زكريا رضي أتت مداعبة أحد الإخوة الأشقاء السعوديين من ضيوف المهرجان، حينما قرأ عنوان المسرحية “لا وقت للحب” فعقب مداعباً وهل الحياةُ إلا الحبّ؟ فأجبته تلك مفارقة العرض، فالعرض من أوله لآخره، دعوة للحب، ودعوة لاستمطار الحب من رحم المأساة، هنا تحديداً جدلية العرض ولعبة المفارقة. «لنبكِ قليلاً ولنفرح كثيراً” تلك كانت باختصار شديد، رسالة عرض الافتتاح لمهرجان المسرح الخليجي الخامس، “لا وقت للحب”، الذي عرض على خشبة الصالة الثقافية مساء يوم الخميس الفائت، وتلك أيضاً كانت رسالة المخرج والمؤلف والمخرج معاً. وبالدرجة التي كان المخرج عبدالله سويد أميناً ووفياً لنص المؤلف، إلا أنه بدا واضحاً، كيف تمكن المخرج من مزج الفرح بطعم أكبر مما هو في حيّز النص، فأضفى على المجموعة مزيداً من الإيقاعات المفاجئة، التي تخللت العرض، كما افتتح بمشهد عزف بين شخصيتين اثنتين لم يكن متضمناً في النص، ليبدأ به قبل أن يدخل “مازن” الحزين فضاء العرض ويقلب مسار الأحداث وتبدأ اللعبة. وبمكرٍ شديد تمكن المخرج من تحريك النص وفق جدليته التي أرادها المؤلف الحزن بإيقاع الفرح، فوظف العربة المتحركة بحسب ما تطلبت رؤيته، وكانت لوهلة تبدو وكأنها “مسرح عُرس”، وأحياناً وكأنها عربة موت أخير، أو منصة إعدام لجولييت، وماكبث، وشخصيات شيكسبير التراجيدية. ربما كان في جدلية الحزن والحب هذه ما من يستدعي الذاكرة لرؤية الشاعر أبي العلاء المعري في قصيدته الخالدة غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد، لكن العرض لم يكن بتلك العبثية التي أفصح عنها أبو العلاء، بل هو قراءة فرائحية للحزن، أو المأساة بطعم الملهاة، ولعلّ هذه الثيمة، أهمُّ ما في النص “المقترح” لاجتهادات مغايرة، وعرضاً على العرض، ونصاً على النص، وهي الثيمة التي ينبغي عليها العمل وإعادة الإنتاج مستقبلاً. دعوة (لا وقت للحبّ) ليست دعوة للرقص على الجراح، بقدر ما هي أن تعيش ألمك بأمل، ولا تجعله يتغلب عليك. من انتصر آخراً؟ سؤال سيجيب عليه المتفرج بعد أن يفرغ العرض شحنته فيه.