رغم علمنا أن ثورة الاتصالات الحديثة قد ساهمت في تقريب المسافة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وساعدت على إنهاء الأعمال بسرعة أكبر، واستطاعت أن تنقل الأخبار في وقت الحدث، إلا أن لها أيضاً جانبها السلبي. الجانب الذي يؤثر على نفسية الإنسان، فأنت تسمع الأخبار وتشاهد المذابح التي تجري هنا وهناك وتكون في قلب الكوارث الطبيعية، ونعيش في برك الدم ونحن في غرف نومنا، خصوصاً وأن الشر يعم والخير يخص، كما نقول دائماً، فالحروب الأهلية التي تحدث في أبعد قرية نائية تصل إليك وأنت تحتضن الوسادة أو تبلع لقمة الغذاء. الإنسان الطبيعي في عالمنا المعاصر، حينما يشعر بالروتين اليومي الذي يدمر خلاياه وأعصابه ويؤدي به في كثير من الأحيان إلى سقوطه بين أيادي الأمراض الجسدية، والتي في واقعها ليست إلا تعبيرات النفس عن معاناتها، لذلك تتحول إلى الجسد لتخفف عن نفسها، مما يساهم في وضع الإنسان المصاب بها في وضعية حرجة، قد يخرج أو لا يخرج منها. ونحن نلاحظ كم هي مرعبة الضغوط النفسية التي يمر بها الإنسان المعاصر. الإرهاق الجسدي والضغوط اليومية والركض وراء النجاح والفوز والتنافس مع الآخرين على قصب السبق، دائماً ما يؤدي إلى التوتر والتوتر يؤدي إلى تشوش الأفكار، وبالتالي إلى عدم الرؤية في الأطروحات التي تطرحها وأنت تتحاور مع الآخرين حول أفضل السبل لإنجاح مشروع مالي، وهو خارج من الورق إلى مرحلة التنفيذ. فيما أنت تتأمل ما حولك وتدخل أقصى الداخل، في هذه اللحظة الهامة من لحظات التأمل يتحرر العقل من تراكم الأفكار المتلاطمة على مدى الـ 24 ساعة في اليوم، إن الضغط النفسي والجسدي يؤدي إن لم ننتبه جيدا إلى الضغط على الجانب الروحي، مما يجعل هذا الجانب نتيجة لسيطرة الدنيوي على الأخروي معرضاً للإصابة بكثير من الأمراض اليومية. لهذا أقول حينما تخلو من الأفكار السلبية تفتح المجال واسعا أمام كل الإمكانات الفكرية المعطلة والمحاصرة باليومي والمألوف والتقليدي، إلى الانطلاق للتعبير عن غير المحدود وغير المنتهي وغير المألوف، مما يشعل الطاقة الذهنية والفكرية والإبداعية المعطلة والتي تقارب كما يرى المتخصصون في هذا النمط من الأعمال حوالي 95%. إن الخروج إلى الحدائق العامة المفتوحة أو سواحل البحار أو الوقوف تحت ضوء القمر، أو التجول بعيداً عن الضجيج بكل أنماطه وأنواعه وإشكاله، كلها تساعد على التخفيف من التوتر الذي تعانيه، على شرط أن تغلق تليفونك النقال وتأخذ إجازة من الاتصال بالآخرين.