^  الشكر موصول للنائب البرلماني الشاب محمد العمادي على كشفه بالأمس عن التوجه الجديد لشركة ممتلكات البحرين القابضة بشأن وضعية شركة طيران الخليج باعتماد خيار تصفية الشركة وتسديد مديونياتها وإنشاء شركة جديدة. هنا أؤكد على كلام النائب بأن العاقل لا يقبل بضخ دم في جسم يستمر في النزيف، وأزيد عليه بأنه لابد أولاً من وقف النزيف والذي لا ندري كيف يكون في حال طيران الخليج. لسنا أبداً ضد الناقلة الوطنية ولا ضد أي شركة تمثل البحرين ويفترض بها أن تكون واجهة ناجحة لها، لكن هناك حداً فاصلاً بين النجاح والفشل، وأبداً لا يكون الفشل إلا نتيجة لأسباب، وفي شأن طيران الخليج فإن الحال وإن تغير بتغير مجالس الإدارات أو الرؤساء التنفيذيين لم يتغير كثيراً إذ النتيجة للأسف كانت واحدة تتمثل بخسائر لا تتوقف. تخيلوا أن كل بحث يجريه النواب بشأن الشركة يكتشفون فيه أموراً غريبة تدخل في شأن العملية الإدارية، ترتبط بقرارات خاطئة، والنتيجة زيادة الهدر المالي بالشركة. في كل تصريحات سابقة لمسؤولي الشركة كنا نتمنى وجود إجابات صريحة وواضحة على السؤال الأهم: لماذا وضعية الخسائر هذه؟! ولماذا لا يمكن تحسين وضعية الشركة بحسب الوعود التي تطرح في كل مرة يطلب فيها دعم مالي ضخم يستنزف موازنة الدولة؟! إن مجرد القول بأن الحل هو تصفية الشركة وتعيين مجلس إدارة جديدة لشركة جديدة، يعني أن الإدارة الحالية غير قادرة على إصلاح العطب، وربما يؤكد ما يمضي له الكثيرون للقول بأن محاولة انتشال الشركة زادتها غرقاً لأن “الأدوات” غير مناسبة. تذكرون تصريحات النائبين الدرازي والمير بشأن حالات يتضح فيها عملية صرف رواتب خيالية، واليوم كل نائب بحسب اجتهاده في البحث بشأن الشركة من منطلق واجبه أصلاً كممتلك لأداة رقابية ومحاسبية يطالعنا بمعلومات غريبة وعجيبة. النائب العمادي يقول بأن لدى طيران الخليج أربع طائرات “أيرباص” متوقفة في المطار تصرف عليها الشركة 700 ألف دينار كل طائرة! يضاف إلى هذه المعلومة المعلومات الأكثر انتشاراً والتي يعرفها أغلب الناس المتعاملين مع خطوط الناقلة الوطنية وهي عملية إغلاق أو فتح خطوط بطريقة يتضح فيها الارتجال. النائب عبدالحكيم الشمري يقول بشأن القرض الأول بقيمة 400 مليون دينار بأن الشركة قامت بزيادة رواتب الموظفين وقدمت عروضاً للتقاعد المبكر وكأنها تحقق نجاحات وأرباحاً مالية فائضة، في وقت تم فيه إرجاع موظفين خرجوا على التقاعد المبكر مرة أخرى في خطوة غير مفهومة. كثير من الأمور تحصل في طيران الخليج بطريقة تثير الاستياء بشأن هدر المال العام، بالتالي كان من الطبيعي جداً توقع قرار اللجنة المالية بتوصية رفض الاعتماد المالي، وبيان أن القرار جاء انطلاقاً من قسم النواب على أنفسهم بحماية المال العام من الهدر وسوء الاستخدام. طبعاً لو وافق النواب على الـ664 مليوناً المطلوبة كقرض جديد في فترة زمنية أقل من عام على قرض الـ400 مليون الأول، فإن عليهم بالتالي أن يواجهوا الشعب قبل مواجهة مسؤولي طيران الخليج، إذ لا يعقل أن يكون حراك النواب ضعيفاً في شأن إقرار موازنات مالية ضخمة لرفع رواتب الناس، أو حتى إلغاء استقطاع الواحد بالمئة للتعطل بينما يمدون شركة صار شعارها الخسارة بمبلغ يفوق المليار دينار في فترة زمنية لا تتجاوز العامين. نتابع هذا الملف الشائك بشأن الشركة والمعلومات المثيرة التي تنشر يومياً، ونتذكر البيان الأخير الصادر عن الرئاسة التنفيذية للشركة بشأن الانتقاد التي توجه سواء من قبل النواب أو الصحافة وحتى الناس، بأن هذه العملية (نعني النقد المكفول دستوريا للجميع في هذا البلد) من شأنه التأثير على شكل الشركة وقدرتها على المنافسة ويولد انطباعاً سلبياً لدى الراغبين في الاستفادة من خدماتها. مع احترامي الشديد فإن هذا القول ما هو إلا تبرير في غير محله، إذ للعلم مجرد أن ينتشر خبر في الصحافة سواء أكان من الشركة نفسها أو النواب أو الحكومة بشأن طلب الشركة لقرض جديد بالملايين، ومجرد نشر مبررات الطلب في وسائل الإعلام والمساجلات بين المعنيين بشأنه، فإن تأثير كل هذا أكبر من تأثير تصريحات نيابية أو مقالات صحفية. المنطق يقول هذا، إذ لن تخسر الشركة سمعتها لو انتقدها من يحق له ممارسة الانتقاد كحق مكفول، بل تخسر سمعتها حينما تخرج بشكل دوري على الملأ لتطلب الملايين تلو الملايين من خزانة الدولة. عموماً، فكرة تصفية الشركة مطروحة منذ زمن، وإنشاء شركة جديدة “من الصفر” قد يكون خياراً مناسباً لكن يفترض أن تسبقه “شروط” يتم الالتزام بها حرفياً، على رأسها اختيار الطاقات والكفاءات القادرة على إدارة مثل هذه الشركة بطريقة تخلو من الأخطاء الإدارية وأي نوع من المحسوبيات، وأن تضمن عبر خطة مدروسة تعرض بشكل واضح وشفاف على الملأ تحقيق العوائد والأرباح. هدفنا واضح ونوايانا صادقة، نريد لأي شركة وطنية أن تزدهر وتحقق النجاحات التي تخدم البحرين وأهلها، لكن هذا لا يكون إلا بإدارة صحيحة وممارسات خالية من الفساد أو التخبط أو القرارات الارتجالية، وبعقلية بعيدة جداً عن التصادم واعتبار بقية الأطراف المسؤولين في المجتمع عناصر “عدوة” تريد الإضرار بالشركة. والله يحز في النفس أن نرى ناقلتنا الوطنية تصل إلى هذا الحال، تطلب القرض تلو القرض من الدولة، بينما شركات طيران شقيقة فقط على الصعيد الرياضي كـ«رعاة” تمتلك ملاعب كروية ضخمة باسمها في بريطانيا، وترعى فرقاً رياضية كبيرة مثل الأرسنال ومانشسترسيتي وميلان وغيرها، حتى فريق كوينز بارك رينجرز الذي رعته الشركة حينما كان في الدرجة الأولى باتت ترعاه الآن وهو يلعب في الدرجة الممتازة خطوط طيران دولة آسيوية، المفارقة أن هذه الدولة رغم أنها جهة استقطاب سياحية كان خطها ضحية عملية إغلاق العديد من الخطوط التي أقدمت عليها الشركة. نعم، صعب جداً ضخ الدم في جسم ينزف باستمرار دون العمل على وقف النزيف، بالتالي في الحالة التي هي أمامنا يتضح تماماً بأن آخر العلاج هو “الكي”!