^ نظم فيلق القدس الإيراني ندوة بعنوان (الشباب والوعي الإسلامي)، حاضر فيها قائد الفيلق العميد قاسم سليماني في الـ 20 من يناير الماضي، وتم توجيه الدعوة لحضور هذه الندوة عدد من الشباب من الأقطار العربية التي شهدت أحداث الربيع العربي ضد أنظمة الحُكم فيها. ومن ضمن ما أكده العقيد أن (بلاده -إيران- يمكن أن تنظم أي حركة تهدف إلى تشكيل حكومات إسلامية في الأقطار العربية). وكعادة النظام الإيراني فإن حكومته نفت عقد هذه الندوة وما جاء فيها. ومعلوم لدى المتتبع للشأن الإيراني في المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة أن النظام الإيراني يصف أحداث الربيع العربي بصحوة الوعي الإسلامي، وأن هذه الأحداث (مُستلهمة من الثورة الإيرانية) التي أطاحت بنظام الشاه، عدا الثورة الوطنية السورية التي يعتبرها مُخططاً أمريكياً وعربياً ضد سوريا ورئيسها الذي يتلقى الدعم الكامل وبتوجيهات مباشرة من المرشد الإيراني الأعلى للثورة الإيرانية. وأشار المحاضر إلى أن هذه الثورات (تأخذ طابعاً إسلامياً وستتبلور مع مرور الزمان على شاكلة الثورة الإسلامية الإيرانية)، مُضيفاً أن (الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإمكانها التحكم في هذه الثورات لتوجهها نحو العدو!!). وأوضح (أن هذه الندوة فرصة لكي يُسافر الآلاف من الشباب الذين لهم دور مؤثر في حِراك الوعي الإسلامي إلى إيران بغية التخلص من الحساسية الناجمة عن “إيرانوفوبيا”، حيث سيتمكن هؤلاء الشباب من مشاهدة حكومة إسلامية أنشئت على أسس دينية في إيران)، وفي قسم آخر من ندوته أكد سليماني (تواجد الإيرانيين في الجنوب اللبناني والعراق، وإن هذه المناطق تخضع بشكل أو بآخر لإرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأفكارها). مضت على هذه الندوة خمسة أشهر، ومازالت الأحداث مشتعلة في بعض أقطارنا العربية، وتداعياتها مازالت مستمرة على بعضها الآخر. وقد أكدت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية (أن الترحيب الإيراني بثورات الربيع العربي لم يكن فرحاً بها وإنما أمل في استغلالها لصالحها ولكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف). إن الحقيقة تخالف هذا الاعتقاد الإيراني، وهو أن الثورات العربية ليست استلهاماً من الثورة الإيرانية، وإن كان لها تدخل في بعض أحداث الأقطار العربية إلا أن هذه الثورات جاءت رداً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوقية والاجتماعية المتردية في المنطقة العربية. فقد أنكر السيد راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي أن (الثورة التونسية هي ثورة الشعب التونسي التي لا قائد لها إلا مظلوميته وطموحاته وإرادته)، كما إن الثوار المصريين (منعوا رفع أي شعار إسلامي حتى لا تدعي إيران أن ثورة 25 يناير هي ثورة مُستلهمة من إيران). وأن رياح التغيير وخاصة بعد الانتخابات التشريعية لغرفتي البرلمان المصري والتونسية لم تأتِ كما تشتهي إيران؛ كما إن إيران (انقلبت على الثوار الليبيين لأنهم رفضوا السير في ركابها وسمتهم بثوار الناتو). والآن وبعد أكثر من سنة على هذه الثورات والأحداث العربية هل تبين موقف إيران الحقيقي من هذه الأحداث؟ ليس هناك محطات لدى طهران الآن سوى دمشق التي بدأ النظام فيها يتهاوى شيئاً فشيئاً، فقد تراجعت سمعة إيران السياسية كثيراً في العواصم العربية الأخرى، خصوصاً بعد أن فازت بالمقاعد التشريعية قوى إسلامية لا تضمر لها إيران وداً مما أفقد تأثيرها على الشارع العربي. وهذا مرده موقف إيران من الاحتجاجات الشعبية الإيرانية بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2009، وسجلها الحقوقي الإنساني، ودعمها للنظام السوري ومشاركتها معه في قمع التظاهرات الشعبية السورية، في الوقت الذي تدعي فيه بأنها (ثورة إسلامية تساند الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط). لقد كانت هناك أسباب سياسية لتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وقد حلت إيران وتركيا مكان القوى العربية الرسمية التي تراجعت إبان حرب لبنان عام 2006 وحرب غزة عام 2008 والحصار الصهيوني عليها، ثم الاعتداء على أسطول الحرية، فكانت لإيران وتركيا مواقف أدت إلى رفع رصيدها عربياً؛ وعندما اندلعت الأحداث في الأقطار العربية اغتنمت إيران تلك الأحداث واعتبرتها فرصة ذهبية لاختراق تلك الأقطار، فأعلنت عن دعمها (لحق الشعب العربي في التحرر من الاستبداد والتطلع إلى الحرية والديمقراطية) في تونس ومصر وليبيا واليمن، لكن مع أحداث سوريا تغيرت الاستراتيجية الإيرانيةّّ مُعتبرة ذلك تآمراً على دولة المقاومة والممانعة العربية، وعمل الإعلام الإيراني -الفضائي- على تسليط الضوء على الروايات الرسمية السورية وتجاهل المعارضة ورواياتها، وحدث تنسيق عسكري وأمني بين حزب البعث العربي السوري والحرس الثوري الإيراني لأجل احتواء الانتفاضة السورية والقضاء عليها. كما إنها وقفت مع أحداث البحرين وأيدت مطالب القوى السياسية ورفضت تدخل أقطار مجلس التعاون الخليجي في أحداث البحرين، واعتبرت وجود قوات درع الجزيرة في البحرين احتلالاً. أما في العراق فإنها أيدت خطوات رئيس حكومة الاحتلال وأصدرت لصالحه فتوى بتحريم التظاهر باعتباره دعوة للفوضى والفتنة. هذه من تناقضات الدولة الإيرانية تجاه ثورات الربيع العربي. وإيران تدرك يقيناً بأن أي ربيع حقيقي عربي سيطرد النفوذ الإيراني والصهيوني والأمريكي والغربي من الأراضي العربية. كما إن إيران تعرف جيداً بأن زمن المقاومة والممانعة السورية قد انتهى ولن يعود. ومراجعة للسلوك السياسي والإعلامي الإيراني إزاء هذه الأحداث كشف عن التناقض في مواقفها، فقد تبين أنه لا يوجد موقف إيراني حقيقي من أحداث الربيع العربي، فموقفها هو مجموعة أجندات ومصالح، فهي ترى هذه الأحداث من حيث تأثيرها على مصالحها في المنطقة العربية والخليجية بالذات.