^   ليس من قبيل المبالغة القول إن صورة أمريكا في العالمين العربي والإسلامي هي الأسوأ منذ سنوات طويلة، فرغم جهود ومحاولات واشنطن تحسين تلك الصورة بعد أحداث 11 سبتمبر2001 وصرف الكثير من الأموال وتعيين المسؤولين والخبراء لتغيير صورتها إلى الأفضل في إطار ما أسمته معركة “كسب القلوب والعقول”، إلا أن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح ومن غير المتوقع أن تحقق نجاحًا في المستقبل المنظور للعديد من الأسباب وفي مقدمتها سياستها الخارجية التي تحقق نجاحًا مشهودًا في كسب أعداء وناقمين وساخطين جدد باستمرار. ارتكبت واشنطن الكثير من الحماقات وتورطت في العديد من المغامرات العسكرية وانتهكت القيم الأخلاقية والمقدسات الدينية مما جعلها الدولة الأولى بامتياز من حيث العداء والكراهية لها، والحق أنه عداء مبرر وكراهية مفهومة باعتبارهما أقصى ما تستطيع دول العالم وخاصة المغلوب على أمرها فعله إزاء الأخطاء والجرائم الأمريكية. وقد كان عام 2011 مليئًا بالأحداث والأزمات العربية التي كشفت “غباء” السياسة الأمريكية وانحيازها الفاضح لمصالحها، وإن كان ذلك على حساب الشعوب الأخرى، فقد ابتعدت عن الثورة المصرية واكتفت بدور المراقب والمتابع فقط إلى أن اتضحت لها الصورة جيداً، وأدركت أنها ثورة حقة ومبررة وقادرة على إزاحة النظام فتحولت جهودها وسياساتها لتظهر بمظهر “راعي” هذه الثورة والمدافع عنها والمؤيد لها باعتبارها بداية للتحول الديمقراطي في مصر، وعندما وجدت صعوبة في إقناع الشعب المصري بذلك تحاول جاهدة إحداث الفوضى واستمرار حالة عدم الاستقرار في مصر من خلال ما تسميه المنظمات الحقوقية . كما انغمست واشنطن في الحرب ضد القذافي بزعم القضاء على نظامه الديكتاتوري وإقامة الدولة الديمقراطية، في حين أنها كانت تسعى للحصول على الثروات التي تتمتع بها ليبيا فيما بعد إسقاط القذافي. وفي مملكة البحرين، حاولت واشنطن أن تقوم بدور الناصح الحكيم؛ إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً، حيث كان التردد والتخبط مسيطراً والانحياز إلى فئة دون أخرى غالباً. والملاحظ أن واشنطن التزمت الصمت تجاه الأزمة البحرينية فترة طويلة وبعد أن نجحت الدولة في تجاوز المرحلة الأخطر منها ظهر الصوت الأمريكي “النشاز” مطالباً بالحوار “الجاد” بين الوفاق والحكومة. ويبدو أن هذه الدعوة فرضت فرضاً على صاحبها وهو الرئيس “باراك أوباما” حيث لم يوضح المقصود بالحوار الجاد وشروطه ومتطلباته، كما لم يقدم تفسيراً واحداً لاختياره الوفاق فقط دون غيرها من مكونات المجتمع للدخول في حوار مع الحكومة البحرينية، فضلاً عن تجاهله لحوار التوافق الوطني ومحاولات “الوفاق” إفشاله كما حاولت مع الانتخابات النيابية التكميلية. والمثير للدهشة فعلاً أن واشنطن لم تغير هذا الموقف رغم صدور تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، والذي أكد أن ما تسمى “المعارضة” هي المسؤولة عن الأزمة برفضها الحوار الذي دعا إليه سمو ولي العهد. ولم تكتف واشنطن بذلك، بل تدخلت بشكل غير مقبول في الشأن البحريني سواء عبر مسؤوليها الذين توافدوا تترا للمنامة والتقوا أشخاصاً تسببوا في إطالة أمد الأزمة وحالوا دون معالجتها بصورة جذرية، كما كانت السفارة الأمريكية مكاناً آمناً وساحة مفتوحة أمام بعض القوى البحرينية دون غيرها مما يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول تلك المواقف المنحازة لطرف تسبب في أزمة غير مسبوقة وقوى تحاول القفز على الشرعية وإسقاط الدولة بينما تتجاهل خطوات ومبادرات إيجابية متعددة من قبل القيادة والحكومة. أما في سوريا، فقد سقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث وضحت صورة المراوغ والمخادع الأمريكي وراحت واشنطن تتلاعب في التصريحات وتتذرع بالشرعية الدولية وتحتمي بالفيتو الروسي والصيني كي تبقي على النظام السوري قائماً وتبتعد عن الحل العسكري على غرار ما حدث في ليبيا. وفي الوقت الذي بحثت فيه واشنطن عما يجب على الدولة فعله في البحرين، تجاهلت خطايا النظام السوري وغضت الطرف عن آلاف القتلى والجرحى الأبرياء وركزت جهودها على المعارضة السورية حيث وجدت في تشتتها فرصة ذهبية للهروب من التدخل العسكري أو حتى تسليح هذه المعارضة بما يعينها على مواجهة قمع وبطش النظام السوري. الدرس الأبرز والأهم الذي يمكن أن نخرج به هو أن واشنطن لا تقيم وزنًا لصداقات ولا تعطي أهمية لتحالفات ولا تسعى سوى لمصالحها ومصالح إسرائيل.