمل التي سمحت لهؤلاء العمال بالسكن وسط الأحياء السكنية وقال: إن على صاحب المؤسسة إلزام المقاول بتوفر سكن لعماله بعيداً عن تلك المناطق. بينما وجه صاحب المجلس عادل الرويعي أصابع الاتهام إلى وزارة البلديات التي لم تسن قوانين تحدد عدد العمال في البيت الواحد، مطالباً بالكشف عن أية إحصائيات ومخالفات لدى البلدية في هذا الشأن، مستشهداً بنجاح تجربة منطقة عسكر والحد وغيرها من المناطق التي أنشأت بيوتاً مخصصة للعمالة العزباء بعيداً عن الأحياء السكنية، الأمر الذي يؤكد أن حل المشكلة بصفة راقية يحفظ لجميع الأطراف حقوقها على وفق تخطيط سليم. نحتاج إلى قوانين منظمة ورأى محمود البنخليل أن المشكلة متعددة الأطراف وتتسم بالتعقيد ولكنها إذا قوبلت بقوانين صارمة لمعالجة المخالفات فإنها ستحل بنحو أكيد، بينما رأى عبدالحكيم القرشي أن هذا الموضوع يحتاج إلى قوانين لتنظيمه وإلى وجود عدد كافٍ من المفتشين لمتابعة التجاوزات. وأكد المواطن جمال صالح الدوسري أن وجود العمالة العازبة وسط الأحياء السكنية وفي بيوت قديمة له أبعاده الصحية والبيئية والاجتماعية، معلناً اتفاقه مع ما طرحه الذين سبقوه في الحديث، وقال إن “العديد من الحرائق نشبت في تلك البيوت، بالإضافة إلى أن هذه العمالة لديها ثقافة تتعلق بالملابس تختلف عن مجتمعنا لأنهم يلبسون “الوزار” ويخرجون به غير آبهين لجانب الحياء في مجتمعنا..!” معايير قانونية لكن العضو البلدي يوسف الصباغ طالب الحكومة بمعالجة هذا الموضوع على وفق المعايير القانونية في ظل غياب قانون واضح، مؤكداً وجود مشكلات اجتماعية وصحية وثقافية جراء انتشار سكن العمالة العازبة وسط الأحياء السكنية وأنه تلقى شخصياً العديد من الاتصالات والشكاوي وعاين الكثير من الحالات التي تعد مخالفات صريحة ومشكلات اجتماعية لا ينبغي السكوت عليها تتعلق بعلاقات غرامية مع الخادمات واعتداءات على الأعراض وانتشار للفئران بين الأحياء السكنية للعائلات البحرينية في المحافظة الوسطى والجنوبية جراء هذا الأمر العشوائي! وأشار الصباغ في معرض كلامه إلى وجود قانون يناقشه مجلس النواب لتنظيم هذه المشكلة، مبيناً أن المجلس البلدي رفع رؤيته حول الموضوع مطالباً بسرعة إصدار القانون تحقيقاً للمصلحة العامة. ووجه الصباغ حديثه موجهاً نداءه إلى بعض المواطنين الذين غلبهم الـ«جشع وحب الذات” فأجّروا بيوتهم القديمة الآيلة للسقوط لهؤلاء العمال مما أدى إلى انتشار هذه الظاهرة وتبعاتها بين العائلات البحرينية. الجهود النيابية.. إلى أين؟! في العاشر من مارس الماضي وافقت لجنة الخدمات في مجلس النواب على مشروع قانون سكن العمال للحد من وجود العمالة الأجنبية العازبة بأعداد كبيرة في المناطق السكنية، موصية بتعديل المادة (2) من المشروع لتنص على حظر تأجير العقار إلا بعد الحصول على تصريح من الجهة المختصة وحصر السكن للعمالة المحدد بالمجلس البلدي وأن يكون خارج المجمعات السكنية، ويوجه إنذار لإخلاء العقار المخالف خلال 30 يوماً وعقوبة تتراوح بين 1000 إلى 5000 دينار للعقارات المخالفة، كما ألزم المشروع صاحب العمل بتحديد أسماء العمال الساكنين وتحديث بياناتهم لدى وزارة العمل. توجهنا إلى الرئيس التنفيذي لغرفة تجارة وصناعة البحرين السيد إبراهيم أحمد اللنجاوي وسألناه عن مسوغات رفض الغرفة مشروع قانون بشأن تحديد مناطق معينة تخصص لسكن العزاب من العمالة الأجنبية العزباء، فأجاب: على الرغم من نبل الأهداف التي يرمي إليها مشروع قانون بشأن سكن العمال والذي يقترح تنظيم سكن العمالة الأجنبية العزباء خارج المناطق السكنية، إلا أن تطبيقه عملياً صعب نسبياً، ويرتكز تحفظ الغرفة على تداعيات هذا الأمر على المدى القريب والبعيد، فلو نظرنا إلى تجربة بعض دول مجلس التعاون في تحديد مناطق معينة تخصص لسكن العزاب من العمالة الأجنبية فسنرى مدى خطورة ذلك وإفرازاته التي تمثلت بزيادة المظاهر السلبية خاصة الأخلاقية والأمنية، كما إن تكتل العمال العزّاب خاصة في أماكن محددة يؤدي إلى مشكلات بعيدة الأثر من الناحية الاجتماعية والسياسية وغيرها، وستترتب على تحديد مناطق معينة لسكن العمال زيادة كلفة تنقلهم أو نقلهم من مكان إقامتهم إلى مكان عملهم والعكس صحيح . وقال : إن الغرفة لا ترفض تخصيص مقر إقامة سكن العمالة العازبة في المناطق الصناعية التابعة لها فأغلب المستثمرين أو أصحاب الشركات الكبرى كشركات المقاولات وغيرها لديهم مساكن لعمالهم، إلا أن الغرفة تشدد على ضرورة أن يكون سكن هؤلاء العمال لائقاً بهم مع توفر شروط النظافة والصحة والحياة الكريمة التي تحول دون تعرض هؤلاء العمال للأمراض والأخطار، وهنا تأتي مسؤولية مفتشي الوزارات المختصة في التأكد من اشتراطات الصحة والسلامة في المساكن . وأضاف اللنجاوي: إن وزارة العمل لا تألوا جهداً في تحديث جميع الأنظمة والتشريعات الخاصة باشتراطات سكن العمال ووضع آلية لتعديل الوضع الراهن، فالوزارة تحث أصحاب العمل بنحو مستمر على ضرورة الالتزام بالاشتراطات الصحية لمساكن العمال سواء عن طريق الغرفة أم عن طريق نشر إعلان في الصحف المحلية، إلا أنني شخصياً أتمنى أن يرى قانون العمل الجديد النور في أقرب وقت ممكن لأنه يضع ضوابط وقيود على صاحب العمل بضرورة توفير سكن لائق للعمال التابعين له حسب المعايير الدولية في هذا الشأن . وشدد على أنه من الضروري تنظيم أماكن لسكن العمالة العزباء حتى لا يكون قربهم من المجتمع المحلي نقمة على المجتمع نفسه، وفي الوقت نفسه يجب ألا تكون أماكن سكنهم في مناطق نائية، وأرى من وجهة نظري أن الحل هو أن تختص المجالس البلدية بتحديد أماكن مخصصة لسكن العمال الأجانب، فهذه المجالس هي الأقرب للتعرف على المناطق المناسبة لهذه الفئة من العمال، وأنا لا أرى في ذلك أي حد من حق العامل في الإقامة وإنما هو تنظيم لهذه المسألة، والتنظيم لا ينتقص من الحق، شريطة أن تكون مساكن العمال المقامة في هذه الأماكن صالحة من الناحية الأمنية والصحية والإنسانية حسب المعايير الدولية مع تكثيف الحملات التفتيشية عليها . وجدد اللنجاوي دعوته إلى أصحاب الأعمال بضرورة الالتزام باشتراطات الصحة والسلامة المهنية حفاظاً على أرواح العمال وسلامتهم، وتوفير السكن الآمن واللائق للعمال الأجانب ومراقبة المباني القديمة الآيلة للسقوط من أجل تطوير اشتراطات السلامة فيها، إذ شهدنا خلال الفترة الماضية بعض الحوادث المؤسفة التي راح ضحيتها عدد من العمال الأجانب، لذلك لا بد من العمل لتوفير بيئة عمل سليمة للعمالة الأجنبية في البلاد، وهذا بحد ذاته سيطور العملية الإنتاجية كما أنه سيؤكد مدى التزام أصحاب الأعمال البحرينيين بمعايير العمل الدولية.