كثيراً ما نسمع مفهوم “السياسة الخارجية” عندما يتعلق الأمر بإحدى القضايا الدولية أو الإقليمية في هذه المنطقة أو تلك، وقليلاً ما يتم التعرف على هذا المفهوم ودلالاته وأهميته لأي دولة، وكيف يتم صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية. السياسة الخارجية بمفهومها البسيط هي الاستراتيجية التي تتبعها الدولة لإدارة علاقاتها الخارجية في محيطها الإقليمي والدولي بما يضمن لها تحقيق مصالحها الوطنية. فكما للدول سياسات داخلية تقوم فيها الحكومة بالتعامل مع العديد من الأطراف سواءً كانت سلطة قضائية أو تشريعية، أو مؤسسات مجتمع مدني، أو غيرهم من الجماعات والأفراد، فهناك أيضاً مكونات موجودة في محيط أي دولة على المستويين الإقليمي والدولي يجب أن تتفاعل معها لحماية مصالحها. فعلى سبيل المثال إذا كان الحديث حول مملكة البحرين، فإننا نقصد أن هناك العديد من القوى الإقليمية والدولية التي يجب أن تتفاعل معها الدولة لحماية مصالحها الوطنية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة، ومجلس التعاون الخليجي باعتباره منظمة إقليمية مهمة في المنطقة. أما على المستوى الدولي فهناك المئات من بلدان العالم التي يجب أن تتعامل معها الدولة، وأن تحدد إطاراً واضحاً للتعامل معها، ويشمل ذلك أيضاً التعامل مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات المعروفة. فعندما تتعامل المملكة مع هذه الدول والمنظمات فإنها تعتمد في تحديد طريقة التعامل على كيفية حماية المصلحة الوطنية وتعظيمها بشكل متوازن بما لا يضر مع مصالح الدول والمنظمات الأخرى انطلاقاً من مبادئ المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فعملية صناعة أو تشكيل السياسة الخارجية ترتبط بعناصرعدة أبرزها: رؤية وتقدير السلطة التنفيذية “الحكومة” والسلطة التشريعية “البرلمان” للمصالح الوطنية العليا؛ لذلك هناك لجنة برلمانية متخصصة في شؤون السياسة الخارجية لدى كلاً من مجلسي الشورى والنواب تقوم بمراجعة أداء الحكومة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومواقفها تجاه القضايا الإقليمية والدولية المختلفة. أيضاً يمكن تفسير سبب اهتمام غرفتي البرلمان بإصدار بيانات بشكل دوري حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية أنه جزء من عملية تشكيل السياسة الخارجية باعتبار أن أعضاء السلطة التشريعية يمثلون الشعب، ومثل هذه المواقف تعد تمثيلاً للرؤية الشعبية العامة. كما إن الأطر الدستورية والقانونية التي تحدد ملامح السياسة الخارجية العامة للدولة كمبادئ أساسية، هو ما سيتم توضيحه لاحقاً في هذا المقال. إضافة لدور وتأثير الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص في السياسة الخارجية البحرينية. أما بالنسبة لكيفية صناعة وتشكيل السياسة الخارجية، فإنها تتم عبر عملية تقوم على خمس مراحل هي : تقييم الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية. وضع أهداف السياسة الخارجية. تحديد خيارات السياسة الخارجية. اتخاذ القرار السياسي رسمياً بشأن خيارات السياسة الخارجية. تنفيذ قرارات السياسة الخارجية. بدأت السياسة الخارجية البحرينية عام 1971عندما نالت البلاد استقلالها، وحدد دستورالبلاد آنذاك أسس ومبادئ هذه السياسة التي تشرف على تنفيذها الحكومة من خلال التنسيق المباشر عبر وزارة الخارجية. وفي عام 2001 عندما أقر ميثاق العمل الوطني في الاستفتاء الشعبي العام تضمن مجموعة محدثة من المبادئ والأسس التي ينبغي أن تقوم عليها السياسة الخارجية لمملكة البحرين، وهي المبادئ والأسس السارية حتى الآن لتنظيم طبيعة تفاعل البلاد على المستويين الإقليمي والدولي بما يضمن حماية المصالح الوطنية العليا. ويمكن تصنيف أسس السياسة الخارجية البحرينية طبقاً لميثاق العمل الوطني إلى طريقتين؛ الأولى تتعلق بالعلاقات الخليجية، والثانية تتعلق بالعلاقات الخارجية. وبالنسبة للعلاقات الخليجية فإن مبادئها تقوم على ضرورة حماية وتطوير المصالح المشتركة بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي لطبيعة الترابط بينها. لذلك أقرالميثاق فكرة أن أمن ورفاه البحرين جزء لا يتجزأ من دول الخليج العربية الأخرى. ولذا أقر الميثاق ضرورة العمل على تحقيق المزيد من التنسيق والتقارب والتكامل في كيان مجلس التعاون الخليجي المشترك. وهو ما يفسّر سبب اهتمام السياسة الخارجية البحرينية بمشروع الكونفدرالية الخليجية لأنها تعد مرحلة أكثر تقدماً في التكامل الخليجي. أما على صعيد العلاقات الخارجية، حدد ميثاق العمل الوطني مجموعة من الأسس المهمة لتكون إطاراً إرشادياً للسياسة الخارجية لمملكة البحرين. من أبرزها عروبة البحرين باعتبارها جزءاً هاماً من هوية شعب الدولة، وقناعتها بضرورة تطوير العمل العربي المشترك من خلال تفعيل دور جامعة الدول العربية. وموقف الدولة الثابت من القضية الفلسطينية، والقضايا الإسلامية الأخرى عبر منظمة المؤتمر الإسلامي. ومن المبادئ كذلك احترامها للدور الذي تقوم به هيئة الأمم المتحدة. من الأسس المهمة للسياسة الخارجية البحرينية التي وردت في ميثاق العمل الوطني، التمسك بمبدأ تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وحظر استخدام القوة للنيل من سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة. واحترام كافة الاتفاقيات والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بهذا الشأن، ومن هذه المبادئ أيضاً: حرية التجارة الدولية، وحرية انتقال الاستثمارات ورؤوس الأموال والقوى العاملة، واحترام الثروات الطبيعية للدول.

للتواصل: [email protected]