^ مصر: مواجهات دامية تقع في محيط وزارة الدفاع في حي العباسية بمدينة القاهرة، تسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى. السودان الدولة تعلن، إثر المعارك التي اندلعت بينها وبين جيش جنوب السودان وبلغت ذروتها في 10 أبريل 2012، واستيلاء ذلك الجيش على منطقة “هجليج” النفطية، عن تعهدها بوقف الأعمال العدائية ضد جنوب السودان لكنها تحذر من حقها في الدفاع عن نفسها ضد ما يمكن أن تعتبره شكلاً من أشكال العدوان. اليمن: القوات المسلحة اليمنية تشن هجوماً واسعاً على مديرية “زنجبار” في محافظة أبين وسقوط قتلى من الجانبين. العراق: سلسلة من الانفجارات تهز العاصمة العراقية بغداد، وتودي بحياة العشرات، وتخلف وراءها مئات من الجرحى. سوريا: 13 قتيلاً ومئات من الجرحى، ومثلهم مئات أخرى جرى اعتقالهم، إثر استباحة القوات السورية جامعة حلب، بعد خروج مظاهرات طلابية تندد بنظام الأسد. ليبيا... بل وحتى تونس، ليست الأوضاع التي يعيشها المواطن فيها بأحسن حال من تلك البلدان العربية، المشار لها أعلاه. ما يجتاح المنطقة العربية اليوم، شبيه إلى حد بعيد، إذا ما نزعنا عنه أردية المعاصرة التي يتستر وراءها، بتلك الفترة التي سادت البلاد العربية في العقدين 1020 و1030، عند سقوط الخلافة الإسلامية، وبدء مرحلة ملوك الطوائف الذين قسموا البلاد إلى 22 كياناً سياسياً، نصب كل أمير منهم نفسه على واحد منها، متوهماً أنه تحول إلى ملك، لكنهم كانوا، جميعاً يدفعون الجزية للملك ألفونسو السادس، بل ولا يترددون عن الاستعانة به للفصل فيما ينشب بينهم من خلافات، أو لنصرة واحد منهم على الآخر. خطورة الحالة العربية اليوم، والشبيهة إلى حد بعيد، بما عانته المنطقة العربية في حقبة ملوك الطوائف التي نتحدث عنها، ما تفرزه من سلوكيات أخلاقية سيئة على المستوى الفردي، وبرامج مضللة تهدد كيان الدولة، وتحض على الفوضى، وتشجع على التمرد العبثي، على المستوى السياسي، وتغييب، واع أو غير واع، للمقاييس المجتمعية على المستوى المدني،، وتفش لأسواق سوداء غير شرعية لكنها مدمرة على الصعيد الاقتصادي، يمكن تلمس أبرز معالمها، وبسهولة، من خلال المظاهر التالية: 1. الاستنجاد بجهات أجنبية، دول كانت تلك الجهات، مثل قوات الناتو في ليبيا، أو مؤسسات دولية كالأمم المتحدة كما هو الحال عليه في سوريا. هذه الاستعانة تشرع الأبواب تماماً، كما شرعتها أمام ألفونسو السادس، أمام عودة النفوذ الأجنبي إلى المنطقة، بعد أن طردته منها معارك الاستقلال التي عمت المنطقة العربية منذ أواخر الأربعينات، في أعقاب انتهاء الحرب الكونية الثانية. 2. صراع الديكة بين القوى الجديدة، وليس بين أي منها وفلول النظام السابق، حيث يهدف كل فصيل فيها إلى انتزاع بحق أو بدون حق شرعية أنانية زائفة، تبيح له الوصول إلى سدة الحكم، بعد ادعائه غير المشروع، تمثيل القوى الصاعدة، المعبرة عن “غالبية الجماهير أو الشعب”. هذا الصراع شبه العبثي، القائم أساساً على فكر تجزيئي (شبيه بمرحلة الدويلات) يستمد عناصر قوته، ومقومات استمراره، من نزعات طائفية، ليست بالضرورة، كما قد يتوهم البعض، أو يروج له البعض الآخر، نابعة من انتماء مذهبي، بل ربما منطلقة من خلفيات “مناطقية”، كما في ليبيا، أو عرقية كما في العراق، أو تنافسية ضيقة كما في مصر، وتنبع خطورتها من أن محصلتها، تماماً كما كان الأمر عليه في مرحلة دويلات الطوائف، تشظ على مستوى الدولة الواحدة، وتمزق على صعيد المنطقة العربية الشاملة. 3. تهميش تقزيمي مقصود لمنظمات المجتمع المدني، من خلال حرفها عن دورها المهني أو الاجتماعي، وزجها عوضاً عن ذلك، بعد النجاح في مخطط الإمعان في تسييسها، في معارك سياسية ضيقة الأفق، لا تخدم، في نهاية الأمر، المجتمع الذي يفترض فيها مخاطبته، أو الفئات المهنية التي ينبغي لها الدفاع عن مصالحها، وإنما وخلافاً لكل ذلك الانزلاق للدفاع عن مصالح فئة معينة طائفة كانت تلك الفئة، أم عرق، أم منطقة، أو حتى قوة سياسية لا تخرج برامجها الحزبية عن ذلك الإطار الفئوي المدمر. 4. انتعاش جريء لا يعرف الخجل، ولا يخشى الإفصاح عن نفسه، يسري في جسد الانتهازيين المتربصين بالاقتصاد الوطني، الذين لا يتورعون عن الاستعانة بمعاول هدم أجنبية أيضاً، ترمي لهم ببعض الفتات، كي تشبع جشعهم، وتحتفظ لنفسها بالغنائم التي توفر لها النفوذ من جانب، والمكاسب الاقتصادية من جانب آخر. تشهد على ذلك صفقات نفطية مشبوهة يباع فيها النفط العربي بأسعار زهيدة نسبياً تقل كثيراً عن أسعار السوق يتولى الترتيب لها سماسرة محترفون ترافقها وتحت مبررات واهية صفقات سلاح تهدر المال العام من جانب، دون أن تعزز القدرة الدفاعية العربية من جانب آخر. ولا يمكن أن نغفل هنا ازدهار الأسواق السوداء الباحثة عن حالات فوضى شبيهة بتلك التي تسود المنطقة العربية اليوم، كي تبدأ في نصب دكاكينها المروجة لتجارة المخدرات، أو تلك التي يتكسب من ورائها سماسرة التلاعب بأسعار العملات المحلية مقابل الأجنبية. ليس هناك ما يمكن أن يشخص هذه الحالة العربية المتمزقة من العودة لقراءة، وبذهنية معاصرة دون إسقاطات غير مبررة، ما دونه الفيلسوف العربي ابن حزم الأندلسي الذي يعتبره الكثيرون أفضل من أرخ لمرحلة دويلات الطوائف التي سادت الأندلس بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك، وعودة البلاد إلى النفوذ الإسباني، في تحفته الموسومة “التلخيص لوجوه التخليص” التي يصف فيها حالة تلك الدويلات العربية المتهالكة قائلاً “وأما ما سألتم من أمر هذه الفتنة، وملابسة الناس بها، مع ما ظهر من تربص بعضهم ببعض، فهذا أمر امتحنا به، نسأل الله السلامة، وهي فتنة سوء أهلكت الأديان إلا من وقى الله تعالى من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب. وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه، أولها عن آخرها، محارب لله تعالى ورسوله، وساع في الأرض بفساد. والذي ترونه عياناً من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية التي تكون في ملك من ضارهم وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون على أهلها ضاربون للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمين في أخذ الجزية والضريبة من أهل الإسلام... (إلى أن يقول) بل ووزراء من اليهود كابن نغرالة اليهودي الذي اتخذه باديس بن حبوس في غرناطة، فكان له الأمر والنهي ولابنه من بعده.. (كي يصل إلى القول) غرضهم فيها استدامة نفاذ أمرهم ونهيهم، فلا تغالطوا أنفسكم، ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزيفون لأهل الشر شرهم...”. ليس المقصود هنا بطبيعة الحال الخروج باستنتاج خاطئ يدين بضرورة التغيير، وحاجة المنطقة العربية له، وإنما التحذير من انحراف مسيرة التغيير، وسقوطها في فخ شبيه إلى حد بعيد بذلك الذي كان ضحيته ملوك تلك الدويلات.